نورية العورة – كامل كريم الدليمي

نورية العورة – كامل كريم الدليمي

تحدث احد الاخوة  من اهالي بغداد الأصلاء والمُطلع بتاريخ بغداد ، ان الشاعر العراقي “معروف الرصافي ” كان يشكوا من العوز المادي ، وحالتهُ لاتسر صديق ولا تُغيضُ عدا ، بل وان وضعه المعاشي لايتناسب مع ابداعهُ الشعري الثري .

وفي يوم من الأيام ابلغَّ احد مدراء البنوگ الشاعر الكبير بتخصيص راتب شهري لهُ من احد وجهاء بغداد ،  وعندما استفسرَّ  الشاعر عن اسم الوجيه ابلغهُ مدير البنگ ان الوجيه البغدادي رفض ان يُذكر اسمه امام الشاعر  ، استمر  معروف الرصافي بتقاضي راتبهُ شهرياً  من البنگ دون معرفة المتبرع .

وفي احد الأيام  ابلغَّ  مدير البنگ الشاعر معروف الرصافي ان راتبهُ قد انقطع بسبب وفاة المُتبرع  وأزدادَّ فضول الشاعر ليعرف شخصية المتبرع الذي أثر على نفسه بأن يخصص راتب شهري لشاعر مُبدع مثل الرصافي ، لكن الشاعر جوبه بالرفض والامتناع من ذكر اسم المُتبرع من قبل مدير البنگ طبقاً لوصيه المُتبرع ، ذهب الشاعر معروف الرصافي الى سوق الشورجة الذي يديرهُ تجار بغداد وسألهم هل توفي احد التجار هذا الاسبوع ، فأبلغوه لم يمت احد ، إلا ان احد الحمالين ابلغ معروف الرصافي  ان ( نورية العورة ) قد توفت قبل اسبوع  “ونورية العورة” معروفة بالمنطقة ، بقيَّ الاسم عالق في ذهن الشاعر ، وعندما عاد الى مدير البنگ وابلغهُ ان  لا أحد من التجار  قد توفاه الله هذا الاسبوع ، وان من توفيت هيَّ نورية العورة فقط فأجابهُ مدير البنگ انها هيَّ من خصصت الراتب لشاعرنا الكبير، الذي توفي عام 1945 وترك لنا مجموعة شعرية وكم هائل من الابداع يحق لنا ان نفخر به ، مات الشاعر وبقى تأريخهُ الشعري زاخر ، وتوفت “نورية العورة” وبقت قصة تضحيتها واهتمامها بالابداع منقوشة بالذاكر .

وفي ظل ثقافة الديمقراطية وحكم احزاب المعارضة ، وفكرة العراق الجديد ، هل تم الاهتمام بالابداع والمُبدعين ، نرى فنانيين يموتون من المرض ولايملكون حق علاجهم  ، وشعراء لايجدون قوت يومهم ، ومحاولة عديدة لتحويل بيوت الفن والابداع الى استثمار لصالح تجار ، واستئثار منقطع النظير بكل ما يمكن ان تصل اليه اليدين وتنظر اليه العينيين ، دون الالتفات الى حاجة اصحاب الفكر النير ومنابر الابداع ، اصحاب الكلمة الحرة النبيلة ، وقادة المسرح الهادف ، والشعراء ، ممن وقفوا كالسد المنيع بقصائدهم وفنونهم المختلفة ليمنعوا بلد الحضارات من الإنهيار ، وهل يوجد اسمى من الكلمة والعمل الهادف ، لانضاج وأحياء وعي الأنتماء الوطني لدى المواطن .

لا اريد ان اقول شيء سوى

هل ممكن ان نَعتَّبر  من قصة “نورية العورة”

وكم “نورية العورة ” نحتاج في زمننا الحاضر كي نُضمد بها جراح الابداع النازفة  .

نسخة منهُ الى اصحاب الضمائر الحيَّة للاهتمام بكل اشكال الفنون والمبدعين .

مشاركة