ناجي طالب رئيس الوزراء الأسبق للعراق وظف خبرته العسكرية للبناء المدني

ناجي طالب رئيس الوزراء الأسبق للعراق وظف خبرته العسكرية للبناء المدني
طارق النجار
وفي عامنا هذا.. غادرنا رجل من تاريخ عصيب احننته السنوات وزادنا وطأة الغياب وقسوة العزاء في زمن اطفأ ذبالة الغابرين من ابناء الوطن يوم رحيلك.. والنسوة يرطلن بلهجة النوح يضرهن المغلول الموجع يخلعن خمارهن تضرعا لقدسية الموت وهن يتوشحن العزاء. يا ابا طلب اطبقت عيناك مساء يوم الجمعة الموافق 23»3»2012 عن عمر يناهز الخمسة والتسعين عاماً مستريحا من طول السهد وارق المحنة وقد اخذت منك مقتلا ووهن عظمك وانت شيخ عجوز يتلمس الغفران وفي قلبك جرح لم تستطع الايام ضماده ومضت وقد طواك الردى في رحلة ابدية لتوارى الثرى في ارض طيبة واختفيت من نواظرنا والنظرة الى جسدك المسجى تبدو ساهمة قلقة متسولة في المآقي وصرنا اعجاز نخل خاوية. افل نجم عروبي قومي ساطع في قضاء الامة العربية في مدة معتمة بالفوضى في وطن عكرته الفواجع ينوء تحت آخر احتلال في التاريخ.. والنجم توارى في عالم سفلي لم يبرح غير العدم ملتحقا بمن سبقه من اشياخ القومية وعواجيز العروبة المتربة بالرزايا والآلام المبرحة رحل الرجل في امانة الله، مغادرا تاريخا ثرا فارشيفه الوطني والقومي والسياسي والعسكري مكتضا بالمواقف الانسانية كان قريبا من النبض الشعبي وظل ابنا بارا لمبادرته ووطنيته في وداعة اخوانه واشياعهم وروحه الطاهرة تغادر الى بارئها.. فالموت وعد صادق وموعد جامع فان الآخر من يتبع الاول كما قال رسول الله ص لم تكن يا ابا طالب الاخر في ركاب الراحلين ولا اول السابقين فسيرة هذا الرجل الذاتية فيها قدر من الرضى برغم الانزواء والاعتكاف بعد تقاعده يكضمه الالم ويساوره القلق لما وصلت اليه احوال الوطن وعروبته وحركته القومية من تبعثر وتقزم وولوج بعض من اترابه ومعاصريه ابواب الهجرة والاغتراب هربا من هموم االوطن وتراحه فكان شهيدا على عصر الانكسارات هذا الثراء الرافل بالبهاء القومي برغم قسوة الزمن وغدره وظل الى يوم رحيله يعاني حالات الضياع القومي والعروبي وتمزق مفجع في حاضر عسير الناتج عن الاقرار بالضعف والاحباط الذي زاد هجيره.. فأرشيفه الذاتي يوحي بانه سليل اسرة ثرية تنحدر في النسب الى عنيزة العدنانية زاولت مهنة التجارة هاجرت من بغداد الى محافظة الناصرية وكان والده عضو مجلس الاعيان واحد ملاك الاراضي حيث ولد ناجي طالب بن محمد جواد بن الحاج كاظم بن مهدي بن طه بن محمد صالح العنزي سنة 1917 في ناحية العكيكة بسوق الشيوخ.. فدرس الابتدائية والمتوسطة بمحافظة ذي قار، ودرس في الاعدادية المركزية ببغداد وحصل على شهادة الاعدادية الفرع العلمي ملتحقا بالكلية العسكرية في عام 1937 وتخرج منها بجدارة عام 1938 وغادر الى بريطانيا لاكمال دراسته في الاكاديمية العسكرية الفنية وعاد الى الوطن وعين آمرا للبطرية الجبلية ودخل كلية الاركان العراقية عام 1944 وكان الاول على دورته ثم عين مرافقا للملك فيصل الثاني والتحق بكلية الاركان البريطانية في كمبري وبعد عودته عين مدرسا في الكلية العسكرية ثم ملحقا عسكريا في انكلترا وكان احد ابرز اعضاء اللجنة العليا لتنظيم الضباط الاحرار ومن المخططين لثورة 14 تموز 1958 وعين وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية في حكومة الثورة وبعد 8 شباط عام 1963 شغل منصب وزير الصناعة واستقال من منصبه ثم رئيساً للوزراء في 19 آب عام 1966 في عهد عبد الرحمن عارف وادى دورا مهما ابان مدة رئاسته للحكومة العراقية بما يمتلكه من خبرة سياسية وعقيدة عسكرية واراء سديدة جعلته يمضى برضى مجايليه السياسيين والعسكريين، ويعد من الشخصيات القومية البارزة، ثم قدم استقالته من منصبه. وآثر الصمت في سنواته الاخيرة عكوفا يستجلي خواطره طوافا متأملا حتى اثناء مزاولته لرياضة المشي المحببة له في ظهيرة الشتاء وفي صباحات الصيف الباكرة موهنا مبتسرا كدأبه كل يوم متحديا مرضه الذي كان يعانيه عقابيله والالم يطحن اضلعه وعيناه كحلتها رمدة المرارة والتعب المخذول هاجعا مبصرا الموت منتظرا اياه فهوما مقبل غير مدبر للامر الجلل خاشعا محتضراً يلفه لحاف الهجير الطاغي باصرا بحدقة عيناه القلقتين احوال وطنه.. الذي يعاني غزوة الاسلاب الحضاري والتاريخي والسياسي والثقافي والانساني.. ابا طالب في رحيلك تطوي صفحة تاريخ مناضل قومي عربي النسب والتاريخ ما هي الا اغماضة عين وانتباهتها وجدت نفسك خارج الرؤية التاريخية في مرحلة حلف وتطرف لا متناه..
/4/2012 Issue 4171 – Date 11 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4171 التاريخ 11»4»2012
AZP07