زمان جديد
عبد الحق بن رحمون
من بين أهم الكتب التي تطل عليَّ أعناقها الوارفة في كل غفوة، أو عودة إلى أصول بعض سير تاريخ الزعماء، أجدني أطيلُ البصرَ والنَّظر في سطور كتاب أصدره « لينين» الذي عرض فيه أفكاره حول التنظيم، على اعتبار أنه وثيقة تاريخية، لازالت محتوياته ذات صلة بتاريخنا المعاصر. ومن هُنَا ما العمل فيما تعانيه الشّعوب المغاربية، والمشرقية في قطاعات حكومية من صحة، وتعليم، وعدل، وتجهيزات أساسية، إلى غير ذلك، انطلاقا من ضعف وهشاشة البنية التحتية للطرق وصولا إلى بعض النخب الكلاسيكية التي ماتزال مصرة على نظريات «دفنا الماضي» أو الدعوة لتجديد «الماضي اليائس». ومع الثورة المعلوماتية وانفجارها المذهل، تعرضت المجتمعات التقليدانية إلى صدمة مريبة، وانطلاقا من هذا صار لزامًا عليها محاربة الأمية في هذا المجال، على اعتبار أن الأمية لم تعد محصورة على تعلم الأبجدية قراءة وكتابة، وبالتالي صار الوقوف من أجل «البكاء على ذكر حبيب ومنزل»، مضحكة، إن لم نقل هو اليأس بعينه، وهنا لا أقلل من عبقرية قائل هذه المعلقة، فلكل عصر معلقاته ورجالاته، وظروفه الخاصة، وتصورات في بناء المجتمعات، لأن السُّرعة تقتضي ذلك، وتدعو عدم استخدام أي عاطفة، أو إضاعة الوقت في الوقوف على الأطلال بدون فائدة أو مردودية.
ولهذا، داخل كل كائن بشري قوى، إما أن يشغل ذاته بتنظيم محكم، ويجدد طاقته، حسب مراحل العمر ويحرض شخصيته على التجدد باستمرار، ليضمن تواجده في الحياة، ويتفاعل ويقتنع بالتحولات والصيرورة التي يتطلبها الوقت، وبحسب ما يقتضيه النظام الطبيعي للعيش، وبالتالي فإن الكائنات الحيّة إذا ما أهملت نشاطها، فإنها تصدأ بسرعة، وتصدأ قواها وتفكيرها وقدراتها البدنية، ولعلّ هذه واحدة من أسباب انتشار أمراض الروماتيزم التي تصيب المفاصل والعقل البشري، وأيضا تصيب الأجهزة الالكترونية التي يدعو دائما صانعيها بدوام تشغيلها يوميا، ويحذرون عدم وضعها في الأماكن ذات البرودة الشديدة. ولتفادي الإصابة بالروماتيزم في وقت مبكر وكي لايتطور لابد من أخذ الاحتياطات في حالة التهاب اللوزتين باستعمال (Pénicilline)، ولهذا سوف أتحدث عن الروماتييزم بتفصيل وبشكل غير ممل.. كيف ذلك؟
إذا أصيب جسم حيّ بالروماتيزم أو تهالكت قواه، فقل على الدنيا السلام، والروماتيزم هو مرض غير معدي وغير وراثي، لكن يصيب العظام وتشعر بالضياع والعياء، وقد يصف الأطباء أدوية عبارة عن مسكنات ومهدئات لكن مع مرور الوقت لايصبح لها أي مفعول أو جدوى.
والروماتيزم يصيب أيضا الكتب والمكتبات، ومع توالي الأيام تصبح عظام الكتب هشة، ويضيع معها الحبر ويصبح مشردا وباهتا، كما يصيب الروماتيزم بعض الدوائر الحكومية لذا لاغرابة أن تجد بناية ضاربة في القدم، لكن جدرانها الداخلية والخارجية تثير الشؤم والاشمئزاز.
والروماتيزم يصيب أيضا أنظمة الشعوب، ويصيب الأحزاب، ويصيب المدن التي تكون في مزاجية بحسب فصول السنة، وهنا في المغرب بالرغم من الأفواج الهائلة من كوادر الأطباء التي تحرقُ زهرة عمرها في التحصيل العلمي، فقد وجد الحل في الشفاء من مرض الروماتيزم عند مكي الصخيرات، الذي ادعى أن له قدرة على شفاء الناس بلمسة يد أو بجرعة ماء، وهناك من صدقه وآخرون كذبوه. والله أعلم فيما يدعيه.
وحمّى الروماتيزم تصيب العظام والمفاصل، والحلقوم واللسان وباقي الحواس، وتتسبب أمراض القلب الروماتيزمية في الوفيات، وإن الإكتشاف المبكر للروماتيزم في الشعوب المتحضرة يساعدها على الشفاء من أمراض العصر، ويساعد أفرادها على نشر السلام والتسامح في العالم.
وهذه الشعوب تدعو أفرداها أيضا إلى البناء وعدم الاستكانة للأمراض المزمنة التي لاطائل من انتشارها، فالوقوف على الأطلال وهدم الأصنام لم يعد يجدي ولا أحد يصدق الأوثان القديمة . فالعصر هو زمن التكنولوجيا الذكية التي هي من صنع عقل بشري لأنها محفز ليلمع باستمرار ويقاوم الصدأ والفيروسات الغبية من اختراقه.