
هل سيكون الموبايل بديلاً عن الأستوديوهات – عبدالباسط سلمان
ازدادت في الآونة الأخيرة استخدامات الموبايل في البرامج التلفزيونية، ولاسيما الإخبارية أو الإعلامية منها في عرض فيديوهات مصورة عبر كاميرا المابايل، وقد ظن الكثير بأن الامر سيان مع استخدام الكاميرات الاحترافية، في انتاج البرامج والاخبار، والواقع أن هذا الامر يحتاج صراحة وموضوعية في الطرح من حيث نوعية القنوات التي تبث وفق كاميرا المابايل والقنوات التي لا تعتمد إلا الكاميرات الاحترافية ووفق مواصفات بث لقناتها، ورغم دعواتي المستمرة في العديد من كتبي التي نشرتها في مجال الإعلام والتصوير والسينيما، نحو التعاطي مع التقنيات الديجيتال والنانو ديجيتال، إلا اني وجدت التطورات التقنية إنما تسير على وفق منظور إقتصادي بحت، فهناك الكثير من المنتجات التكنولوجية يمكن ان تكون بديل ناجح للكثير من المعتركات أو المؤسسات الإنتاجية، إلا ان طبيعة العرض والطلب في السوق تتحكم وتفرض وجودها، فضلا عن مافيا التجارة العالمية التي تطمح في تسويق كل ما يمكن تسويقه دون أي تهديد من منتج جديد لربما يفسد تسويق منتجاتها، كأن يكون بديل افضل وارخص، وبعض ما يدور في فلك الانتاج الاحترافي الاعلامي، وعني أنا شخصيا ودون مجاملة، وجدت الهاتف لا يمكن ان يكون بديلا عن المعدات الانتاجية الاحترافية في القنوات الفضائية والمؤسسات الاعلامية الكبيرة وواسعة الانتشار، إلا في حال تصنيع مابايلات خاصة مع “Tripod مخصص للعمل الاحترافي، فالمابايل لم يكون كالكومبيوتر في الكثير من المجالات، كتسجيل الصوت مثلا الذي يكون بالأستوديو المختص بالصوت، فمقدم البرامج أو الاعلامي الذي يرغب تسجيل صوته بالأستوديو تكون برامج التسجيل بالكومبيوتر حتما وليس بالمابايل، فلا توجد استوديوهات حتى اليوم تعتمد المابايل، ولربما المابايل يخدم التسجيل السريع في مكان الحدث مثلا للسرعة، كون ان المابايل لا يحقق عمليات مونتاجيه دقيقة للصوت ولا في المكساج ولا الدبلجة الصوتية، وكذلك في أمور الـ “Graphic والـ “Enhancement الانهيزمينت أي التحسين للصورة والكولور، إلا ان المابايل يحقق انجاز لسرعة السبق الصحفي في ارسال الخبر مثلا أو إرسال فيديو قصير مستعجل مثلا وليس تقريرا إخباريا متكاملا.
لا أخفي باني لمست اخيرا ان الـ BBC قد اعتمد بعض فيديوهات صورت عبر المابايل ببعض برامجا الهامة مثلا، وشعرت انها بذلك قد تراجعت وتردت بعض برامجها عندما اعتمدت على بعض المراسلين الكسالى ممن يصورون عبر المابايل بدقة ونقاوة وفريم ضعيف، فكما نعلم ان الكاميرات الاحترافية الان وبحكم انها مصممة للتصوير، لها امكانات تفوق المابايل بجملة من التفاصيل، من حيث الحركة والزاوية والحجم والمستوى ونوع العدسة التي تحقق تأثيرات دقيقة ليس كما مع تأثيرات البرامج المونتاجية أو الجرافيكية، فعدسة على سبيل المثال:
Tele Photo Lens
في نوع Optical Zoom تختلف بتقريبها أو تكبيرها تماما عما يقوم به الموبايل في التقريب عبر الـ”Digital Zoom كون ان تكبير أو تقريب الصورة انما هو قطع لجزء منها وهو يختلف تماما عن العدسة التي تقرب المنظور عن بعد دون ان تقطع جزء من الصورة كي يبدو كبيرا أو قريبا، ومن ثم نتلمس التكوين وهو مشوه ومعتم، فضلا عن ان الكاميرات الاحترافية تصور ولساعات أطول دون إشكالات، وبانسيابية عالية جدا وربما بسبب أن الكاميرا لا يصور فيها إلا محترف، بينما المابايل يصور فيه كل من هب ودب.
عيوب كثيرة
وبالتأكيد ان تصويرهم لا يواز المحترفين، لذا هناك عيوب كثيرة جدا في البرامج التي تظهر من على شاشات القنوات الفضائية والتلفزيونية باعتمادها المابايل، رغم الترقيعات التي يقوم بها المحترفين في عمليات المونتاج والـ “Post Production وربما يكون العيب غير ملموس مع غير المختصين في النشر على السوشيال ميديا أو من على المشاهدة عبر الموبايل، ولكن المشاهدة من على التلفزيون أو الشاشات الكبيرة أو الكومبيوترات الضخمة نتحسس العيوب كثيرة جدا، حتى نشعر بانها سخيفة للغاية، فلقد علمت أن بعض المختصين بالمونتاج مثلا يقوم بتعديلا ما وفق مؤثرات جرافيكية على فيديوهات الموبايل كي يكون ملائم لتقرير يعرض من على البي بي سي العربي وبقنوات التلفزيون، ولإخفاء العيوب المابايلية، والواقع ان المختصين يكتشفون بان هناك تشوهات كثيرة في الصورة، ولا يمكن ان تختفي، فدقة ونقاوة الصورة عوضه المونتير بمؤثرات وانتقالات ينبغي ان تكون سلسة، إلا انها غير موضوعية، ليغلب عليها العتمة نوعا ما، فضلا عن عدم الاستقرار في بكسلات التصوير، ولاسيما في التصوير الداخلي، والذي يتطلب انارة خاصة تواءم طبيعة المكان أو المناظر، لذا شعرت ان الفيديوهات مقحمة على التقرير، ورغم انها في بعض اللقطات التي لم تتجاوز خمس دقائق، إلا انها بالمقارنة مع اللقطات التي تلتها أو التي سبقتها، كانت بفرق كبير، حتى انها قد تركت لدي انطباعا وأثرا جليا بتراجع مستوى القناة، من هنا نجد بعض القنوات العالمية ترفض التعامل مع فيديوهات الموبايل، وإن ارادت استخدامه فيكون محدود جدا، وربما بثواني فحسب وعند الضرورات القصوى. ربما ستظهر في المستقبل نماذج من مابايلات الـ “Full Frame مثلا وبحجم تصوير:
Ultra High Definition
حقيقي وليس شكلي مثلا، ولربما تكون الاشارة افضل، أما الان فبعض القنوات لا تتعامل إلا مع فيديوهات مصورة بنقاوة “4K” واننا سنجد بل وسنتلمس الفرق الشاسع، فبالمقارنة مع الافلام السينيمائية القديمة مثلا كفيلم:
“The Ten Commandments 1956
والذي انتج قبل اكثر من 65 سنة، نلاحظ دقة الصورة ونقاوتها بالمقارنة مع اي صورة موبايل نعرض تصويره على التلفزيون، كما أن هناك امكانات محدودة للمابايل في تحقيق البرامج التلفزيونية التي يتجاوز مدة عرضها 50 دقيقة، وأيضا لا يمكن ان نحقق مثلا برامج حوارية عبر المابايل لثلاث شخصيات أو اربعة إلا بشكل مخجل، وإن تمت فهي لا يمكن أن تكون إلا مع استوديوهات تعتمد الكاميرات الاحترافية دون شك، وهنا سيكون المابايل مثلا مناسبا للبث المباشر لأحداث انية محصورة بحيز ما، وهي بالتأكيد لا تكون مثل استوديوهات البث التي تنقل الحدث بأكثر من 12 كاميرا مثلا كما مع تصوير المؤتمرات الكبرى أو الكرنفالات أو صلاة الجمعة أو مباراة كرة القدم واستوديوهات التحليل التي تطورت كثيرا في اعتماد الـ “Virtual Reality والتي تفترض لنا الملعب والحكم والمشجع واللاعب وارضية الملعب بخطوطه والوانه ومراكز اللعب جميعا، وهكذا مع تفاصيل أخرى كثيرة جدا في باقي البرامج التي تقوم بإعداد فواصل وانتقالات جرافيكية، تحقق التشويق والاثارة، والتي لا يمكن ان يستوعبها المابايل مهما بلغ من قدرة ودقة وعزم، كون أن الامر الا يمكن ان يحسم بجهاز مصغر، بل يكون بجملة من الشاشات والحركات والعاملين من المختصين في التصوير والجرافيك والهندسة الصورية، ممن يتعاملون مع المعدات الاحترافية لتنفيذ مهامهم بسهولة دون ان أي تقيد أو مجاملة على حساب النوعية الصورية، والحركة الفيلمية، أو على حساب الإشكالات التي قد تفاجئ المحترف.
يبقى السؤال المحير الان في ذهن الإعلامي الطموح، هل ستنتج لنا الشركات مابايلات وفق المواصفات الاحترافية، وكم سيكون ثمن المابايل الذي اراه لا ولن يكون بديلا لسبب أخير لم اتعرض له، ان شاشة المابايل غير مستوفية الشروط في ان تبين لنا تفاصيل قد تكون سلبية في البرامج، وبكل الأحوال لو استعننا بشاشات كبيرة، معنى ذلك اننا اعترفنا أن المابايل لا ولان يكون بديل يستوفي شروط الإنتاج الاحترافي لقنوات ترغب الحفاظ على مستواها، وترغب ان تكون واسعة الانتشار، كالقنوات التي تعرض لنا مشاهد مفعمة بالمشبعات اللونية والحركة والدقة والنقاوة، حتى اننا وفي بعض الأحيان نكون مجبرين لإكمال مشاهدة المناظر المعروضة، ونحن نمر بالصدفة من أمام شاشة القناة، على العكس مما ذكرنا في بعض البرامج التي تزج فيديوهات المابايل فتزعج المشاهد بعتمة لونية وحركة مصطنعة بتكوينات صورية ساذجة، ومن ثم يعزف المتلقي في متابعة القناة برمتها إزاء هذه التكوينات الطارئة أو المتطفلة، خصوصا وان الأقمار الصناعية الان طاغية في بث الاف القنوات الجديدة والمتجددة والطموحة المنافسة.



















