وجهات نظر عن العلاقة بين السياب والبياتي – نصوص – فلاح المرسومي

إتحاد الأدباء يستذكر شاعر العزلة

وجهات نظر عن العلاقة بين السياب والبياتي – نصوص – فلاح المرسومي

اليوم الثالث ، الشهر الثامن في العام الباقي من قرن لم تعرف به سوى الآمال الموهومة .. وأنت في تلك الليلة تدنو من العمر السبعين أنيقاً كالعادة وألق في عينيك … ياعبد الوهاب نناديك ألا جئت معنا لنريك بلاداً لم تعرف فيها رجالاً ونساء وقصائد .. ها يا عبد الوهاب هلا جئت ..بهذه الكلمات أفتتح  الدكتور علي حـــداد الجلسة الاستذكارية التي أقامها المنتدى الأكاديمي في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق على قاعة الجواهري في الجلسة الشهرية عن الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي في الذكرى السادسة عشرة لرحيله ، مضيفاً أن البياتي اسم لا يمكن أن نمّر عليه ببساطة لكن للأسف تمر السنين الواحدة تلو الأخرى دون أن نقف عنده ، إنه شاعر مثير أكثر مما هو مطمئن ، خاض تجارب لا حدود لها غاصت في قراءات لا حدود لها نقدية عربية منذ الخمسينات أكثر مما هي عراقية ، انطفأت بعد وفاته ، لهذا أردنا أن نعيد استذكاره ، فهو ثاني اثنين من شعراء العراق ، هكذا نحن لا ندرس المبدع حتى يتوفاه الله ، ولكن للأسف لا تقاس التجربة بعمرها فكم شاعر مبدع توقف عطائه قبل أن يتوفاه الله ، في هذه الجلسة وبهذا اللقاء نريد أن نسمع ما الذي صنعته الأكاديمية الجديدة والمتحدثين هم من الشباب الذين مروا على البياتي .. والبياتي أشهر من أن يذكر في سيرة , فهو الذي ولد في بغداد محلة باب الشيخ عام 1926 وعلى وفق ما قاله عنه جاره في نفس منطقة سكناه الأديب حسين الجاف حين تعقيبه بأن عبد الوهاب أحمد جمعه البياتي والده من مشارف حمرين في ديالى وأمه كرديه وخاله ” مُلّه ” عرفه شخصية رائعة طيبة أهداه قبل وفاته آخر كتاب له ” بستان عائشه ” وكان الشاعر حميد سعيد من الذين يمتدحونه عكس الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي يفسرون خلافه معه خلافاً شخصياً ، كان رحمه الله لا يحب الشعر العمودي ودخل مع الشاعر الكبير الجواهري في الكثير من السجالات ،  بعد ذلك جاء دور المتحدثين وهم ثلاثة أساتذة شباب من منتدى الأكاديمية كان المتحدث الأول :  الدكتور جاسم الخالدي أستاذ النقد في كلية التربية جامعة واسط ،  جاء بالحديث النقدي الواسع حول الشاعر البياتي الذي تناوله النقاد والكتاب خارج  وداخل العراق ، لقد كان في غاية الأهمية وكان كل ما كتب عنه لم يصلوا بشعرية البياتي كما كتب عنه خارج العراق  من كتاب عرب ، وله في الدراسات العربية حضوراً منذ عام 1955في مصر الكاتب احسان عباس وفي المغرب ودول عدة أخرى والمهم  الجانب المنهجي النقدي عند البياتي ، مداخل ومناهج كثيرة ، وهناك من اتخذ شعر البياتي نموذجاً في النقد التاريخي والاجتماعي وفي أخرى ، لم تكن الدراسات كثيرة وتناولت عدة دراسات منها خلال العقود الأربعة الأخيرة المنصرمة حياة وشعر البياتي ومميزاته التي تركّز على اللغات والسمات الفنية في قصيدة البياتي ، وكان كذلك حضوراً للمنهج النفسي كما في ” شجرة الرماد ” للدكتور وفيق رؤوف 1990 في ضوء معالجة هذا النهج ، وقد أشار الى اليأس في وجدان الشاعر وهي صدمة قوية في أشعاره ، وربما البياتي يدرك خلاف ذلك لأنه كان يجد أن هناك كثير من مخاضات الأمل في شعره ، وقد غلبت على دراسته الأحكام الطباعية أكثر من المنهج نفسه  . ومن الدراسات النصية كانت للدكتور مالك المطلبي ، المنهج البنيوي وكانت دراسته لغوية عن الشعراء وأسلوب الشرق في أسلوب الشعراء وأنه لم يتناول الظواهر لشاعر واحد في دراسته وإنما كانت لعدة شعراء ، وفي المنهج البنيوي كانت هناك دراسة من قبل الدكتور علي سعد في كتابه ” البياتي مجدد كبير ” توصل اليه من خلال التحليل والتجريب وخلص الى أنه قد أفلح في خلط المنهجية الموضوعي والبنيوي في دراسته التحــــليلية هذه .

وتحدث بعده الدكتور علي متعب أستاذ في جامعة ديالى متناولاً :  البياتي وسؤال النقد الأدبي فما النقد الأكاديمي ولمَ النقد ؟ سؤال يتردد كثيراً والغريب أن الكثير أيضاً لم يقفوا عند هذا السؤال وذهبوا الى المصطلحات العائمة ، الأكاديمي ناقل منتج للمعرفة بالوقت ذاته .. عقل مكوّن .. ضمن ثقافة معينة وحدود معينة مستقاة من حدود تعليمية معينة ويعني هذا أنها تشكّل مدعاة أفكاره ، العقل الأكاديمي ينساق الى الأكثر إتيان منه .. والمعيار يحسب على دراسته الأكاديمية ، أصل بذلك وأعني كيف تناول البحث الأكاديمي الشاعر البياتي ، ودرستهُ بظاهرتين ، وسأركز حديثي النقدي ” حول البياتي جزءاً من الحداثة الغربية في العراق ” في هذا أرجع لمقالة كتبها الصحفي حمزه مصطفى يقول فيها ” أن دارسي البياتي بين فريقين واحد يمجد ، وفريق يقف على الضد منه تماماً ، والبياتي كان مع الفريق أسجل وأكتب الأول الذي يمجد حيث كان هو نفسه يهاجم الشعراء الذين يختلفون معه ، كما وقد كتب سامي مهدي ومحمد مبارك وصكر في قصيدة البياتي وكذا محسن اطيمش وآخرون وكتب عبد الستار جواد في موضوع الغنى والتنوع للشاعر ” تاريخ ، أساطير، دين ، شعارات سياسية ” ويستطيع القول إن نهجه هو نهج بياتي خالص وبتحويله من مجاله الى مجال آخر ، للأسف الكثير انزلق بالمقارنة بين السياب  والبياتي وهذا لا يمكن الاستخلاص اليه كأن يكون السياب ” متن ” والآخرين يقاسون على ذلك ، من هذا نجد أن هناك اختلاف وتنافس بين نازك الملائكة والبياتي والسياب وقد كتب في ذلك كل من الصكر وأحمد ناهي وآخرون تناولوا مثل هذا النهج ، لقد استثنت الكثير من الدراسات ، البياتي من شعر العمود  وركزت على حداثته ، وما شعره العمودي إلا استمرار لنهجه الرومانسي ، والصورة الفنية هي المميزة  في شعر البياتي . وكان آخر المتحدثين من الأساتذة الأكاديميين في هذه الجلسة هو الدكتور والباحث والكتبي فاضل عبد الأمير استهله بالقول : إن نصوص البياتي تبرز شموخ هذا الشاعر وأنه رصد المنجز النقدي حول عبد الوهاب البياتي …. اثنان وعشرون ديواناً ، وهذا بالتأكيد ولّد نقداً وتحليلاً وقد رصدت في المنجز كل ما كتب وبدأت أستمع وأسجل وأكتب من أجل أن تكون أطروحتي عن البياتي شاملة وقد وقفت عند  المنهج الاجتماعي وهو الذي قد هيمن على أغلب الدراسات ، وكذلك على أغلب الخطاب النقدي للشاعر المنحاز للمنظورالاشتراكي آنذاك وسلط النقاد أقلامهم حولها ومنهم عزيز السيد جاسم وكم أشير أن منهجه الشعري هو منهج أسطوري ” الشخصيات ، الموت ، الحياة ..ألخ ” المناهج هي التي ركزت أكثر على شعر السياب . بانتهاء المتحدثين الثلاث عقب بعضاً من الحضور منهم الناقد ياسين النصير الذي أكد على أهمية الشباب في بنية القصيدة البنائية وليس حياة الشاعر وما الى ذلك ، الشاعر البياتي قصيدة ما زالت حية والكتابة في ضوئها مثل بستان عائشة والسهروردي ولارا رغم أنه أغلق على نفسه الكثير ، وأشير الى أن البياتي بكل فخر رشح الى جائزة العويس .وفي تعقيب الناقد قيس مجيد أكد على أنه كتب مقالاً  في السبعينات بعنوان ” التبليغ في القصيدة الجديدة ” وتناولت البياتي في العروض وقد حسبته في هذا المجال أكثر الشعراء تقدماً من الناحية الأدبية ، أما من الناحية الشخصية فكان البياتي لطيفاً مرناً متواضعاً ، وكان رائعاً بكل معنى الكلمة ، وفي تعقيب الناقد يوسف جويعد كان يتمنى إدخالنا في هذه الجلسة في أجواء البياتي باختيار قصيدة من قصائده مع رؤية بالقصيدة لتكون الأجواء أقرب بالاستذكار الى البياتي ، أما الأديب الفريد سمعان فجاء عن أختلافه بالمقارنات بين اسمي السياب والبياتي ، البياتي كان قوياً وقد ذهب الى اليساربعد ذلك  ثم القومي  ..إنه مفكر ومرن ومرح ويقنع الآخرين  بشخصيته ، الانتقالات تختلف بين السياب والبياتي ولقد ترجمت قصائده الى عشر لغات وعند انتقاله الى لندن حيث تغيّر وقد تأرجح في مواقفه لكن لا يمكن إلا أن نقول أنه شاعر غزير ويوصل القصيدة بسلالة وبساطة الى القارئ ، لقد كتب عنه الكثير في بيروت ، ولم يصل السياب الى ذلك مع قصر حياته بحياة البياتي ، وقد عقب الكاتب عبد الأمير المجر على كلمة التحول من اليسار الى القومي وما الى ذلك حيث أن اليسار متعدد وموجود في أكثر الأحزاب والحركات الوطنية والقومية ، ولا يمكن اطلاق الصفة عليه بهذا الشكل حتى لا نظلم جهة على حساب جهة أخرى ، وتمنى على الاتحاد الإعلان عن الجلسة ببوستر يحمل عنوان الجلسة وصورة الشاعر في بوابة الاتحاد فهو يستحق ذلك ودلالة على الاحتفال بهذا الشاعر الكبير ، أختتم الناقد فاضل ثامر رئيس الاتحاد الجلسة بأن البياتي قد تميّز واسباب التميز بينه وبين الشاعر السياب كثيرة ، نحن لأول مرة نستذكر البياتي ويسجل هذا للمنتدى الأكاديمي في الاتحاد حيث كنا من قبل قد استذكرنا الكثير من الشعراء ، لقد سلطت الندوة في هذه الجلسة الضوء على النقاد  وعن البحث النقدي للشاعر البياتي ، وأثنى الأديب ثامر على جهود الباحثين الذين تحدثوا لأننا بحاجة الى مثل هذه الدراسات ، البياتي تحمل غبناً كبيراً نحن مسؤولين بجزء من هذا الغبن الذي لحقه ، البياتي شاعر يحمل أفكاراً ورؤى وانفتاح وسلاسة العفة وبساطتها وهي لغة الحياة اليومية ، نعرف أن العديد قد ناصب العداء للبياتي وربما الوقوف الى جانب السياب ورغم أنهما برزا في الخمسينات وعلى الجميع البحث في صحة الخلافات وأسبابها ومن لعب الدور لصالح البياتي على حساب السياب مثلاً .. البياتي كان بحق إنسان يحب مساعدة الآخرين وكريماً ..لكنه كان عند العصبية شخصاً يصل الى العدوانية بخلاف السياب الذي لا يتعصب ، أختم أن فصائد البياتي تتفق مع الحداثة في الاتجاه العالمي .. ولم يدرس لحد الآن الدراسة النصية الكافية . لقــــد كان البياتي يتمنى أن يموت في دمشق ومن أجل هذا الإحساس  تارك عمان عائداً إليها ، وقد كان يصرّح قبل وفاته أمام الكثير أنه يريد أن يدفن بجوار ( محي الدين بن العربي ) لكن ذلك لم يحصل ، حيث دفن في مقبرة زين العابدين على جبل قاسيون المطّل على دمشق وليس في مقبرة أخرى وكأنه كما كان في حياته يحب العزلة .