موسم متدهور لتجارة نبتة القات..(الذهب الأخضر) في اثيوبيا

أوداي‭ (‬إثيوبيا‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – “‬نلقّبه‭ ‬بالذهب‭ ‬الأخضر‭”… ‬بهذه‭ ‬العبارة‭ ‬يشير‭ ‬رمضان‭ ‬يوسف‭ ‬إلى‭ ‬نبتة‭ ‬القات‭ ‬وهو‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬متجره‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬أوداي‭ ‬الإثيوبية،‭ ‬وسط‭ ‬أهم‭ ‬سوق‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لهذه‭ ‬النبتة‭ ‬المخدّرة‭… ‬لكنّ‭ ‬مؤشرات‭ ‬سيئة‭ ‬تثير‭ ‬قلق‭ ‬التجار‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬بينها‭ ‬خصوصاً‭ ‬تراجع‭ ‬الإيرادات‭ ‬وزيادة‭ ‬الضرائب‭.‬

يؤكد‭ ‬بائع‭ ‬القات‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬على‭ ‬عينيه‭ ‬تأثير‭ ‬مضغ‭ ‬أوراق‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النبتة‭ “‬نستخدمها‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬للاستيقاظ‭. ‬وإذا‭ ‬مضغت‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬أوراقها‭ ‬فلن‭ ‬تمرض‭ ‬مطلقاً‭”.‬

وهذه‭ ‬النبتة‭ ‬التي‭ ‬تُعدّ‭ ‬مادة‭ ‬مخدرة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬ويشبه‭ ‬مكوّنها‭ ‬النشط‭ (‬الكاثينون‭) ‬الأمفيتامينات،‭ ‬تُستهلك‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي‭ ‬وشبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬كاليمن‭.‬

وهذا‭ ‬العام،‭ ‬تبدو‭ ‬الأجواء‭ ‬سلبية‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬أوداي‭ ‬وفي‭ ‬الحقول‭ ‬المحيطة،‭ ‬إذ‭ ‬يدرّ‭ ‬القات‭ ‬مبالغ‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭.‬

ويقول‭ ‬محمد‭ ‬إبرو،‭ ‬وهو‭ ‬تاجر‭ ‬يبلغ‭ ‬45‭ ‬عاماً،‭ ‬بتذمّر‭ “‬إنّ‭ ‬تجارة‭ ‬القات‭ ‬ليست‭ ‬جيدة‭ ‬راهناً،‭ ‬والأسعار‭ ‬منخفضة‭ ‬جداً‭” ‬لأن‭ ‬الموسم‭ ‬الجاف‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬في‭ ‬نيسان‭/‬ابريل‭ ‬شهد‭ ‬كميات‭ ‬استثنائية‭ ‬من‭ ‬الأمطار‭ ‬وباتت‭ ‬نبتة‭ ‬القات‭ ‬متوافرة‭ ‬بكثرة‭.‬

ويشتكي‭ ‬التجار‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬الضرائب‭ ‬على‭ ‬تجارة‭ ‬القات‭ ‬والتشديد‭ ‬الأخير‭ ‬لشروط‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الرخصة‭ ‬التجارية‭ ‬للمصدّرين‭.‬

وفي‭ ‬سلسلة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬محلات‭ ‬سقوفها‭ ‬من‭ ‬الصفائح‭ ‬المعدنية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬حوالى‭ ‬عشرة‭ ‬كيلومترات‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬هرار،‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬تسير‭ ‬التجارة‭ ‬بوتيرة‭ ‬سريعة‭. ‬إذ‭ ‬يحمل‭ ‬رجال‭ ‬كثيرون‭ ‬حزماً‭ ‬خضراء‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬أكتافهم،‭ ‬ويتدافعون‭ ‬في‭ ‬الممرات‭ ‬الضيقة‭.‬

ويوفّر‭ ‬المزارعون‭ ‬محصولهم‭ ‬للتجار‭ ‬الذين‭ ‬يفحصونه‭ ‬ويأخذون‭ ‬وزنه‭ ‬والتناقش‭ ‬بسعره‭.‬

ولا‭ ‬يُستخدم‭ ‬الميزان‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تُعتمد‭ ‬أسعار‭ ‬رسمية،‭ ‬بل‭ ‬تُحدد‭ ‬أسعار‭ ‬لكل‭ ‬عملية‭ ‬بيع‭ ‬بعد‭ ‬مناقشة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭.‬

تقول‭ ‬التاجرة‭ ‬الثلاثينية‭ ‬سعادا،‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬القات‭ ‬تزن‭ ‬كيلوغرامات‭ ‬عدة،‭ “‬إنّ‭ ‬يديّ‭ ‬هما‭ ‬ميزاني‭”‬،‭ ‬مضيفةً‭ ‬أن‭ ‬جذوع‭ ‬القات السميكة‭ ‬ذات‭ ‬اللون‭ ‬الوردي‭ ‬وكثافة‭ ‬أوراقها‭ ‬الخضراء‭ ‬يؤشران‭ ‬إلى‭ ‬جودتها‭ ‬العالية‭. ‬وتتأكد‭ ‬سعادا‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬إضافة‭ ‬أوراق‭ ‬غير‭ ‬سليمة‭ ‬إلى‭ ‬الباقة‭ ‬بشكل‭ ‬مخفيّ‭.‬

وتقول‭ ‬التاجرة‭ ‬إيفتو‭ ‬البالغة‭ ‬نحو‭ ‬50‭ ‬سنة‭ “‬نكسب‭ ‬المال،‭ ‬لكنّ‭ ‬هذه‭ ‬المبالغ‭ ‬بالكاد‭ ‬تكفينا‭ ‬لشراء‭ ‬الاطعمة‭”‬،‭ ‬بسبب‭ ‬التضخم‭ ‬المتسارع‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية‭.‬

ويُستهلك‭ ‬القات‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬إذ‭ ‬يمضغ‭ ‬الشخص‭ ‬الواحد‭ ‬نحو‭ ‬250‭ ‬غراماً‭ ‬يومياً‭. ‬ويباع‭ ‬القات‭ ‬داخل‭ ‬أكياس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زاوية‭ ‬من‭ ‬شوارع‭ ‬اوداي‭. ‬وتُعدّ‭ ‬هذه‭ ‬النبتة‭ ‬أحد‭ ‬منتجات‭ ‬التصدير‭ ‬الرئيسية‭ ‬لإثيوبيا،‭ ‬ويذهب‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬حزم‭ ‬السوق‭ ‬إلى‭ ‬واجالي،‭ ‬وهي‭ ‬مدينة‭ ‬حدودية‭ ‬تمتد‭ ‬بين‭ ‬إثيوبيا‭ ‬وأرض‭ ‬الصومال‭. ‬وبين‭ ‬عامي‭ ‬2019‭ ‬و2022،‭ ‬كانت‭ ‬النبتة‭ ‬تشكل‭ ‬نحو‭ ‬10‭%‬‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الصادرات‭ ‬الوطنية،‭ ‬بحسب‭ ‬أرقام‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭. ‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬موسم‭ ‬2022‭-‬2023‭ ‬فشكّلت‭ ‬6%‭ (‬217‭,‬17‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭).‬

‭ ‬أسعار‭ ‬منخفضة‭ ‬جداً‭ ‬

اشتهرت‭ ‬مدينة‭ ‬هرار‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬بقهوتها‭. ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الأربعة‭ ‬الفائتة،‭ ‬حلّ‭ ‬القات‭ ‬محل‭ ‬نبتة‭ ‬البن‭ ‬على‭ ‬سفوح‭ ‬التلال‭ ‬المحيطة‭ ‬بالمدينة‭.‬

وتضم‭ ‬منطقة‭ ‬هرار‭ ‬والمناطق‭ ‬المجاورة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬وغرب‭ ‬هرارغي‭ ‬نصف‭ ‬مساحة‭ ‬حقول‭ ‬القات‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا‭ ‬والبالغة‭ ‬281‭ ‬ألف‭ ‬هكتار‭.‬‮ ‬‭ ‬أقدم‭ ‬يوسف‭ ‬مومي‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬قطع‭ ‬أشجار‭ ‬المانغو‭ ‬واستبدل‭ ‬نباتات‭ ‬الفول‭ ‬السوداني‭ ‬والذرة‭ ‬الرفيعة‭ ‬والذرة‭ ‬والقهوة‭ ‬بالقات‭.‬

ويقول‭ ‬الرجل‭ ‬السبعيني‭ ‬وهو‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬حقله‭ ‬البالغة‭ ‬مساحته‭ ‬بضعة‭ ‬هكتارات‭ ‬إن‭ “‬القات‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬اهتمام‭ ‬أكبر‭”‬،‭ ‬وكميات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬الماء،‭ “‬لكننا‭ ‬نكسب‭ ‬منه‭ ‬مبالغ‭ ‬أكبر‭”‬،‭ ‬مضيفاً‭ “‬لكن‭ ‬راهناً‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التعب‭”.‬

عند‭ ‬مخرج‭ ‬أوداي،‭ ‬أصبحت‭ ‬الشجيرات‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬حواء‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬مترين،‭ ‬فالخمسينية‭ ‬تؤكد‭ ‬أنها‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬قطف‭ ‬أوراقها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭.‬

وتقول‭ ‬إن‭ ‬الأسعار‭ ‬منخفضة‭ ‬جدا،‭ ‬ولم‭ ‬تجد‭ ‬شحنتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬البالغة‭ ‬1‭,‬5‭ ‬كيلوغراما‭ ‬مشترين‭ ‬بين‭ ‬تجار‭ ‬السوق‭.‬

وتضيف‭ “‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬العام‭ ‬جيدا،‭ ‬نكسب‭ ‬150‭ ‬ألف‭ ‬بر‭ (‬نحو‭ ‬2600‭ ‬دولار‭)”‬،‭ ‬وهو‭ ‬مبلغ‭ ‬كبير‭ ‬مقارنة‭ ‬بالرواتب‭ ‬المنخفضة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا‭.‬

وتقول‭ ‬لكن‭ ‬منذ‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ “‬لم‭ ‬نبع‭ ‬سوى‭ ‬30‭ ‬كيلوغراماً‭” ‬بينما‭ ‬كنّا‭ ‬نبيع‭ ‬نحو‭ ‬200‭ ‬كيلوغرام‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الجيدة‭.‬

مشاركة