مونولوج الطبيعة

 مونولوج الطبيعة

 وبينما تعتريني أصداف الليل …مستغرقاً في حواراتٍ تَضُجُّ بالتراكيب الملحمية والغموض في مجملِ تراكيبها ….لكنني بذاتي المخضّبةِ بتُرياق العشق للولوج الى أغوار المجهول وفك تشابك خيوطه وتعقيداته….والبحث عن نقاطٍ من ضوءٍ ربما تتحجر في زواياه المعتمة.. محاولاً أن أميطَ اللثامَ عنها فتظهرَ لمهجتي الرخيمة تفاسير لبعضٍ من أُحجياتها…

وحيثما ينازعني الوجود غارقاً بتلك المتعةِ الجارفة …..التي بالكادِ تروقُ لثُلّةٍ من الكائنات على الرغم من سحرها الأخاذ.. عندها تسرقني أفكاري للتأمل عُنوةً لتسافرَ بي الكلمات على أجنحة الطيور المهاجرة.. فألهجُ في نفسي مخاطباً أشكالَ الطبيعة بألوانها … تضاريسها.. .عنفوانها… ملاذاتها.. أصواتها  .أعماقها.. .بل وحتى ذراراتِ آنبعاثاتها… .يا  لعجبي من عالمٍ يتنفسُ رحيقَ نسائمكِ.. ويحيا بها  ويستنيرُ من أنوارِ قَداسةِ مجرّاتكِ…….ويتغذى فينمو من ثمارِ أترابكِ.. بل ويطفو بداخل تكوينه البارع على مياهٍ بالغةٍ في النسق …..تمثل جُلَّ أوزانه..تجري بفيضٍ من خالقها في الخلايا وبين العروق…وفيه من اللوحاتِ كأنّها طبيعةٌ تتوهجُ في فضاءِ طبيعة….

وبعد كلِّ ذاكَ السخاء الهائل الممتد عبر اللا…. وعي واللا ..زمن نحو أجسادهم فيشيرون الى مواضعِ الشرور واهمين بأفكارهم وتخبطاتهم على أنّها كامنةٌ في أسفاركِ ومداراتِ ذراتكِ. متناسين غير آبهين أنَّ الخالقَ أودعهم في هذا الكونِ الأرحبِ النّقي بنظامِ سمواتهِ وأرضينه… على الرغم من محاولةِ حؤولِ الملائكةِ عن ذلك خَشيةَ إفسادِ هذا الملكوت العجيب.. مهلاً مهلاً ……دعِ أعماقي تنساب اليكِ بلا وجلٍ .. وآتركي خيالاتي تتسربُ الى شبكيّةِ عينيكي… فأسترقَ منها سحراً تغلغلَ منذ الأزل بين ثناياكِ  فآنبلجَ ضوءاً عرمرماً تكشفت به صغائر الحقائق وكبائرها..

أيتها الطبيعةُ الحاذقة … .لم تكونِ صماءَ يوماً فلطالما تمنحين أرواحنا هديراً من خلجاتِ كلماتكِ فنتحسّسَ أحرفها وأشعارها الباهية.. .بيد أنّكِ في هذيان رخيمٍ ومستديم مع المخلوقات وإن كان بعضٌ من الأجساد المضمحلة تائهاً في غفلته خاوياً في داخله..وكل ما تتلقفه أسماعنا من ترانيم أصواتكِ …..تلك التي لو نُظمت في هيكلٍ موسيقي لكانت مهبطاً ترتاح عنده تلك القلوب المضطربة التي أضنتها الأحقاد..ولم تسعفها العبرات.. كلّ ما نراه اليوم من ظلم وظلامٍ متغولٍ.. ت بطغيانها وشهواتها الدموية…لكنّكِ ايتها المتوهجة بنور الله البارقة والممتلئة بالنضارة …لا زلت تحاولين كسر قيودِ العبث وفضائعه بما منحكِ إياه الموجد العظيم من أسرارٍ وطاقات.. .لا …..لا …..لا تقولي شيئا ولكن حسبك قبل أن أمضي متقهقراً خلفَ قضبانِ بشريّتي…أن تمنحيني وميضاً من نورٍ كثيف ……أنا ومن معي في قافلة الحياة لننشرَ سناه حول كلّ المستوحشين …أولئك الذين توسدوا عذاباتِ السنين القاحلة .. .والذين يرفعون أكفّ الضراعة متوسلين لله بقدوم النفحات كي يعانقوا بريق اشعاعاتها بعد أن خنقت صدورهم سُخامات الليالي المضنية وأنين آضطرابها الحالك.

علي حياد العلي – بغداد

مشاركة