هواجس متداخلة – نصوص – إياد خضير
أستلقي باسترخاءٍ ممتع على الفراش الذي غطاه النسيم بطبقة كثيفة من البرودة اللذيذة ،وفي شبه ذهول ،هاجمنيَ المطر وهو يستنزفُ أحشائي على إثر صوت سريري البليد ،طرد النوم عني واحتفظ لي بنعاس ثقيل ،لقد سافروا مع الصباح وغادرت آثارهم الشوارع ،وانزوتْ همساتُهم خلفَ دواليب الغرفة المعتمة ،وبقيتُ وحديَ مع الهواجس ،أسمع لفظ الهمسات ،تتسلّق فضاءَ دار خاوية ،أسمع آهاتي ولا غيرها…لمن ذهبوا !! .. أإلى موعد موهوم ؟.. ،ذهبوا بانطفاء الخدود ،وصرير الأسنان ،بقيتُ وحدي أدفنُ بين أسناني شتائي وأعواد ثقاب مطفأة ،وأوراق الدفاتر ،ذهبوا … لم يرحموا حالهم بالضباب .. ماتوا جميعاً أبي وأمّي وإخوتي وأخواتي ،ماتوا مع أشياء أخرى مدفونة والتي تخجل أن يسمعها القادمون هي كلّ أسرارهم ومتاعهم … أسيرُ متعثّراً تنزلق أقدامي بين الحفر وفوق سطوح الحصاة ،فلم أعد سوى مركبة يٌسيّرُها موجٌ مجنون .. دلفتُ في منعطف تيّار دافق هزّ خدر أوصالي وأنا أسير بلا هدف ،أبواب موصدة بإحكام وأنا أصارع الظلام بقفزات منتظمة يجسّدها شبح الموت فتقفزَ أنابيب دماغي السمعية وأنا في قتال مازال قائماً مع حصى الشارع أسفل قدمي .. وعقارب الوحش الذي يطوّق ساعدي تتماطل مع الثانية عشر مساء ،مع حصى الشارع الذي يعمل مزالق أتدرّب عليها ليوم مجهول الهوية ،وتابعتُ سيري ،وتابعتُ مأساتي ،تتخبط في ديجور ،لا هدف داخل أهداف غامضة ،أو قلْ ،أهدافاً جافّة كجفاف عيون الموتى. رصيفُ الشارع ،من الصعوبة اجتيازه ،لا يستطيع خاملٌ مثلي أن يجرّب حظه معه ،فامتلكتْ أطرافي وَحْلَ منخفضاته ،تتنسّم أجواء حرّيتها بلطف متعثّر . أزقةُ وأزقة لا حدود لها .. شرفاتٌ جرداء .. نسيمات مجنونة .. سُحبٌ يبتلعها حوت القمر .. خرافات عجوزة .. لا أملك سوى هواجسي ..هه .. أعمدة ،وأهداف خيالية للأعين الهاربة من هذا وذاك . كتـَل حجرية مبعثرة .. مجاري ملتوية كأفاع ٍ سمر . وكأسْقُفٍ توارى خلف بوّابة كنيسته .. توارى القمر خلف غيمةٍ بعد أن ألقى خطبة الأحد على منبر مفروش ببساط نيلي داكن .. غابتْ كلّ جارحة مني صوب عالم جديد ،شارع عريض ،مصطبات بلون الليل .. ضفادع تـُسمع مَن في الشارع موسيقاها الأزلية .. أضواء كابية تلتهمها الحشرات الطائرة بفجواتها المحترقة كقشور البصل المحروق من أطرافه .. تمتمت ُ باللعنة ،ألعن عظامي ،وقوايَ ،ووجودي ،وتبادرتْ إلى ذهني أسئلة أزلية ساذجة توقفت عندها ،لماذا أعيش ؟ ولم أحيا ؟ وما هدفي في الحياة بكوني إنساناً أتميّز عن باقي الحيوانات بحسن السمعة المألوفة على بطولة الطيش الذي يتقمصني أحياناً .. جرجرتُ أقدامي بألف تعويذة صامته ،وقذفتُ بجسدي النحيل المرهق بأحضان أوّل مصطبة ،فآلمتها كثيراً ،وتنفّستُ الصعداء ،بعد أن أكلتني الظلمة المتحجرة رويداً رويداً ،فتركتني نفاية لا تعي حاضرها ،وما كان ماضيها ،إنني وهمٌ بلا شك ،وألفيتني مزروعاً باسترخاء مملّ على المصطبة ،وهي تتنفسُ حبيبات الغبار العالقة بملابسي .. لقاء غير محمود ..



















