نقد الواقع

نقد الواقع
عبدالكريم يحيى الزيباري
راهنت حكومة بغداد بانسحابها إدارياً من إقليم كردستان، على حجم الفراغ الكبير سياسياً وإدراياً وأمنياً واقتصادياً الذي سوف تتركه وراءها، وبالتالي فشل الأحزاب الكردية في إدارة شؤون الإقليم، لكنَّ الأمور استقرت بعد سنتين أو ثلاث من تولي الجبهة الكردستانية التي ضمت قيادات مختلف الأحزاب، وإنْ لم تخل المرحلة من صعوباتٍ جَمَّة ومشاكل خطيرة، استطاع إقليم كردستان التغلب على الحصار المزدوج بتنيمة وارداتها الذاتية، واعتمدت بشكل كبير على القطاع الخاص في ملء الفراغ الاقتصادي، فضلاً عن ضريبتي الدَّخل والكمارك، حتى أنَّ ضريبة كمركية فُرِضَتْ في نقاط تفتيش بين محافظات ومدن الإقليم، فلماذا لم تستطع الحكومات المتعاقبة في بغداد بعد 2003 من ملء الفراغ السياسي والاقتصادي، رغم الواردات الكبيرة التي يتوفر للعراق نصفه في التاريخ؟ أينَ يختبئ الخطأ؟ لماذا لمْ يُنتبه له طيلة سنواتٍ عِجاف؟ مَنْ الذي ضيَّعَ مستقبل العراق غير السياسي المتفيقه والفقيه المسيّس؟ لماذا فشلت وتفشل جهود إعادة بناء العراق النَّازف؟ لماذا تتوسَّع والأزمات وتنتشر كالفساد الإداري الذي يبدو بلا نهاية؟ لماذا لم تستطع الحكومة إنهاء مشكلة الأمن، أو الخدمات كالكهرباء؟ لماذا يسخرون كلَّ شيءٍ في خدمة السياسي؟ لماذا لا يكررون نموذج تعيينات رئاسة صحة نينوى في شفافية التعيينات المعلنة خطوةً بعد أخرى؟ وشفافية نموذج تعيينات محافظة دهوك من خلال إشهار خطوات التعيينات واحتساب درجات الأفضلية بحسب برنامج معلن، وخطوات شفافة معلنة في مواقع الانترنت ووسائل الإعلام، لقد كانت المحاصصة في مقاعد الوزارات ووكلائهم، ثمَّ توسعت المحاصصة إلى المديرين العامين ومديري الأقسام والمدارس ثم إلى التعيينات ثم إلى كلِّ شيء، فكيف سوف يصطلح الشعب العراقي مع نفسهِ؟ أليست هذه الممارسات الفاسدة هي التي تمنح الإرهاب الغذاء المعنوي الذي يبحث عنه؟ أليسَ هذا الفساد هو الذي يغذِّي الولاءات الضيقة والضغائن المدفونة والعقول السطحية التافهة التي تسلقت إلى هرم السلطة بواسطتها؟ تسلم حزب المؤتمر الوطني الهندي السلطة من البريطانيين، وتم تعيين جواهر لال نهرو أول رئيس وزارء للهند عام 1947، فوجد نفسه في موقفٍ من شأنهِ أنْ يبعث القلق في نفسِ سياسيٍّ كان معارضاً ووصلَ إلى السلطة وذهبَ الحزب إلى ضرورة دعم مبدأ تحديد حدود الولايات في الهند على أساس لغوي، وكانت حجته في ذلك، وإنْ كانت حجة معكوسة، هي أنَّ البريطانيين في إقامتهم وحدات إدارية عشوائية ــ أي ليس على أساس لغوي ــ كانوا يطبقون سياسة فرِّق تسد.. إلا أنَّ نهرو كان مصدوما من تجربته في اللجنة اللغوية.. واعترف بذلك كان أمامنا ستون سنة من عمل حزب المؤتمر الهندي الوطني في مواجهة قرون متطاولة شهدت فيها الهند ولاءات ضيقة وأحقاداً تافهة وأهواءً جاهلة ومشتبكة في أزمات مميتة، وقد بعثَ فينا الرعب ما رأيناه من هشاشة الأرضية التي كنا نتحرك عليها 1.
1 كليفورد كيرتز ــ تأويل الثقافات ــ ترجمة د. محمد بدوي ــ المنظمة العربية للترجمة ــ 2009 ــ بيروت ــ ص502.
/4/2012 Issue 4183 – Date 25 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4183 التاريخ 25»4»2012
AZP07