نصّ سرديّ

شفاه المستحيل نصّ سرديّ مهدي علي اِزبيِّن يخترقني صهيل : “ستبزغ شفتان في راحة كفٍّ بضّة ، تتوامضان ، حينها سيقبّ على جسدك زغب ، وتتقلّص جلدة رأسك ، وتشرئبّ شعيراته ؛ فتتحقّق الرؤية ، وتسكنك الغربة”. تستفزّ اليقظة الرؤيا ، ويتطامن زورق الحلم ، يماحك جرف الذهول . يتشظّى النعاس ، يتيه في متّسع من الردود . يتصحّر فمه . غمام يبعثر تفكيره ، ينزّ مطرًا و هو يسبح في فرن تمّوزي ، وسعفاته تهتزّ بريح صرصر “إنه يعوم في مياهها” . يشطب على كراسة الخيال ، يهشّم الحلم ، يقتلعه . يخرج الداخل من الباب الدخول ، ويدخل الخارج من باب الخروج . يتدارجان .. يتخارجان . لا يسمح لطيور التبرير أن تحطّ بساحاته ، وهو المتسربل بضباب العرف و سدم الأخلاق . يديم نوابضه و عتلات موروثاته ، يسير على سكّة الحياة بخطٍّ مستقيم “الشمس لا تبعث سناها / غارت ملامحها الأليفة / إنها ليست بشمسي ” .. أنا أعوم بمياهها؟! تهرب عقارب الساعة ، و الرقاصات تغادر أحزمة الحركة. أصوات تهشّم تطغى ، يتكسّر زجاج الوقت . النواميس يسرقها العدم ، تغطّ في نوم عميق . يتراكم هلام اعنكبوت ينتعل حذاء الفرس ، ينفخ جذوة ، يلهبها ، تندلع لهيبًا، تتسرّب ذؤابات اللهب ، ويدلق ألسنته ؛ فتتراقص بانتشاء يطغى على كلّ الأنواء ، تعاند مسارات الرؤية . “تملأ غيوم الصيف عينيه / سيوف الدخان قذى يسملها / شجرة تشغلها الوحشة / البرد يجلد أفرعها / تحضنها النار / و النار تكبر بالشجرة / تسجر تنّور الأحزان / ماء التأويل يواجهها.. فيهرب من وخز اللسعات” … كيف أعوم بمياهها؟! يمسطره الآخرون ، لا يقوى على تسفيه مقاساتهم ، يسقط أبعاده عليهم ، لا يرغب أن تحرن فرس السلوك و هي تسمو ، تختال في المسير ، ترقبها الأعين ، تحسدها . يهرب منها إلى الهروب ، يغيب عن المواجهة و الدرس . أرعبه الزمن حين وضعها معه وحيدة بين مجموععة طلاب في صفّ واحد . تلاحقها الأكفّ ، تبحث عن كفّها، تعانقها و هي ترشف خضرة الربيع من عينيها . يتوسّله بعضهم للتعرّف عليها ، وكثير منهم يلتصقون بها ، يوادّونها … ثمّ تنشرخ مسافات الألفة . يستعرض بعضهم ، ويضع مفاتيحه بين يديها … ينفّرها ذلك . يستقبلها مقعد الدرس ، يحنو عليها ، تشيه عينا أستاذ ، تتفقّدها ، حينما تقعان عليها ؛ يسيلان عليها لعابًا .. سرعان ما ينقلها مختزلاً الحضور نحوه ، تتصادم النظرات تنتج شررًا ؛ فيهرب الأستاذ بطباشيره إلى لوح الدرس . يقرأ موضوعًا من منصّة الأستاذ . يشنّف الأسماع . يدخل في سجال ، وهي مطرقة ، يلفّها شحوب الامتحان . ينحسر الحليب من وجنتيها ، لتطفو الزبدة بلونها الأصفر . ينسحب عائدًا ، تفارق بشرته ألوان الحياة ، تشحب تصرفاته ، تقبّله عيون زملائه ، و تطرق متوجّسة ، يتحاشى زميلته الشقراء . يدخل تلك القاعة المدوّرة ، يرتقي درجاتها ، يستقرّ في الصف الأخير بعد السلام و السلامات ، تسترخي بجسدها الوديع على مقعد أوطأ من مقعده ، يرى صفحة وجهها وقد زيّنته على غير عادتها . تتكئ بيمينها على الكرسي ، وراحتها تطبق على فمها ، ترنو نحو الأستاذة أسفل القاعة ، ساكنة في مصيدة الصمت ، أوراقها تغفو في المحفظة و قلمها ملقى … تعلن المحاضرة عن انطفائها . تنضو عنها أنسجة الوجوم ، تنازع كي تعود إلى الحراك ، تفرد ذراعها .. و تفتح كفّها !! في مرآة راحتها تزهو وردة حمراء بشفتين ، ترسل شعاعًا يستفزّ خلايا الحسّ ، يشطره اثنين ، ينتفض هو .. رتّب أوراقه ، يجمعها . مزقّ اوارقي بعثرها ، يتخلّى عني ، يتركني اواجه بركانًا يغلي ، اسدّ فوهته ، أقبّلها ، ستثور بلحظة ، و أضيع .

مشاركة