هل هو تشريع سماوي أم وضعي؟
إبعاد المرأة عن تقلّد القضـاء
تُعتبـر رؤية الإسلام للمرأة رؤية شاملة وموضوعية دون تمييز أو تفريق بينها وبين الرجل سواء في المشاعر والأحاسيس أو في المواهب والقابليات. وبنظرة متفحصة لكتاب الله العزيز، نجد أن الله تعالى يخاطب المرأة والرجل على أساس التقوى والعمل الصالح والإيمان به سبحانه دون تفريق بينهما أو إغفال وإهمال لدور المرأة في مشاركة الرجل لبناء الحياة الاجتماعية المتكاملة التي ينشدها الإسلام. فقد قال تعالى: (ومَنْ يعملْ من الصالحاتِ مِن ذكرٍ أو أنثى وهوَ مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنةَ ولا يُظلَمونَ نقيرا)النساء 124. فالرجل له نفس الحقوق التي للمرأة وعليه ذاتُ الالتزامات التي عليها. أما في قوله جلَّ شأنُه: (الرجال قوّامون على النساء)النساء 34، فليس المقصود منها أن الرجل إنما أصبح قوّاماً على المرأة لأنه كامل الأهلية والمقدرة والمرأة ليس لها أهليته ومقدرته، ولكن لكون الرجل هو المسؤول عن نفقة الزوجة وحمايتها وأولادها، وردّ الاعتداء عليها بِما آتاه الله من القوة والمقدرة وحُسن التدبير.
وكما أعطى الإسلام للمرأة حقها وحرص على مكانتها ودورها في بناء المجتمع الإسلامي الذي ينشده كل المسلمين، فقد أفتى علماء المسلمين – بكل توجهاتهم ومذاهبهم – بضرورة تمتّع المرأة بكامل حقوقها لإثبات قدرتها على أداء دورها في الوظائف العامة. وأحد اللذين أفتوا بذلك آية الله الشيخ إسحاق الفيّاض عندما سُئل عن دور المرأة في التصدّي للوظائف العامة وتقلّدها المناصب الحكومية، فقال: (يجب على المرأة المسلمة أن تستر بدنها وهندامها من الأجنبي وأن تحافظ على كرامتها وشرفها وعِفّتها من تدنيس كل دَنس. فإذا كانت المرأة المسلمة كذلك، جاز لها التصدّي لكل عمل لا ينافي واجباتها في الإسلام سواء كان ذلك العمل عملاً اجتماعياً، كرئاسة الدولة مثلاً أم غيرها من المناصب الأخرى، أو فرديّاً كقيادة السيارة والطائرة ونحوهما … ومن الواضح أن تصدي المرأة للأعمال المذكورة لا يتطلب منها السفور وعدم الحفاظ على كرامتها الإسلامية كامرأة مسلمة).
وللمرأة الأهلية الكاملة للعمل في القضاء ولها الحق للقيام في تقلّده لأنها تتمتع بالقدرة القانونية ولا تنقصها الصلاحية والأهلية لتكون بعيدة عن هذا الحق. ولكن إذا كانت المرأة تمثّل نصف المجتمع وتكوّن نصف موارده البشرية التي يعتمد عليها وهي شريكٌ كامل وفاعل للرجل في المجتمع، فلماذا نحاول تهميش شراكتها ودورها في تنمية برامجنا التنموية؟ وإلى متى هذا التمييز الذي عشش لسنوات طويلة في الذهنية الذكورية ولاسيما في القضاء؟!
لقد ذكرت المصادر الإسلامية التي تستمد المذاهب الإسلامية موادّها التشريعية منها: أن الذكورة شرط أساس من الشرائط التي يجب أن تُعتبر في صفات القاضي وأن (المرأة ليست من أهل القضاء، وإذا وُلّيتْ القضاء لم تنعقدْ ولايتها ولا أحكامها) أدب القضاء ج1ص198 ، وهو الرأي الذي ذهب إليه جمهور الشافعية والمالكية والحنابلة، وهم إنما استدلّوا على ذلك بقولهم إن الله جعل القوامة للرجل على المرأة وإن تولّيها القضاء مخالفة صريحة لما نصَّ الله عليه. وهم، بعد ذلك، يستندون في رأيهم إلى حديث رسول الله (ص) الذي رواه البخاري حينما قال: (لن يُفلحَ قومٌ ولّوا أمرهم امرأة).
أما الحنفية فقد ذهبوا إلى (جواز قضائها في كل شيء إلاّ في الحدود والدماء) ن/م.ص199 . وأن ابن حزم رفض تفسير الحديث الشريف آنف الذكر، فقال: (إنّما قال ذلك رسول الله (ص) في الأمر العام الذي هو الخلافة) وأصر أتباع المذهب الحنفي على منع المرأة من القضاء في الحدود والدماء فقط، بأن قالـوا: (إن القضاء كالشهادة، فمَنْ لم تجـز شهادته لم يجـز قضاؤه، فصحَّ قضاؤهـا فيما تصح شـهادتها، وشهادتـها تصح في كل شـيء إلاّ الحدود والدمـاء، فتقضي المـرأة في كل شيء إلاّ فيهما) ن.م.ص201 .
ويؤيد القاضي الشافعي شهاب الدين المعروف بابن أبي الدم في (أدب القضاء) هذا الرأي ويرجحه ، فحيث جازت الشهادة من أي شخص جاز قضاؤه. أما عن حديث الرسول الكريم (ص) المار الذِكر، فإنه يؤكد أن رسول الله قاله لمّا بلغه أن أهل فارس ملّكوا عليهم بنت كسرى، أي أنه (ص) قصد به معنى الإمامة العظمى، وعلى ذلك تقتصر دلالة الحديث.
ولكن الإسلام نظر إلى الرجل والمرأة نظرة متساوية من دون أي تفاضل بينهما من الناحية الإنسانية، فإذا كان على المرأة القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي فريضة تتساوى بها مع الرجل ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) التوبة 71 وهي مثَلُها مثَل الرجل، حيث يمكنها تقلّد (الحِسبة) التي تمارس من خلالها هذا التكليف الإلهي الهام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلماذا أُبعدتْ – وهي المؤمنة بالله – عن تقلّد القضاء إذا كانت لها القدرة والأهلية لتقلّده سيما وأن القضاء منصبٌ إلهيٌّ لا دخل له بحاكم أو رئيس دولة وإنما يفرضه العدل ويقلّده القانون لمَنْ يشاء؟! وهل من حق أي مذهب من المذاهب أن يُلزم الأمة الإسلامية برأيٍ التـزمه هو ولم يُقِره غيره؟! فإذا كان الجواب بالإيجاب، فمعنى ذلك سدٌّ لباب الاجتهاد المطلق الذي يجب أن يعالج قضايا وآراء مُحدثة ويضع لها الحلول التي تتزامن وتتماشى مع العصر .
محمد حسين علاّوي – النجف
/4/2012 Issue 4179 – Date 21 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4179 التاريخ 21»4»2012
AZPPPL