
كلام أبيض
هذه مأساتنا.. الدكتور علي متعب نموذجاً – جليل وادي
ها أنذا أقف الى جانبه ثانية، وليس بوسعي سوى قول الحق والذكر الجميل، فالذين ينطلقون من الصفر ليكونوا نجوما في سماء الثقافة العراقية والعربية، والذين هم درس بليغ في الأخلاق، والذين لا يتنكرون لأفضال الناس ويرون فيها دينا في الأعناق لابد من سداده، والذين يترفعون عن الصغائر، والمخلصون لوطنهم حتى آخر الأنفاس، والمتطلعون الى جيل لا يقل معرفة وابداعا عما بلغته الشعوب من حولنا، جميع هؤلاء لابد لهم أن يحصدوا ثمار ما غرسوا ثناء وتقديرا من أصحاب الوجدان، والا فلا معنى لمسيرتهم الناصعة البياض.
وهذا ما يدعوني الى اعلان موقفي المساند صراحة وعلى الملأ للدكتور الأكاديمي علي متعب جاسم الذي عرفته قبل أكثر من ثلاثين عاما انسانا مثابرا وناقدا عميقا وتدريسيا نزيها، هكذا وجدته منذ رأيته عن قرب يوم كان بارعا في الدفاع عن رسالته في الماجستير، وشغوفا بتخصصه في آداب اللغة العربية، وتوقعت كما توقع غيري، بأن كرسيا رفيعا سيحتله بجدارة، وسيتجاوز بإنجازه محليته الى الفضاء الوطني والعربي، وكان في بالنا انه سيكون محل افتخار مشاركيه في الاختصاص وليس محل حسدهم، وحياكة المؤامرات لتشويه صورته.
وتقديرا لإمكانياته اقترحت انضمامه الى أسرة تحرير جريدة أشنونا الصادرة عن محافظة ديالى العام (2001)، وكانت اضافة نوعية حقا، فملك قلوب زملائه بأدائه الجاد وحرصه الشديد وأفكاره المبدعة، وهذا ما عزز تلك التوقعات لهذا الرجل الذي نال بعد مدة شهادة الدكتوراه ليصبح استاذا جامعيا، ورئيسا لقسم اللغة العربية ومعاونا للعميد، ومتى، في أوقات حالكة السواد يوم خيمت خطوب القاعدة على مدينته، فاختطفه الظلاميون، وبأعجوبة نجا من أيديهم، بينما قتلوا أخاه وشردوا عائلته. هنا دعوني أسأل: عندما يتصدى شخص للمسؤولية في وقت يتهرب منها كثيرون، هل يمكن الطعن في وطنيته وأخلاقه ؟ ، نعم يمكن ذلك، من الطامعين بالمناصب عندما تكون البلاد مستقرة والأمن مستتبا، ربما يستعجلني أحدكم: اخبرنا يا أخي بما حدث؟، وأجيبكم: رأت الكلية ان كفاءة هذا الرجل تؤهله لرئاسة قسمه تعزيزا لرصانته وتمتينا لتخصصه، وتقديرا لرمز مبدع صاحب انجازات مميزة تتمثل بالعديد من المؤلفات النقدية، ومواقعه الأدبية المرموقة التي شغلها وآخرها رئاسة تحرير مجلة الأديب العراقي الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب في العراق والبالغ عمرها ستون عاما، ولهذا العمر دلالات عديدة عندما يكون الناقد الشاب الدكتور علي متعب رئيسا لتحريرها. وبعد ترشيحه لهذا المنصب تحت ضغط رئيسه وليس رغبة منه، وهو غير المتعالي او المتهرب من المسؤولية، بل لمشاغله العديدة في الجامعة ومسؤولياته الأدبية في الاتحاد، ونزوعه لإعطاء التأليف والبحث العلمي مساحة من وقته، فقبل مضطرا، وعندها انبرت أقلام الطامعين في مواقع التواصل الاجتماعي تشويها لصورته بسيل من الاتهامات ومنها ما يتعلق بجوانب أخلاقية بأسماء مستعارة تتعذر فيها المساءلة القانونية مع انهم معروفون في الحقيقة، وأعجب أن يصدر هذا من أكاديميين جامعيين يفترض حملهم لرسالة سامية، ومسؤولين عن تخريج جيل ينتمي لوطنه ويتحلى بالخلق الرفيع.
وعندما تعجز مثل هذه الاتهامات عن تحقيق أهدافها ، فليس أسهل من اتهامه (قيادي في البعث) مع انه ليس كذلك سوى التسجيل اسما في سجلاته ولا يشمله قانون المساءلة والعدالة، ويعرف الجميع ان الانتماء كان اجباريا، ولا أظن أحدا يجهل ذلك.
واليوم، عندما تُثار هذه الأكاذيب يعتذر المرشح عن المسؤولية، ليس خوفا، بل ابعادا لوجع الرأس، اذ سيواجه الكثير من المشكلات، لأن المتربصين محيطون به، وفي دائرة عمله، ولكن خبروني عن حجم الخسارة التي ستتكبدها المؤسسة عندما ينأى الأكفاء والمخلصون بأنفسهم، ويتيحون الفرصة للفاشلين والذين ليس لديهم انجاز يذكر، والجواب لديكم. وبالرغم من موجة الاستنكار والمساندة لما تعرض له الدكتور على متعب على مواقع التواصل الاجتماعي من وسطه الجامعي والأدبي، لكن ذلك بتقديري غير كاف، فلابد من اجراء حاسم لهذه الظاهرة القامعة للوطنيين المبدعين، فما يحدث ليس حالات محدودة، بل ظاهرة واسعة، وعندما تسود هذه الظاهرة وأمثالها، لا تسألوني رجاء عن أسباب الخراب وتخلف البلاد.
jwhj1963@yahoo.com

















