نسمات الفجر الندية تشعر بالخجل والتصاغر اذ تلامس وجه سيدة الحسن العراقية نورة وذوائب جدائلها تتراقص مزهوة على كتفيها اللذين كانا مثل كتفي تمثال صنعه جهابذة الفن الفلورنسي في عصر النهضة …
راحت تنظر الى نفسها في المرآة بثقة وتفاؤل لا لمجرد رؤية الجمال الذي وهبه لها الخالق المنان ولكن للاحساس بالجمال … لقد ازدادت وازدهت فرحا وهي ترى جمالها الساحر الاخاذ … ذلك الجمال العراقي الصارخ والساحر للالباب … ابتسمت بجذل وهي تشعر بالق وسمو روحها المتفتحة والساعية لان تغدو صافية سامية . انها مزدانة بالحب الذي يملأ جوانحها ويسربلها بجلباب الرضا والقبول … انها تشعر بانها نبتة في حديقة الوجد العراقية … همَّت ان تخرج لعملها اليومي لتسهم في زرع المحبة والالفة في قلوب تلاميذها ازهار حدائق البراءة والروعة والجمال … وقبل ان تقطف وردة بيضاء من ورود حديقتها الغناء والتي بدت في تلألئها وروعة حسنها مثل نقاء وصفاء سريرة اطفال العراق … ارتأت ان تمنحها للتلميذ الذي سيغني للعراق … للحب … للسلام … للطيبة العراقية المزروعة في القلوب … اوشكت ان تفتح يديها وتحركهما كما الاطيار مدفوعة بشوق كبير لملاقاة احبتها فلذات كبدها لكن خفرها وحياؤها منعاها من فعل ذلك لكنها حلقت بحلمها وانشراحها الداخلي … ارتسمت على شفتيها القرمزيتين المدورتين ابتسامة عاشق كلفٍ وعد بالوصال …
راحت تلقي تحاياها على اصدقائها ومعارفها الذين صادفوها اثناء خروجها من بيتها … دلفت الى السوق تحث الخطى لملاقاة احبتها تلامذتها الذين مالوا اليها بكل براءتهم وحبهم لها …
لكن فجأة دوى انفجار هائل … انفجار حصد الارواح واخمد الانفاس وسرق البسمات من الشفاه واجهز على ما تبقى من احلام البسطاء للابد … فمدت الانفاس التي كانت تتنفس الوجد والتقوى والحب والصفاء … انفجار اهوج مجنون جعل الدماء الزكية النقية تتدفق كالشلال … دماء امتزجت مثلما امتزجت مياه النهرين في اقصى جنوب البلاد … راحت نوره ضحية الهمجية والعدوان وغدت وردتها البيضاء حمراء لامتزاجها بالدم الطهور… وقبل ان تلفظ انفاسها العابقة رددت كلمات لم يفهمها سامعوها … كلمات اكدت الولاء للحب … للود والحياة وافتقدها الاحبة وافتقدها الرجل الذي احبها بكل عمق وهو لم يستطع ان يراها في كل المنعطفات التي سلكها من اجل ان يلتقيها وسيبقى صوتها يعيش في ذاته وعواطفه ذلك الصوت الرقيق الذي حملته له اسلاك الهاتف بكل عنفوان وخجل قبل بضع من السنين وستبقى اشواقه التي جفت على ضفاف امنياته التي لم تحققها له الاقدار حبلى بالألم والحزن .
كمال كاظم خليل العبيدي – بغداد