هوامش على معرض مسقط الدولي الثامن عشر للكتاب

هوامش على معرض مسقط الدولي الثامن عشر للكتاب
زهور الأمل تتفتح بمائة وأربعين ألف عنوان
هادي حسن حمودي
في 26 فبراير»شباط افتتح رسميا معرض مسقط الدولي الثامن عشر للكتاب، وفتح أبوابه للجمهور في السابع والعشرين من الشهر الماضي، ويستمر إلى الثامن من هذا الشهر.
ثمة مقولة شائهة أننا أمة لا تقرأ. غير أن الانطباع الأول الذي يخرج به المتجول في أرجاء المعرض أنها مقولة لا تنطبق على العرب جميعا. ففي هذا المعرض وعلى امتداد أيامه وساعاته الممتدة من العاشرة صباحا إلى العاشرة ليلا بلا انقطاع، تجد نفسك وسط زحام كثيف، من الرواد والمتحاورين، على الرغم من أن مساحته الإجمالية 7200 متر مربع، مقسمة إلى أربع قاعات، لكل قاعة تسمية تنطبق على محتوياتها من دور نشر ومؤسسات ونوعية المطبوعات. وقد شارك فيه أكثر من 500 دار نشر عربية واجنبية. فلا بد أنك تخرج بحقيقة أن ثمة جيلا يتفتح على القراءة والثقافة برغم الظواهر النقيضة. ويبلغ إجمالي العناوين المدرجة بالموقع الالكتروني للمعرض 140 ألف عنوان لدور النشر والمكتبات. وفترة زيارة المعرض يومية وبصورة متواصلة من الساعة العاشرة صباحا وحتى العاشرة مساءً . ماعدا يوم الجمعة فتكون من الساعة الرابعة عصراً وحتى العاشرة مساء .. وخصصت أيام الأربعاء 27 فبراير والأحد والثلاثاء 3 و 5 مارس 2013 للطلبة فقط من الساعة العاشرة صباحا وحتى الثالثة مساء .. بينما خصصت أيام السبت والإثنين والأربعاء 2 و4 و 6 مارس 2013م للنساء وطالبات المدارس فقط من العاشرة صباحا وحتى الثالثة مساء. علما بأن الطلبة والطالبات والنساء متواجدات في المعرض في بقية الأيام أيضا. وإنما حدد ذلك التخصيص لمن لا ترغب في الدخول المختلط، تجنبا للزحام الشديد. كما لاحظنا أن الفترة المخصصة للطلاب والطالبات ذات نتائج إيجابية جيدة، من حيث أن المدارس تعين مرافقين ومرافقات للطلبة والطالبات، وتساعدهم على اختيار العناوين النافعة لهم، مما يشكل دعما وتشجيعا وتوعية بأهمية القراءة ومحورية الثقافة التي يجب أن تحتل مكانها اللائق منذ الصغر.
وقد شاركت في هذا المعرض مجموعة من دور النشر ومؤسسات المجتمع المدني في عُمان والمعنية بالشأن الثقافي والمعرفي، وثمة الكثير من الجهود الإعلامية لتعريف الزوار بمجموعة الخدمات الجديدة التي يقدمها المعرض للزائرين، بالإضافة إلى مشاركة بعض الجهات لأول مرة مثل اللجنة الوطنيّة للشّباب، ومشاركة واسعة لدور النشر المحلية والجهات الرسمية.
ولاحظنا أيضا حضورا مكثفا على مستوى الإذاعة والتلفزيون والتغطية الصحفية، ونجد متابعين كثيرين على مستوى الإعلام الإلكتروني تويتر وفيس بوك كما أنّ ثمة موقعا للمعرض يشهد تفاعلا جيدا من قبل المتابعين، سواء من خلال اطلاعهم على الكتب المتوفرة، والبحث عنها أم لمتابعة الأنشطة الأخرى.
ونعتقد أن للإعلام الدور الكبير في التنمية الثقافية حين تتوفر له الكفاءات المثقفة والواعية بالرسالة البنائية للإعلام.
وإذا كانت هناك وسائل إعلام وفضائيات تبث رسائل التسطيح الفكري، والضحالة التي توصف بالأنشطة الفنية أو الترفيهية وتلك الأخرى التي تلهث وراء الصخب الخاوي وزرع الفتن بمختلف أنواعها، طائفية وسياسية وغيرهما، فيجب مقارعة تلك الاتجاهات بإعلام واعٍ يأخذ على عاتقه التنمية الثقافية الجديرة بصفتها. ذلك أن الأوضاع العربية لم تعد تحتمل المزيد من التسطيح والاستغفال والبعد عن حقائق الحياة واحتياجات الأزمنة الحديثة والمعاصرة.
وعن هوامش المعرض نفسه، فإن الفعاليات الرديفة فيه تتمثل بأنشطة ثقافية وفكرية وأدبية وفنية منظمة بالتنسيق بين لجنة معرض مسقط الدولي الثامن عشر للكتاب وكل من جامعة السلطان قابوس والمنتدى الأدبي والنادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء والجمعية العمانية للمكتبات ومؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة، وجهات أخرى من منظمات المجتمع المدني. وبطبيعة الحال، فهناك أجنحة للوزارات والمؤسسات الرسمية من داخل عمان وخارجها.
وتعميقا للدور الثقافي والمعرفي للمعرض فقد صاحبته فعاليات ثقافية عديدة، وخاصة ما جاء منها إبرازا لدور مؤسسات المجتمع المدني التي لها صوت مسموع في التطورات التي تشهدها سلطنة عُمان في مختلف المجالات.
ومن تلك المؤسسات الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، والنّادي الثقافي، وبيت الغشّام، وجامعة السُّلطان قابوس، وجمعية المكتبات الأهليّة، إضافة إلى الجامعات العُمانية الرسمية والخاصة.
ونلاحظ تنوع الفعاليّات ما بين ندوات ومحاضرات وأمسيات شعريّة، تحاول إبراز المشهد الثقافي العُماني ككل.
فعلى سبيل المثال، شاركت الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء بجناح خاص كما عرضت فيه إصداراتها للأعوام السّابقة والأحد عشر إصدارا لهذا العام. وهذه ظاهرة تستلفت النظر، لأن هذه المشاركة تشير إلى نشاط متصاعد، ففي شهر واحد هناك أحد عشر إصدارا للجمعية، وهي إصدارات متنوعة بين شعر ونقد ورواية وقصّة. وترويجا للكتاب ثمة حفلات للجمعية وغيرها بتدشين الإصدارات الجديدة وتوقيعها.
ونظّمت الجمعيّة ضمن فعاليّات المعرض قراءات شعرية مع عزف موسيقى بفندق غولدن توليب، شارك في الأمسية شعراء من العراق ولبنان والإمارات والكويت وسلطنة عمان.
ومن أجل تيسير التواصل بين المعرض ورواد النشاطات الثقافية المصاحبة، فقد توزعت الأنشطة الثقافية على عدد من القاعات والفنادق، إضافة إلى قاعة الفعاليات في المعرض نفسه. فثمة فعاليات في عدد من قاعات الفندق القريب من المعرض، وفي صالة مسقط بوزارة التعليم العالي من خلال معرض للفنون التشكيلية، وجامعة السلطان قابوس.. وغيرها.
ومما يُحسب للمعرض اهتمامه بالطفل، فقد نظمت حلقة خاصّة بالأطفال ونستطيع القول انّ هذه الحلقة امتداد لحلقة العام الماضي.
وإذا كانت بعض معارض الكتب تكتفي بعرض الكتب كأية بضاعة في سوبر ماركت مثلا فإن تلك المعارض تعلن فشلها وتحوّلها إلى مجرد ديكور . فالقضية، وحسب تعبير أكثر من مسؤول هنا، ليست قضية اقتناء كتب بقدر ما هي استفادة من الموجود داخل هذه الكتب. فكون المجتمع العُماني مشغوفا بالقراءة، يعنِي أن التوجيه الإعلامي والتربوي، وبناء على الملحوظ من علاقة المشرفين التربويين والتدريسيين والإعلاميين الموجودين في المعرض، لا يكتفي أي ذلك التوجيه بتحفيز الطلاب صغار السنّ، مثلا، على اقتناء الكتب، إنما لاحظت شغف الحوار مع العارضين والناشرين، ومع المؤلفين في أوقات توقيع كتبهم.

حيوية دور النشر
يتجلى الاهتمام بالكتاب في تزايد عدد الإصدارات العُمانية مما يبرز اهتمام المجتمع العماني بقضية الكتاب.
كما شاركت اللجنة الوطنية للشباب بركن خاص، حيث اختارت عشرين إصدارا عُمانيا وأقامت حفلات توقيع مجانية، كما اشترت اللجنة نفسها مجموعة من النُّسخ من كل إصدار وقامت بتوزيعها مجانا على مرتادي الرُّكن، وعلمنا أن هنالك دعما خاصا للمبادرات الشّبابيّة بشكل عام. كما تبنت اللجنة عددا من المسابقات لطلاب الصف العاشر والحادي عشر والثاني عشر، والذين يمثلون بداية مرحلة الشباب، وذلك من أجل غرس حب القراءة في نفوسهم، بدلا من الانشغال فيما يضرّ ولا ينفع، خاصة في هذه المرحلة الغضّة من العمر.
ومن جانب آخر ونتيجة حداثة عهد اللجنة الوطنية للشباب بهذا المنحى من النشاط الثقافي فقد قام الركن المخصص لها بتوعية مرتادي المعرض وتثقيفهم باختصاصات هذه اللجنة، وأهدافها.
ومن اللافت للنظر، حيوية بعض دور النشر العُمانية، التي فاجأت الجمهور بعدد إصداراتها بفترة قصيرة جدا. فإحدى الدور أصدرت خمسة عشر عنوانا في خمسة أشهر فقط، بحيث يمكن أن تتصدر دور النشر العربية الأقدم منها.
أما النادي الثقافي فقد نظّم حفلات يومية لتوقيع أكثر من 18 عنوانا من إجمالي 26 إصدارا جديدا لكتب عُمانية صدرت حديثا بدعم من البرنامج الوطنِي لدعم الكتاب. وتتضمن الإصدارات الجديدة مجالات مختلفة تشمل الكتابة الإبداعية في الشعر وأدب الرحلات، وقضايا اللغة، والنقد الحديث، إضافة إلى الدراسات التاريخية، والقضايا الفكرية، وأدب الأطفال.
وللفن تشكيلات ثقافية
كما أقامت الجمعية المعرض التشكيلي مساقات حروف بصالة مسقط بمبنَى وزارة التعليم العالي. ويأتي هذا المعرض مصاحباً لفعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب الثامن عشر، بمشاركة نخبة من الفنانين البارزين في السلطنة. حيث تضمنت لوحات المعرض جمالية التمازج المثير بين الفن التشكيلي والأدب العربي الكلمة والحرف عبر لوحات تشكيلية كونية مستمدة من وهج الشعر، عبر الانغماس في المكوّن الجمالي والصورة الأدبية الذهنية المتوشّجة مع خيال الشاعر في قصائد ثلاثة من كبار الشعراء العرب من عُمان وخارجها، وهي تجليات فنية بسطوة شاعرية وحس تصويري رفيع للقصائد.
ولاحظ بعض النقاد أن اللوحات جميعها بدت متحركة، وكأنها حولت الفضاءات المكتوبة إلى صور فنية عالية الجودة، مصحوبةً بحسٍ تأملي بديع، في تجربةٍ مليئةٍ بالدهشة والمغامرة والتجديد والاختزال، والوفاق الحميم مع البيئة والطبيعة، والمليئة بالإثارة والتساؤل والبحث عن مسارات التأمل والتكوين والثراء اللوني والعمق الوجداني والبعد التقني الدائري، إذ اشتملت على مواضيع إنسانية أدبية مختلفة، تنوعت بين الخيالات الوجدانية، والانفعالات الشعورية، وتقلبات الإنسان المزاجية، وتكاملية الحياة بعناصرها المكملة للوجود. كما عبرت عن حاجة الإنسان إلى التعبير والتنفيس والتسرية، من خلال الحرف والكلمة وهي دعوة بصورة غير مباشرة إلى أهمية البوح بما يعتلج في النفس وما ينتابها من تأثير وتحولات، وما يطرأ عليها من مشاعر وتجارب، بالاقتراب من المتأمل وجعله يشعر بقوة واقعيتها المكتظة بالذكريات والحنين والأنين، والمتخم بالإحساس الحقيقي للمكان والكلمة والعمل المتكثف في الحضور الطاغي للجمال الذاتي، المفعم بالأناقة والحركة ودقة التصوير ورهافة الحس. كما أن الألوان تحركت وامتزجت في اللوحات بصفاءٍ فكري وروحٍ فنيةٍ متوقدة وكياسة ذهنية تثير الدهشة وتفجّر مكامن الجمال في الأعماق، إضافة إلى التمازج الفتّان في لحظات الإنسان الشعورية بين فرحٍ وحزن، ونصاعة وسوداوية، وقسوةٍ وحب، وحياةٍ وموت، وسفرٍ وتوطن، وطفولةٍ وكهولة، ولكل لوحةٍ من لوحات الفنانين المشاركين حكايةٍ مطولة عن حقيقةٍ أو رحلةٍ خيالية أو عالم واقع بين عالمين.
ولم ينس القيمون على المعرض الوضع الصعب الذي يمر به الشعب السوري والذي أثر بشكل قوي على دور النشر حيث تم إبلاغ الناشرين السوريين عن مبادرة اللجنة المنظمة للمعرض بإعفاء جميع الناشرين السوريين من رسوم المشاركة في المعرض مراعاةً للأوضاع والظروف التي يمرون بها. وفي مقابل ذلك أعرب المشاركون السوريون عن شكرهم وتقديرهم لهذه المبادرة الكريمة والتي بلا شك تشكل دعماً مادياً ومعنوياً لهم خاصة وللثقافة عامة.
AZP09