مونودراما مخيلة المخرج‮ ‬- نصوص – قاسم ماضي‮ ‬

مسرحية تداعيات وطن

مونودراما مخيلة المخرج – نصوص – قاسم ماضي

وهي منودراما تمثلها شخصية واحدة ” إمرأة ” وهذه المونودراما  تعتمد على مخيلة المخرج ، ودوره في تقديمه لهذا العمل ، تظهر هذه ” المرأة ” على خشبة المسرح ، وهي تدور ضمن بقعة ضوء يمينا ً وشمالاً  ولا تفارقها هذه البقعة ، وهي تلهث ، وبصعوبة تتنفس من جراء الأصوات التي تظهر على السايك الذي يكون خلفها على طول خشبة المسرح .وهو مادة فلمية للواقع الذي نعيش فيه في زمن  العنف  .

المرأة ” وهي تتعثر بخطواتها ” حسبنا الله ونعم َ الوكيل ،تلتف وهي  تحرك رأسها بكل الاتجاهات ” يارب ” وهي ترتجف وكأنها في خلوة مع نفسها ” باب الفرج القريب ، يارب ” ترافقها موسيقى حزينة ، تتقدم  خطوات  إلى الأمام ” ياليت لي القدرة على خلع ذاكرتي ” تسحب نفسها بقوة ، وكأنها مقيدة إلى سلاسل تجرها  ” ولدي هل تشمُ رائحةَ الورود ” بتعجب وهي توحي إلى المتفرج كأنها تهذي ” الورود المنبعثة ِ من عودِ البخور ” وهي تجلس ببطء ” وهذه الشمعةُ المتوهجة ُ على  قبرك  ” وهي تلامس الأرض ، وتقترب من  الشاهدة لهذا  القبر وكأنها تحتضنه  ” بدأت تذرفُ دمعها على جرحك َ الذي مازال ندياً ” تنهض بسرعة وهي متعبة ” آه ياولدي لأ أصدق أنك أصبحت تحت الثرى ” وهي تدور على هذه الشاهدة ” أجل ياولدي لقد تجاهلك الجميعُ ”  بسخرية ” تجاهلك هؤلاء الأوغاد حين أرسلوك إلى تحت التراب ” أكثر سخرية ” ولم يُفكروا حتى بوضع ِ شاهدة ٍ على قبرك ، بينما هم الآن يجلسون على الكراسي الوثيرة ” كلمة صدى تكرر ” الوثيرة ” عدة مرات في أرجاء المسرح. بطريقة جنونية وكأنها تحدث نفسها ” أنت الخاسر الوحيد مع أُمُك الثكلى اه . اه لقد خدعوك بشعاراتهم التي لا تنتهي ” بسخرية ” الديمقراطية طز ” تتراقص وكأنها تبحث عن شيء ، حقوق الإنسان طز ” الحرية طز ” الشفافية طز ” تصرخ بقوة وهي تحمل أجزاءاً من جسم الإنسان ” هذه شعاراتهم الزائفة التي لطالما تغنوا بها ” صمت ” ولكنهم لم يخدعوك أنت وحدَك ” بسخرية وفيها مرارة ” إنما خدعوا الناسَ جميعاً ، هذه  الوجوه الشيطانية التي جلبت العار للبلاد والعباد ، ألبسنا القدر ليده الخفية حتى يحرك من خلالها بيادق على رقصة شطرنج الحياة ” وهي تدور على خشبة المسرح ” الإنسان مغرور كبير ، لا يعترف بجهله أبداً ، ومن الصعب إقناع شخص ما بهذا الهراء ، وكل الجرائم التي ترتكب يقف خلفها هراء مرتب كهذا الذي نشاهده اليوم ” وهي مفزوعة ومرتبكة ” آه ياولدي ، آه يا ولدي ، لقد غدروا بك ، فالقتلة َ الذين أعترضوك في الطريق ، كانوا قد تخلصوا منك َ ، لأنهم ما عادوا يطيقون بياض َ روحِك ” وهي تصرخ ” تلك هي الحقيقة ، وأكاد ُ أسمعُك وأنت تنحبُ تحت التراب ، ولكن ما جدوى دمعك إذا كانَ دمكَ النازف بضمائرهم أصبح َ محضَ سراب ٍ ورماد

اصوات تأتي من خارج المسرح وكأننا في دوامة من العذابات التي لا تنتهي وهي تقول ” لقد إكتفينا من الحقول الخضر ، من محطات بعضها كانت أرصفة ، بليال ٍ باردة ” تتصاعد وتيرة الأصوات من أن انفجارات وغيرها ” أكتفينا بالعمر الذي ولى ” بعصبية ” وضاع بالنعاس أمام شاشات التلفزة ” فتور تصاحب ها سخرية ” وهي تنقل ُ أخبار موتِ  أهلنا  ، إكتفينا من النحاس يتشظى فوق نخلِ المدينة” كأنها في حلم أو كابوس ” المدينة التي عشنا بها ، وغنينا بشوارعها ، إكتفينا ولن يكون َ لنا إلا أن نعود بالسكري ، وأمراض الضغط ، والقلب ، وفواتير َ تنتظر ُ التسديد َ ،ويد ٌ كفيلة بالرغم من سطوة السنوات ،  النهر ُ واحد يشجُ جبين َ مدينتنا ، والعمر ُ واحد ، وبدلاً من أن نرجع لها ونموت ميتتنا الهائلة  ” موسيقى حزينة ”  هكذا وعدتنا كلمةُ غاية في الخداع ” تتقدم إلى الأمام لمواجهة الجمهور ” إسمها المنفى ، لنرجع معاً ندافع عن نهرها ، والطفولات والرغبات الشقية ، ويوم جاءوا بجثتك المثقوبة بالرصاص إلى الدار ” هنا تمثل دور تشييع الجثمان ” آه يا ولدي ، قتلوك لأنكَ  تحُب  الناس ، آجل أن الجريمة التي أقترفتها هي عشقُك للفقراء ، وفي أيامنا هذه ياولدي فقد تكاثر عدد الفقراء وإزدادت بيوتُ الصفيح ” وهنا تصرخ ” بينما الذين يناضلون من آجل الناس الفقراء المعدمين شيدوا قصورهم الفارهة ، وأصبحوا يتلاعبون بالمال العام ، وهم بترحال دائم إلى منتجعاتهم خارج البلاد ” كما يقول الفنان عادل إمام ” صمت ودوران على خشبة المسرح .

موسيقى فيها من الترقب وصوت همهمة ” لقد قلت َ لي ياولدي ” أتعرفين ماذا يعني الوطن ؟ يا أماه إنه رئتي التي أستنشق ُ بها الهواء ! مذهولة ” وعدتَ لي بعد اسبوع بجرح عميق من شظايا الحرب ، وحين تعافيت بعد شهر التحقت مع أخوتك برغم توسلاتي أن تبقى معي ! ذهبت َ حتى تقضي على أولئك القادمين من خارج الحدود ، لكنك لم تسمع رجائي ، كنتَ  عنيداً مثلَ أشقائك الآخرين ، وها أنت تعود ُ كما غيرك ” بسخرية ومرارة ” مقطوع الرأس ، والآخر مثقوب الرأس ، آو آخر تطفو جثته في مياه دجلة ” بإستفهام وتردد ” من يصدق أن فجعية مثل هذه تحدث لنا الآن ؟ ” تهرول مسرعةً ” هكذا ياولدي أصبحَ دمك المراق مجردَ سحبٍ من الدخان ، في ضمائرهم أعرف أنك تشتعل غضباً تحت الثرى ، لكنك لو تدري أن نارَ جهنم تستعر ُ في صدري الآن ” تقترب من كتلة توحي لك بالقبر ” لقد  طحنت  فجيعُتك َ عظامي يا ولدي ، أما زلت تخشى البرد َ ” تتحس وتلامسهُ كأنها ” يا  لعذابك  يا بني ! وأنت ترقدُ في قبر بارد ،كنتُ أحرص ُ على جسدكِ النحيل حين  يشتدُ  البرد  هنا وكأنها تحمل نعشاً على جسمها وهي تردد ” وحين جاءوا بجثمانك ظننتُ أنكَ   تعرضت َ لحروق  ٍ شديدة ، وأنت َتصارع ُ الموت ، لقد قلت ُ لك ياولدي ، وهي تضع التابوت ” ياولدي لا ترحل ، لستُ بحاجةٍ إلى مصيبة جديدة ” وهي تبكي بصوت مخنوق ” لم تكن تسمع توسلاتي ! وضعت الشمع َ في اذنيك ، وها أنت في نهاية المطاف قد خسرت َ شبابك ومستقبلك يا بني !حين َ تركت َ دراستكَ َ الجامعية ، وقررت الدفاع عن الوطن ، من يصدق أن هناك امرأة مثلي عليها كل هذه المصائب والفجائع ” موسيقى ، وما زالت تستنشق الهواء ، من يصدق كل هذا الأسى الذي باغتَ حياتي ” تتحرك بكل الإتجاهات ” ياإلهي أي ُ امتحان عسير وضعتهُ أمامي ياولدي ، ألم تمهلني حتى أسترد أنفاسي ، حتى تهبط فجيعة ٌ أخرى على رأسي ، أكادُ أشعرُ يابني أنك ترتعش من البرد الآن ، آه لو كان بمقدور أن أوقد َ كبدي حتى أهبُك َ الدفء ، أو أنزع صدري عن جسدي حتى تتوسده هناك في مثواك البارد ” موسيقى حزينة وهي تدور على خشبة المسرح وفي حالة ارتباك ،المشهد الثالث ” وهي تجلس مقرفصة في وسط المسرح وتظهر من خلال بقعة ضوء تدريجيا ً ” سأحاول ُ ” وهي تتمتم ” رؤية العالم بعيني إمراة وأم ٍ ، عاشت ألف سنة ، فأكتسبت مناعة ضد الصمت ، والموالاة ، والتواطؤ ، سأحتسي َ اللهب بكأس ٍ من جمر ، وأحاول ُ كتابة َ الحربِ كمثلِ من يعاني موته ألف مرة ، ويُعاد تكريسُه قرباناً لعذابات البلاد ! ولكن ! كيف سأحصي خسائرنا ، كم حرباً مرت على تضاريس ارواحِنا ، وشعاب قلوبنا ، كم إبنا ً إبتلعُته المتاهة ُ ، وكم عاشقاُ  تناهبتهُ الحرائق ، كم أماً إفترستها ورضعيتُها المفخخات ، وكم أباً أذلوه في المعتقلات وتجويعاً في مهانةِ الحصار ، كم ديكتاتوراً وكم قاتلاً مرغوا أيامنا بالدم والرماد ، كم من فتى تبدد في حروبهم اللعينة ،وكم من أرواح ٍ سلبتها وحشيةُ سادة ِ الإبادة ، وتُركت في التيه الرملي ، بلا أمل ٍ ولا ملاذ ؟ كم من أحلام ِ ، بنات عاشقات تهاوت على إيقاع مارشات الموت الزائد عن حاجة الحياة ، هل تُعلقُ الأمهاتُ أرواحَهن قرابينَ فداء على نصب الحرية ، ليتوقف سيلُ الدمِ في بلادنا  ! وهنا تتحرك بسرعة محاولة بذلك إستنهاض كل طاقتها وهي تتأوه ” في ذاكرتي مدينة ، بلا سور ، يلتقي بها كلُ فاضح ومستور ، أرواح في الظلام حزينة ” وهي تدور على خشبة المسرح ، ترافقها موسيقة حزينة ، وهي تصرخ بقوة

” ماذا علينا أن نفعل ، هل نصمت ونختمُ أفواهنا بشمع ، الانكار ، ونتباهى بحياتنا ، والجموع ُ تساقُ إلى حتفها ، كيف سأدون ُ أوجاعا ً تحجبني عن العقل ، وتطيحُ بالوعي في بئُر الجنون ، بعض الذين لم يشهدوا الحروب الثلاثة يحرضونني على استعادة ِ أوجاعي بتدوينها ناسين أنها ماثلة ٌ في رجفةِ الدم ، قياصرة القتل ِ وطغاة الزمن ، وبيع السبايا فقلتُ لنفسي ، لا ” وهي تدور بحركة مضطربة ” لا تدوني الحرب حتى تموت ، الحربُ فلستِ سوى إمرأة تكتب ، إمرأة سلبوا زمنها وبيئتها ، وأمنها ، فأقامت في برزخ التيه ، ماذا بوسع ِ إمرأة لا تجيدُ سوى خرق َ الكراهية بنيازك الحب أن تفعل ؟ كيف لي أن أدوٌن ملحمة َ إبادتنا في حروب القتلة وإرهاب الدول ، وهي تتنازع المصالح ، ها هي سلطةُ الموتِ لاتزال مقيمة على عرش البلاد الحزينة ، فالموتُ لم يقفل مزاداته بعد صرخات الضحايا تتضادى في عظامنا ! ماذا بوسع ِ إمرأة لا تجيدُ سوى خرق الكراهية بنيازك الحب أن تفعل ؟ تقف صامتة وكأنها تمثال ترافقها موسيقى ” أطفاء المسرح ” نهاية .