ولادة نبي الأمة في رحاب الذكري العطرة لسيد الكائنات
ولد الهدي فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناءً
نبي بعثه الله سبحانه وتعالي ليزرع الأمل في نفوسنا ويملأ الأرض عدلا وخيرا كيف لا وهو سليل جده إبراهيم عليه السلام وقد اصطفاه الله سبحانه ليحمل معاني الإسلام السامية ويخرج الإنسان الجاهل من الظلمات إلي النور.لم يكن الثاني عشر من ربيع الأول من عام (570) والمسمي بعام الفيل حدثا عاديا ولا مجرد تاريخ يسجل في صفحات الماضي المشرق . بل هو يوم احتفلت به ملائكة السماء قبل البشرية علي أرجاء الأرض بمولد سيد الأنام واشرف خلق الله محمد صلي الله عليه وآله وسلم . لقد عانت الإنسانية جمعاء من حالة الظلام والجهل الفكري والنفسي وحتي الديني والعقائدي . وكان الطابع الغالب عليها استلاب الحقوق والعمل علي المكارة والمواظبة علي الشرور وزرع حالة الصراعات الطاحنة والفناء لعموم البشر والدخول في مشاحنات تدوم لسنين طويلة تحرق الأخضر واليابس ويشيب لها الولدان قبل أوانهم .وما شهدته الجزيرة العربية من الضياع الأخلاقي في ذلك الوقت وأد البنات والغارات علي القوافل وسبي أصحابها وغارات القبائل فيما بينها وعبادة الأوثان ومحاولة الانجرار إلي ملذات الدنيا والانغماس بها علي إننا لا ننكر أنها امة عريقة من جهة أخري في مسائل الكرم وإغاثة الملهوف والانتصار للضعيف والإيفاء بالوعود والعهود . ولكن الصفة الغالبة والاهم هي ما تم ذكره سابقا . فكان مولد البشير المصطفي محمد صلي الله عليه وأله وسلم مولد امة أشرقت الأرض بنور ربها معلنة قدوم خير طال انتظاره ومنقذا أنقذ العالم منذ إن بعثه الله سبحانه تعالي بشيرا ونذيرا مخلصا البشرية من الظلمات إلي النور فكان بحق أنبل واشرف من مشي علي هذه المعمورة . مهما حاول العديد من الكتاب والباحثين وصف هذه الشخصية العظيمة يقينا سيقفون عاجزين عن ذكر مآثر سيرة لا يمكن أن تدرج بكتاب أو مجلة أو حتي مكتبة زاخرة في عناوينها . فما أروع أن يذكر اسم محمد (ص) في كل آذان يرفع وكل شهادة يشهد بها المسلم بوحدانية الله ورسالة نبيه . وما ازهي ما جاء في ذكر الله الحكيم (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) فهو الرحمة المهداة والبشير النذير فهو يبشر برسالة الإسلام السمحاء والدين الجديد بكل ما يحويه من رحمة وعطف ومسامحة وخير للإنسان . انه طريق الخير الذي لا ضلالة به وهو درب السائرين نحو جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين . لم يكن هذا اليتيم غير محمد (ص) لقد عرف اليتيم قبل ولادته جنينا في بطن أمه فعرف المحبة والحنين والمسح علي رأس اليتيم لأنه كان واحدا منهم وعندما اشتد عوده عمل مع عمه أبي طالب في التجارة لذلك شجع علي العمل وحارب البطالة وكان أمينا مع كل من عمل معه وشهد له الأعداء من المشركين الذين أطلقوا عليه اسم الصادق الأمين . صادقا في أقوالة وأمينا في أمثاله لا يخاف في الله لومة لائم ومع ذلك هو الحنون بين أتباعه والناس الذين قاتلوه . لقد تحمل عناء الدعوة والمجاهرة بها وما لاقاه علي يد محاربي دعوته والجلد والصبر الذي تسلح به هو درس لنا في المطاولة والصبر علي الحق ومحاولة الصمود في درب السائرين علي نهج محمد (ص) وصحبه الأبرار .
لقد كان قرآنا ناطقا يمشي علي الأرض فلم يكن الناس جاهلين بعقيدتهم بل كانوا بحاجة لمن يوجههم إلي طريق الصواب . والدليل علي ذلك إن الأصنام التي كانت تعبد في الكعبة المشرفة ما هي إلا وسيلة توصلهم إلي الله زلفي (قربي) حسب اعتقادهم . إذن هو دليل بوجود الخالق ومع ذلك يتقربون لله بهذه الوسيلة . لقد صحح الرسول الكريم (ص) عقلية وأفكار امة عظيمه في فكرها وثقافتها فاتحا ً نوافذ النور والحق والهداية العظيمة لكي تكون بحق امة جديدة يحمل مشعل العدل والمحبة والسلام (كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) . فالسيرة الذاتية المعطرة لا يمكن أن تدرج في سطور أو في مقالة بسيطة أمام المصطفي وفي حظرته . ومن أكون حتي ألج تاريخ امة كتب علي بابها (وانك لعلي خلق عظيم ) مع العلم إن العظمة لله ويكفي رسول الله حبيبنا انه حبيب الله ونبيه المختار وشفيع البشرية يوم العرض علي الخالق يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من آتي الله بقلبٍ سليم . إن الأمة اليوم لا بد أن تستمد تاريخها من المعاني الجهادية لسيرة خير الأنام وما أحوجنا أن نأخذ الدرس والعبر لا لمجرد ذكري سنوية هجرية نحتفل بها فحسب بل للوقوف علي الإطلالة المهداة والتاريخ المشرف ونعمل علي رأب الصدع ومسح الخلافات وجعل القلوب قبل الأيادي واحدة واقفين أمام الأعداء والمتربصين بنا . فنبينا محمد (ص) لم يأتِ لمجرد حمل رسالة أراد الله سبحانه وتعالي أن يبلغها للبشرية بل أراد أن تكون العرب من خير وأنبل الأمم وان يكونوا جديرين بحمل اسم امة القرآن لا عن مجرد القول بل بالأفعال لا أن نكون في حالنا اليوم من التشرذم والتمزق والتفرقة والانحلال والهوان . لا يريد أن نصبح امة تبحث وتركض وراء الشرق تارة ووراء الغرب تارة أخري . وان نقطع عهدا أمام أنفسنا قبل غيرنا أن يكون هدفنا يدا واحدة وقلبا واحدا وجديرين بحفاوة سيد الأنام لنا أمام الأنبياء والرسل وكل عام وانتم بخير .
محمد عبد الجبار عبد الله – بغداد
/2/2012 Issue 4119 – Date 11- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4119 – التاريخ 11/2/2012
AZPPPL