
الشرق الاوسط على فوهة بركان
نتائج اجتماعات القمم الأخيرة –
في ظل تداعيات الحرب الروسية -الاوكرانية وما افرزته من أزمة عالمية في امدادات الطاقة ( النفط والغاز) ، وأزمة في الغذاء ،إضافة الى التراكمات السلبية لجائحة كوفيد 19 ? وأزمة التغير المناخي العالمية ، فقد شهد الشرق الأوسط الاسبوع الماضي اجتماعين للقمة .
أحدهما في السعودية اطلق عليه اسم ؛”قمة الامن والتنمية” ؛ضم دول مجلس التعاون الخليجي ؛ وكل من العراق ومصر والاردن ؛ بحضور الرئيس الامريكي بايدن ؛ الذي سبقها بزيارة للكيان الصهيوني ولقاءه بقادته معربا عن اهتمامه بأمن الكيان الصهيوني؛ ومؤكدا على : “الحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل ،والالتزام (الثابت والمقدس) بالحفاظ على قدرة اسرائيل لردع اعدائها ، والالتزام بعدم السماح لايران مطلقا بامتلاك السلاح النووي ؛وان واشنطن مستعدة لاستخدام جميع قدراتها لضمان هذه النتيجة ، والتزام واشنطن بالعمل مع الشركاء الاخرين لمواجهة اي عدوان ايراني والأنشطة المزعزعة للاستقرار في اسرائيل ، سواء المباشرة من قبل ايران ؛ او من خلال وكلائها والمنظمات المرتبطة بها كحزب الله و منظمة حماس وحركة الجهاد الاسلامي ، وكذلك دعم واشنطن المالي لاسرائيل وبقوة وتنفيذ مذكرة التفاهم التاريخية البالغة 38 مليار دولار ، وتقديم مايلزم من دعم مالي لمعالجة التهديدات الجديدة ،إضافة الى التزامها بتقديم مساعدة دفاعية صاروخية اضافية تتجاوز مذكرة التفاهم ،كما حصل في الهجمات الاخيرة لحماس على الاراضي المحتلة في ايار 2021، وتقديمها مبلغ مليار دولار اضافي كتمويل اضافي لمنظومات الدفاع الصاروخي ، والتزام الولايات المتحدة بمواصلة جهودها في بناء نظام اقليمي قوي يضمن تعميق العلاقات بين اسرائيل وجميع شركائها الاقليميبن ؛ والدفع باتجاه التكامل الاقليمي لها مع مرور الوقت ؛وتوسيع دائرة السلام لتشمل المزيد من الدول العربية والاسلامية” ، وقد اكد الامريكان خلال لقاءاتهم في هذه الزيارة للكيان الصهيوني :”بأن واشنطن تفخر بالوقوف الى جانب الدولة اليهودية الديمقراطية وشعبها المبدع (على حد قولهم) ؛ وستعمل بقوة على محاربة من يقاطع اسرائيل او يرفع شعار معاداة السامية ” ، بلا شك فإن كل هذا الدعم جاء من اجل كسب ود اللوبي الصهيوني المؤثر في الولايات المتحدة الامريكية ، والحصول على تأييده للحزب الديمقراطي الامريكي في الانتخابات التشريعية بالخريف القادم . تضمن ايضا منهج زيارة الرئيس بايدن للاراضي الفلسطينية المحتلة ايضا ؛ زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ، حيث كانت تصريحاته محبطة للفلسطينيين وباهته وضعيفة؛ فقد اكد الرئيس بايدن على : ” دعمه الطويل الامد والمتواصل لحل الدولتين وللتقدم نحو واقع يمكن الاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء من العيش بسلام ؛وان واشنطن على استعداد للعمل مع اسرائيل والسلطة الفلسطينية ودول المصلحة الاقليمية في المنطقة لتحقيق هذا الهدف ، واكد ايضا التزامه بالمبادرات التي تعزز الاقتصاد الفلسطيني وتحسين حياة الفلسطينيين” ، الملاحظ هنا ان الرئيس الامريكي لم يتطرق الى ما يمارسه الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني من حصار واعمال عنف وقتل وبناء للمستوطنات في الضفة الغربية ؛ مما ساهم في اضعاف موقفه خلال حضوره مؤتمر قمة “الامن والتنمية” في السعودية، حيث حضر يوم السبت الماضي اجتماع قمة الامن والتنمية في السعودية ؛ وقد ابدى السعوديون عدم الاهتمام بحضوره الى هذا المؤتمر ؛منذ لحظة وصوله الى مطار جدة ؛فقد كان في استقباله امير جدة ؛ وحتى طريقة استقباله من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، لم تكن بالمستوى الذي شهدته السعودية على مدار سنوات طويلة في استقبال الرؤساء الامريكان،بينما كان استقبال باقي القادة الذين حضروا هذه القمة من قبل ولي العهد السعودي في المطار شخصيا بترحيب عالي وودية كبيرة ؛ وان سبب البرود في استقبال الرئيس الامريكي بايدن ؛ يعود الى الانتقادات و التهديدات التي وجهها الرئيس الامريكي بايدن خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه ، بأن بجعل السعودية بلدا منبوذا ؛ وإحالة محمد بن سلمان الى المحكمة الجنائية لمسؤوليته ؛ عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في القنصلية السعودية باسطنبول ، إلا ان تداعيات الحرب في اوكرنيا وما رافقها من عقوبات على روسيا والنقص الكبير في الصادرات الروسية من النفط والغاز الى الدول الغربية ،ساهمت بشكل رئيسي الى تنازل الرئيس الامريكي عن مواقفه المتشنجة اتجاه السعودية ، واستعادة فتح الابواب معها ، وزيارتها على مضض ؛ من اجل تعويض النقص الحاصل في سوق النفط العالمية ، هذا بالإضافة الى التهديد المتزايد والخطر الذي اصبحت ايران تشكله على الكيان الصهيوني و دول المنطقة الغنية بالنفط والغاز ؛من خلال زيادة قدراتها العسكرية في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ البالستيه ، وتصريحات بعض مسؤوليها عن امتلاكها الامكانيات والقدرة على صناعة الاسلحة النووية ،مما دفع بالرئيس الامريكي مرغما لزيارة السعودية وحضوره مؤتمر القمة في جدة ،من اجل تشكيل تحالف عسكري -امني
مواجهة ايران
برعايتها، يضم دول الشرق الأوسط العربية الحاضرة في هذا المؤتمر والكيان الصهيوني ( ناتو شرق اوسطي ) ؛ يأخذ على عاتقه مواجهة ايران وخوض “حرب وكالة” نيابة عن الولايات المتحدة الامريكية ، للتتفرغ في مواجهة أعدائها الاساسيين ( الصين وروسيا ) ، وكذلك ضمان تحقيق امن الكيان الصهيوني ، من خلال رعايتها لمشروع التحالف العسكري والشراكة الاقتصادية مع دول المنطقة ، والتاثير على روسيا في حربها ضد اوكرانيا ونفوذها المتعاظم في الشرق الأوسط ،خصوصا بعد تصاعد وتيرة تعاونها الاستراتيجي مع ايران في عدد من القضايا ؛ وفي مقدمتها القضية السورية ،وان هذا التعاون قد يفضي الى تحجيم الدور الامريكي في هذه المنطقة الحيوية التي لن تتنازل عنها ،كما جاء في تصريح الرئيس الامريكي بايدن في نهاية مؤتمر القمة بالسعودية؛ عندما قال: “لن نتخلى عن الشرق الأوسط ولن نترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران ،اسمحوا لي أن أختتم بتلخيص كل هذا في جملة واحدة: الولايات المتحدة ملتزمة ببناء مستقبل إيجابي في المنطقة، بالشراكة معكم جميعًا، ولن تغادر”. عموما فقد انفض المؤتمر دون ان تحقق واشنطن اهدافها،واقتصر الامر على زيادة طفيفة في الصادرات السعودية من النفط، بمعدل ثلاث ملايين برميل يوميا اضافية غير قابلة للزيادة ، والتي اعتبرها العديد من الخبراء انها لاتلبي الحاجة المتفاقمة لسوق النفط العالمية ، وايضا فقد كان موقف قادة دول الشرق الاوسط العربية المتماسك والموحد سببا مهما في فشل المشروع الامريكي ، من خلال تأكيدهم على عدم موافقتهم على تشكيل قوات الناتو الشرق اوسطية والتحالف مع الكيان الصهيوني لهذا الغرض ، والتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني للعيش بسلام عادل ،وتظافر الجهود لضمان حقوقهم ،وضرورة ابعاد المنطقة عن الحروب والنزاعات وتسوية كل المسائل العالقة بالطرق السلمية ،بما فيها تعاون ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحل هذا الملف الشائك من خلال توقيع اتفاق نووي جديد . بطبيعة الحال فإن موقف الدول العربية المشاركة في هذه القمة في رفضهم بناء تحالف عسكري مع الكيان الصهيوني برعاية امريكية وبما يسمى (ناتو الشرق الاوسط)، جاء نتيجة لسياسات ومشاريع الولايات المتحدة الامريكية المتأرجحة والفاشلة في منطقة الشرق الاوسط والكثير من دول العالم ، خاصة بعد انسحابها المدوي من افغانستان وامتعاض حلفائها في حلف الناتو من طريقة الانسحاب المهينة ؛ وتأكيد الرئيس بايدن وفريقه بعد الانسحاب من افغانستان ، بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في ضمان الامن للدول الصديقة والحليفة ، وانها ستنسحب من الشرق الاوسط بعد ان تمكنت (وفقا لزعمها) من تحقيق للإكتفاء الذاتي في مصادر الطاقة ، إضافة الى دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وأرضه المحتلة ،كل ذلك اعطى انطباعا لدى دول المنطقة وشعوبها ؛ ان الامريكان لا امان لهم ،وكما قال الرئيس المصري الاسبق لمصر “حسني مبارك ” والذي كان اقرب الحلفاء لهم بالمنطقة عندما ايقن ان الامريكان انفضوا من حوله ، ” من يتغطى بالامريكان يبات عريان” . ومن المؤكد فإن الرئيس بايدن وفريقه اصيبوا بخيبة امل كبيرة وتهاوت طموحاتهم ،في هذا المؤتمر ، وقد شنت وسائل الاعلام والصحف الامريكية انتقادات شديدة اللهجة ضد الرئيس بايدن ، ووصفت صحيفة الواشنطن بوست الامريكية خيبة الامل الكبيرة التي لحقت بالرئيس بايدن : “كانت هذه لحظة حزينة بالنسبة للرئيس الأمريكي بايدن ولن يتلاشى عارها في أي وقت قريب.” خلاصة القول فإن الرئيس بايدن فشل في تحقيق أهدافه في مؤتمره مع القادة العرب في الشرق الاوسط ،ولم يحظى بالاستجابة الكاملة لمطالبه واهدافه الرئيسية في هذه القمة .
اعقب اجتماع القمة في السعودية ،اجتماع قمة طهران الثلاثية ،
فقد استضافت طهران الثلاثاء الماضي قمة ثلاثية اكدت فيه انها تركز على الازمة السورية ،جمعت الرئيس الايراني رئيسي بنظيره الروسي بوتن والرئيس التركي اوردغان ، وتعتبر قمة طهران اول لقاء ثلاثي على مستوى الرؤساء منذ عام 2019، ضمن اطار مشروع “استانه للسلام” الرامي لانهاء النزاع السوري المشتعل منذ احدى عشر سنة ،دون بارقة امل تنهي معاناة سوريا من الحرب ، وينعقد هذا الاجتماع في ظل تهديد الرئيس التركي بشن عملية عسكرية شمال سوريا ،والذي يجابه تحفظات من روسيا وايران ، حيث اكد البيان الختامي لهذه القمة الثلاثية على تصميم الدول الثلاث على مواصلة التعاون : “للقضاء على الإرهابيين في سوريا”.
وأعربت الدول الثلاث في البيان الختامي للمؤتمر عن تصميمها “على مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية”، “ورفض كل المحاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية، والتصميم على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا، إضافة الى تهديد الأمن القومي للدول المجاورة” ، الا أن الأسباب الحقيقية للقمة تبدو أكثر تعقيدا من التنسيق بشأن سوريا، فعلى الرغم من الاختلافات بين الدول الثلاث حول هدف كل دولة في سوريا،وطموحات كل منها في زيادة نفوذها وفقا لمصالحها الخاصة ،فقد اجتمع قادة الدول الثلاث على مايبدو من اجل هدف مشترك يسعى من خلال التنسيق والتعاون بينهم ، لتحقيق الموازنة بين المصالح الوطنية ،
دعم واضح
والمشاريع الجيوسياسية الاوسع لهذه الدول ،بغية افشال مشروع هيمنة الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها على منطقة الشرق الاوسط وقلبها العراق ، ومنطقة شرق اوربا وقلبها اوكرانيا ، وفيما يخص الشرق الاوسط ،فإن سوريا تتلقى دعما واضحا من روسيا وايران ،مقابل سيطرتهما على الكثير من الاراضي السورية ؛ ولديهما قواعد برية وبحرية في فيها ، في الوقت الذي تحكم فيه تركيا سيطرتها على مدينة ادلب شمال سوريا ،وتقدم الدعم للفصائل التي تعمل ضد قوات سوريا الديمقراطية الكردية ،لكبح جماح نشاط الاكراد على حدودها مع سوريا .اما فيما يخص اوكرانيا ، فإن لايران مصلحة استراتيجية في الحرب الاوكرانية من خلال دعمها لروسيا ،في الوقت الذي تقوم فيه تركيا بتزويد اوكرانيا بالطائرات المسيرة الهجومية ، بنفس الوقت الذي تحتفظ كلا من ايران وتركيا بتنسيق امني مشترك بشأن امن حدودهما من نشاطات الجماعات المسلحة الكردية ومشاريعها الانفصالية
،وتؤكد بعض التقارير ، ان الاجتماع شهد تنسيقا بصدد اذربيجان الغنية بالنفط والغاز ؛ والمجاورة لايران وروسيا ، والتي تمتاز بموقع جيوسياسي حيوي ،اذ انها تقع على مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية وغرب آسيا ،فقد اصبحت تشكل تحديا لروسيا وايران ،لانها قادرة على ان تلعب دورا كبيرا في التعويض عن النقص الحاصل في سوق النفط العالمي ، و تزويد اوربا بحاجتها من النفط والغاز عن طريق تركيا ، كبديل عن النفط والغاز الروسي ، لاسيما وانها تعتبر حليفا للغرب وتحظى بالدعم الامريكي -الغربي والتركي ايضا ،كما ان اجتماع القمة الثلاثية في طهران ناقش ضرورة اتباع سياسة تدريجية باستخدام عملات اخرى بدلا عن الدولار في التعاملات التجارية بين هذه البلدان . وبناء على ما جاء في البيان الختامي للمجتمعين ، يمكن القول ان الاجتماع اكد على محاربة الجماعات والحركات الكردية الانفصالية ،وثني تركيا عن عزمها لمهاجمة شمال سوريا ، وطمئنتها في عدم السماح لمناطق شمال سوريا المدعومة من قوات سوريا الديمقراطية الكردية في مساعيها الانفصالية ، بالاضافة الى المناطق الكردية الاخرى في المنطقة ومنها شمال العراق ؛ من خلال التعاون بين هذه الدول الثلاث. في حين تبقى القضايا والملفات الاخرى متأرجحة بين ايران وروسيا من جهة وتركيا من الجهة الاخرى ، لان المصالح التركية، كأحد اعضاء دول حلف الناتو الفاعلين ؛ تتقاطع ولا تتفق مع المصالح المشتركة بين روسيا وايران
ان الخلاصة الاستراتيجية لهذا التنافس في الشرق الاوسط ، في حقيقته يمثل صراع بين الامريكان والروس على منطقة الشرق الاوسط ذات المكانة الجيوستراتيجية الحيوية ،والثروات النفطية الهائلة ،التي لايمكن التعويض عنها بمصادر اخرى ليبقى النفط والغاز المصدر الرئيسي للطاقة في العالم لعقدين من الزمن.تبقى منطقة الشرق الاوسط على فوهة البركان الذي قد يصبح انفجاره وشيكا ، لأنه كما قيل : عندما تتصارع الفيلة فإن العشب يموت …والله المستعان .


















