مَهمة القارئ وآلَيات القراءة الجديدة
شاكر مجيد سيفو
في أغلب الأحايين يصعب على القارئ الدخول لا بل التوغل إلى الخطاب الشعري المرسل إليه والمتعين قراءته قراءة لذيّة، وربما عند البعض قراءة نقدية وتمحيصية في غاية ترافق القارئ لتحديد ملامح الخطاب ومأ ثوارته واشتغالات منتجه، سواء عبر شبكة علاقاتية معه عند قرب، يرغب في الحفر واستكناه وتقصّي خصائص وشكل وبنى الخطاب المرسل باَعتباره رسالة لها هدفها ووظيفتها، ويعتمد فن التوصيل على بلاغة الأَرسال و وظيفة الأَبلاغ والبلاغ وعلى وضوح المعاني المتضمنة لبيان غرض الرسالة. اِنّ على القارئ مهمات صعبة جداًّ في هذه المنطقة من جدل الوظيفة والبنى الجمالية والفنية للرسالة الخطاب، ومن هذه المهمات الحاجة الشديدة إلى التمعّن واختراق طبقات المعاني وصولا إلى باطن الرسالة، ويتطلب من القارئ توفير وتوافر قدرات خاصة يتطلبها فهم الخطاب الشعري وهذا ما يحيل إلى قول قديم في الشعر أفخر الشعر ما غمض فلم يعطلَ غرضه إلاّ بعد مماطلة منه وغوص منك فيه يلاعب القارئ ويستفز قدراته ويخادعه ويستلزم وعيا جدلياً حاداًّ واستثنائياً بالعملية الشعرية وفلسفة الكتابة الجديدة ومواجهة عراك ذهني وتنظيري مع القراءة الجديدة.. من شأن القارئ التوغل عميقاً داخل باطن النص، داخل باطن وجوا نية الخطاب لاكتشاف فضائه، اِذ ينقطع المرسل رسالته في تحرير حساسية المرونة التي يعتمد فيها المؤلف على طبيعة الدفقة الشعورية وثراء الكنوز الدلالية الثاوية في الأعماق ليصير المفضي أليه والمطل عليه بمنزلة الفائز بذخيرة خافية استثارها، والظافر بمأثرة دفينة استخرجها واستنبطها ثم أن للتأمل وقفات على إعجاز المرونة وطبقات معانيها ومجمل عملية صناعة النص الرسالة.. من النظريات النقدية العربية المهمة التي تناولت قضايا الخطاب الشعري الحداثي وآفاقه المتعددة والمتشظية في وجوه النقد الأدبي والبلاغي.
جماليات اخرى
في كتاب قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجاني اِذ يعمل الخطاب هنا إلى ابتكار القول الشعري في طبيعة اسلوبه والأفكار التي تؤدي إلى نشوء علم خاص به ، هو علم الأسلوب حيث استطاع الجرجاني أن يدرك بغيته في التوفيق بين الشكل المادي للصياغة والجانب العقلي للمعنى عن طريق الاستعانة بالنحو التقليدي مع تحويله إلى إمكانات أبداعية اِذ يتيح هذا النحو القارئ من الاقتراب إلى تركيبات النص وطبيعته الأسلوبية وكشف مكنونات الخطاب من خلال الكلمة وتفجير الطاقات الأيجابية فيها.. بهذه المعنى تبقى القراءة الناشطة في حركة استنباط ما يعرف اليوم بالنص الموازي الذي يوجد إلى جانب النص المتحقق ، وهو النص المتخيل أو الممكن ويتكون هذا النص من المبنى المتحقق والتأويلات التي تنتجها الأبنية وتحث عليها الموجهات التي تصحح اتجاه القراءة. فعبد القاهر الجرجاني رأى القراءة نشاطاً فردياً وايجابياً ونبّه على مهمة المتلقي في استنباط ما يعرف بالنص الموازي الذي يوجد إلى جانب النص المتحقق حسب رؤية الناقد د. فائق مصطفى. تتقارب مقاصد القراء في ابتكاراتهم لقراءتهم لخطاب شعري ما ، وقد حدد العالم الأمريكي شومسكي ابرز مَنْ درس النحو في العصر الحديث بأسلوب ومنهج جديدين وتوصل إلى اراء جديدة ، فقد عقد المؤلف هنا مقارنات في وصول قواعد النحو التي هي الأداة الفاعلة في تشكيل الصياغات من جهة والكشف عن جمالياتها من جهة أخرى ، وعقد مقارنة أخرى بين ما يراه القارئ ما بين المفردات وعلاقتها بوصفها سدة النشاط العقلي ومصورة له ، ويضيف قائلاً أن هذه العلاقات ليست ألا إمكانات النحو واحتمالاته داخل التركيب لأنها هي التي تعطي الصياغة ملامحها الغنية في الشعر أو النثر ، وهي تخلصها من فوضى الجمع وعفوية التعبير.. إذن بهذه الطريقة يتوجه القارئ إلى اليات القراءة بين الأخبار بالوصف تارة والأخبار بالفعل وغيرها تارة أخرى وينتهي إلى تعامله مع المداليل في الخطاب الشعري إلى درجة يطلب فيها قمة النضج والاكتمال لمعنى الرسالة أو الخطاب أو في الأقل تسمية المعنى ، وهذا ما يصعب عليه لكون اَن الشعرية تتمثل في مجموعة من الخطوط النيسيجية المعقدة للغة ، إذ تشكل شبكة هائلة من العلاقات اللسانية وتعتبر هذه من أهم مظاهر الحداثة وديناميكية الظواهر اللغوية التي تفجر طاقات الإيحاء التتابعية في النص…
AZP09