هل يمتلك العراق مقومات إقتصاد السوق الحر ؟ – عدنان مناتي
في المقالة السابقة التي جاءت تحت عنوان (إصلاح النظام الاقتصادي أساس اصلاح الاقتصاد) والتي خلصت الى ان البلد الذي يمتلك مقومات نظام السوق الحر يصبح بإمكانه تحقيق تنميته وتجاوز مشكلاته ، فهل يتمكن العراق تحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي وتجاوز مشكلاته في ظل هذا النظام ؟ والاجابة ستأتي بعد معرفة المقومات الاساسية لهذا النظام في الدول الرأسمالية التي اعتمدته ولم تغادره حتى في ظروف الازمات والحروب ، و تم ذلك مع سلطة الحكومة الاقتصادية بتدخلها بوسائلها التخطيطية وأدواتها النقدية والمالية ، وبالتالي تجاربها التطبيقية لأنها تمتلك مقومات اقتصاد نظام السوق الحر المتمثلة في : أولا قوة الاقتصاد وتنوعه وبمعدلات نمو عالية ، ثانيًا وفرة في الانتاج السلعي والخدمي ، التي جعلتها في طليعة دول العالم اقتصاديًا ، وحسب الترتيب لتلك الدول فقد جاءت الولايات المتحدة على عرش تلك الدول ثم الصين (نظام السوق الاشتراكي) ثم اليابان ثم المانيا ثم بريطانيا ثم فرنسا فالهند فالبرازيل فايطاليا فكندا ثم روسيا (التي جمعت بين ما هو شيوعي ورأسمالي بخاصة في تزايد دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية) وهكذا تأتي دول اخرى .. ، ثالثًا حجم الاستثمارات الكبير الذي يحقق ربحية كبيرة في العملية الاستثمارية وهو العامل الرئيس لوفرة الانتاج ، رابعًا امتلاك أسواق نقدية ومالية متطورة التي لها دور كبير في تفعيل الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة وتحقيق تنمية الاقتصاد ، خامسًا المستوى العالي للتطور المعرفي بخاصة العلمي والتكنولوجي ونظم المعلومات والاتصالات ، سادسًا الحجم الكبير لمتوسط دخل الفرد الذي يستند الى حجم الدخل القومي الذي ينعكس على مستوى معيشة الناس والرفاهية الاجتماعية ، سابعًا مستوى عال لتطور التعليم والصحة الذي ينعكس إيجابيا على مستوى انتاجية العاملين والربحية الاقتصادية ، ثامنًا انظمة مالية ومصرفية كفوءة من شأنها ان تنعكس بالايجاب على التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ، بخاصة نظام الضرائب والايرادات الاخرى .
نظام السوق
واذا مانظرنا الى طبيعة الاقتصاد العراقي في ضوء مقومات نظام السوق الحر في الدول الرأسمالية سنجد ان تلك المقومات غائبة عن هذا الاقتصاد ، حيث اولا يتسم هذا الاقتصاد بالريعية وليس الربحية والضعف في هيكله الانتاجي وتدني معدلات نموه غير النفطي ، ثانيًا لا يتمتع البلد بوفرة الانتاج المحلي وانما بوفرةالاستيراد من دول اخرى بخاصة بعض دول الجوار كي يبقى البلد متخلفًا اقتصاديا واجتماعيًا بلا زراعة وصناعة وبنية تحتية ، ثالثًا ضآلة حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية بخاصة الاستثمار الاجنبي المباشر لأسباب اقتصادية واجتماعية وامنية وفِي مقدمتهاالفساد الاداري والمالي المستشري في البلد ، رابعًا عدم امتلاكه اسواق نقدية ومالية نشيطة وفاعلة ، فالبنوك بمختلف انواعها لا زالت غير مساعدة في تنمية الاقتصاد واستقراره ومنهاالبنك المركزي الذي باستخدامه لمزاد العملة بوصفه احدى قنوات الهدر للعملات الاجنبية الصعبة ، وكذلك ضعف ايرادات الدولة سواء الربحية الاقتصادية بخاصة المتأتية من المشروعات (الزراعية والصناعية) غيرالنفطية أو من المصادر الاخرى كالضرائب وايرادات المنافذ التجارية الحدودية ، خامسًا ضعف المستوى العلمي والتكنولوجي في البلاد فضلا عن ضعف نظم المعلومات والاتصالات بخاصة غياب الحكومة الالكترونية ، سادسًا ضعف مستوى معيشة الناس حتى وصلت نسبة الفقر المدقع الى قرابة 40 بالمئة من حجم السكان وفقا لمعيار البنك الدولي وهو أقل من 600 دولار الدخل السنوي للفرد ، سابعًا ضعف مستوى التعليم بمختلف مراحله وتردي النظام الصحي الذي اثبت ضعفه في مواجهة الجائحة كورونا ، ثامنًا ضعف الانظمة النقدية والمالية التي تنعكس سلبيًا على الانماء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية بخاصة نظام الضرائب والايرادات الاخرى ، والهدر والضياع في بنود النفقات العامة ومنها غياب العدالة في نظام الرواتب غير الموحد في البلاد . وهكذا ابتعد العراق كثيرًا عن نظام اقتصاد السوق الحر بفقدانه مقومات هذا النظام ، وبالتالي فهو غير قادر على انجاز التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ، ولذلك لابد من التفكير والعمل الجدي على صياغة نظام اقتصادي ينسجم مع خصائص وظروف العراق ويلبي حاجات المعيشة والسيادة وتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية المنشودة .
{ اكاديمي عراقي