واااو الدهشة – أنسام المعروف

قصة قصيرة

واااو الدهشة – أنسام المعروف

كان غريب الاطوار بكل ما تحمل الكلمة من معنى. لم يكن يهتم بتفاصيل الاشياء، ويتكلم معي دائماً بشكل عام، الا انه في الحقيقة دقيق جداً لدرجة انه ينتبه ويلاحظ كل حركاتي وسكناتي. ينتبه حتى لطريقة تنفسي وضحكاتي ووقفاتي. اخبرني مرة انه كان يراقب التنهيدات التي اطلقها عندما اتحدث معه، ويعرف عددها في كل حديث. وعلى الرغم من اننا لا نتحدث لغةً مشتركةً، ولا نتوافق في الرأي، الا انه يستطيع وبمنتهى السهولة جذبي للحديث معه. فحديثه شيق ويختار استفزازي بتجاربه العجيبة التي انخرط بسرعة فائقة لاكون جزءً منها، كلما روى لي احداها، لاكتشف بعد قليل او حين ينتهي منها انها مجرد خيال، وان هذا الحدث او ذاك لم يحدث ابداً حقيقة في حياته. وفي مرة، واثناء تتبعه لحركة النجوم والابراج اخبرني بانه يكتب لي كل يوم رسالة لكنه لا يرسلها فهو مؤمن ان ساعي البريد ليس الشخص المناسب ليأمنه على اسراره. استغربت كلامه كثيراً لأنني وحسب ما ارى فليس بيننا اسرار، فلسنا عاشقين، فانا شخصيا وبكل صراحة، لا استطيع ان ان اطلق اي اسمٍ محددٍ لعلاقتنا. إنها مجرد حديث متواتر لطيف يجعلنا نحن الاثنين في حالة مستمرة من الدهشة والذهول. غالباً ما نتجنب الاحاديث الخاصة، لانها تفضي بنا الى الاختلاف، وكأننا اتفقنا بالعقل اللاواعي لنا نحن الاثنين ان نبتعد عما يمكنه ان يفرقنا. كنا نتمسك ببقاءنا معاً بالرغم من عدم تصريحنا بذلك. كان هناك شعوراً بالارتياح والامان لوجودنا في محيط بعضنا دون اي رغبة لكلينا بالمزيد من التقارب. ربما لاننا ندرك تماماً كم نحن مختلفان او ربما لاننا متيقنان تماماً بان لا فرصة ممكنة لمزيد من التقارب.

كان الحوار وحده كافياً لان يخلق جواً من الالفة والاستقرار لكلينا. مرت العلاقة بمراحل عديدة اتسمت مراحلها الاولى بالانفعال الذي يشبه انفعال المراهقين الا اننا وبتقدم الايام والشهور ادركنا ان وجود احدنا في محيط الاخر ضرورة وانه صمام امان لكلينا. فكلما حدث شيئاً لدى ايٍ منا هرع مسرعاً، ليرميه بين يدي الاخر، وكأنه يبحث عن مرساة نجاة.

لم نكن نتحدث عن مشاعرنا تجاه بعضنا ابداً. فهي احدى التابوهات المسكوت عنها. كنا نتحدث عن كل شيء تقريباً الا نحن. كان هذا سر العلاقة ونجاحها. ادركنا ومنذ البداية ان النهاية حتمية ان طالب احدنا الاخر باي نوع من الالتزام فبعض انواع الصداقة هو الاكثر قيمة. بالرغم من طبيعته الذكورية التي تفرض عليه نوعاً من التفكير تجاه الأنثى التي يتعامل معها الا انه ادرك انه يتعامل مع نوع مختلف من النساء ممن سبق له التعامل معهن . يدهشه جداًكوني انثى تعرف ما تريد وتحدد اهدافها وتحترم ذاتها ووجودها. لا تبحث عن اللهو وانما عن العلاقات الانسانية الراقية. عرف منذ اول لقاء لهما انه اما ان يحترم عقلها واما ان يخسرها وبشكل قاطع. كان قراره صعباً جداً فهو قد اعتاد ان وجود اي انثى في حياته معناه وحسب الاعراف التي يفهمها هو لغرض الحب والعشق اما معها فادرك ان وجودها في حياته هو لاجل رفع المعنويات والمساندة والدعم النفسي بعيداً عن كل ما يعتمل داخل النفس من الغرائز. استطاعت ببرائتها ان توصله لادراك نقاءها  ولمعرفة ان هناك صنف من النساء لا يمكن خسارتهن، خصوصاً وانها لم تكن تبحث الا عن علاقات انسانية واحترام عقول متبادل وليست من تلك النساء اللاتي يبحثن عن الكسب باسم العاطفة فهي لم تطالبه سوى بان يتواجد حين تود النقاش حول موضوع او ان يجيبها على اسئلة في ذهنها.

كان كلما حاول تغيير مجرى الحديث الى مساحة ترفضها هي، تعتذر وتنسحب. كان في كل مرة يحدث فيها ذلك، يشعر بالخيبة. يوهم نفسه بأنها إنما تفعل ذلك متعمدة، لتزيد تعلقه بها. لكنه مؤخراً ادرك انها فعلا تريد ان تحتفظ بالمسافة التي بينهما لانها مسافة الامان التي تحافظ على مستوى الدهشة لحضورهما معاً في لحظة ما. وان تلك الدهشة هي ما يجعل لوجودهما معاً قيمة ولولاها ستنهار هذه العلاقة المميز.

كانت تسأله أسئلة تعتبرها عادية ويعتبرها فلسفية. تنتظر اجابات ويلوذ هو بالصمت، وحين تسأله عن صمته، يخبرها بانه يجيد الصمت في حضرة النساء، لانهن كثيرات الثرثرة . يغضبها رده الذي لا تجد له مبرراً ، حيث تجد نفسها مقتصدة في الحديث معه وانها لا تتحدث معه الا ان كان هناك سبب. كان غضبها يثير المتعة لديه، فهو يعتبر نفسه مهماً ان غضبت هي وان نجح هو باستفزازها.

كان كل لقاء وحوار لهما معاً يخلق نوعاً عجيباً من المسافة بينهما، كما كان يقرب عقولهما وافكارهما.

كان يفكر دائما بأن الدهشة هو ان يكونا معاً والدهشة الاكبر هو ان لا يختلفا اما منتهى الدهشة فهي ان يتفقا…. فوااااو…للدهشة!

مشاركة