مهد الربيع العربي تتجنب سيناريوهات الفوضى

مهد الربيع العربي تتجنب سيناريوهات الفوضى
رفْض الفيلالي تولي رئاسة الحكومة التونسية يُطلق مشاورات مكثّفة لإيجاد البديل
تونس ــ أ ف ب ــ الزمان
رفض السياسي التونسي مصطفى الفيلالي تولي رئاسة الحكومة التونسية الجديدة، أمس، ما دفع الأطراف السياسية في البلاد الى إطلاق مروحة واسعة من المشاورات في مسعى للتوصّل الى اتفاق على بديل.
ورفض الفيلالي تولي رئاسة الحكومة التونسية الجديدة، بعد ساعات قليلة من تسريب معلومات حول توصّل الأحزاب السياسية المشاركة في الحوار الوطني، إلى توافق حول اسمه لتولي هذه المهمة ضمن إطار خارطة الطريق لإخراج البلاد من الأزمة الخانقة التي شارفت على دخول شهرها الثالث على التوالي.
وقال الفيلالي 92 عاماً في تصريحات إذاعية أنا أرض هذا المنصب لاعتبارات عديدة منها عامل السن والوضع الصحي ، وأضاف أنا لستُ مستعدا لكي أكون مُضْغَةً يقع لَوكَها لمقاصد غير شريفة .
ودعا في المقابل الأطرف السياسية الفاعلة المشاركة في الحوار الوطني إلى النظر في مُرشحين أصغر سناً مني، وبالتالي الأقدر على إدارة شؤون البلاد في المرحلة المُقبلة .
وكان مصطفى الفيلالي قد أعلن قبل ذلك في تصريح، قبوله لهذا المنصب، وأكد أنه على استعداد لتولي هذه المهمة رغم صعوبة الظرف السياسي .
ولا يُعرف لماذا تراجع الفيلالي بسرعة عن موقفه، فيما أشارت مصادر مُقرّبة من المنظمات الوطنية الراعية للحوار إلى أن هذا الرفض المفاجئ أعاد خلط الأوراق من جديد خاصة وأن المهلة التي حددتها لإنهاء الحوار الوطني شارفت على الإنتهاء.
وأشارت إلى أن جلسات حوارية ومشاورات مكثفة إنطلقت بعد ظهر اليوم في محاولة لإثناء الفيلالي عن موقفه، او إيجاد توافق جديد حول اسم آخر لتولي هذه المهمة خلفاً لعلي لعريض القيادي البارز في حركة النهضة.
ودفعت هذه التطورات الطارئة أحمد إبراهيم، الأمين العام لحزب المسار، إلى الدعوة لعقد جلسة طارئة للمنظمات الوطنية الراعية للحوار مع ممثلي الأحزاب لبحث هذه المسألة، باعتبار أن اعتذار الفيلالي عن رئاسة الحكومة القادمة يطرح إشكالية جديدة .
وكان حسين العباسي، الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل قد أعلن في ساعة متأخرة من ليلة الخميس الجمعة عن توصّل الأطراف السياسية المشاركة في الحوار إلى توافق حول إسم الشخصية التي ستوكل إليها مهمة رئاسة الحكومة التونسية المُقبلة.
ولم يفصح العباسي الذي كان يتحدث باسم المنظمات الراعية للحوار،أي الإتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة أرباب العمل، الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عن اسم هذه الشخصية، واكتفى بالقول إنه سيتم عرض هذا الاسم على جلسة عامة للحوار الوطني ستعقد اليوم الجمعة .
يُشار إلى أن الأحزاب السياسية المعنية بهذا الحوار فشلت خلال جلسات عديدة في التوصّل إلى توافق حول اسم الشخصية الوطنية لخلافة رئيس الحكومة المؤقتة الحالية الذي كان تعهّد كتابياً بالإستقالة تنفيذاً لما ورد في خارطة الطريق التي طرحتها المنظمات الراعية للحوار لإخراج البلاد من الأزمة التي تردت فيها منذ اغتيال النائب المعارض محمد براهمي في 25 تموز»يوليو الماضي. على صعيد اخر غم تحول الربيع العربي إلى فوضى في ليبيا، وقمع في مصر وحرب أهلية في سوريا، فإن تونس التي انطلقت منها شرارة الربيع تجنبت حتى الان هذه السيناريوهات، إلا أن الازمة السياسية الحادة في البلاد وانعدام الثقة بين الحكومة الاسلامية والمعارضة العلمانية وفوضى السلاح في ليبيا المجاورة، تشكل مجتمعة تهديدا مستمرا لتونس.
ولم تصادق حتى اليوم القوى السياسية التي أفرزتها انتخابات المجلس التاسيسي البرلمان التي أجريت في 23 تشرين الأول»أكتوبر 2011 على الدستور الجديد لتونس ولم تضع قانونا انتخابيا أو هيئة لتنظيم الانتخابات، بسبب تتالي الازمات السياسية في البلاد.
ويرى محللون ان عمليتي الاغتيال السياسي التي استهدفتا في 6 شباط»فبراير 2013 شكري بلعيد وفي 25 تموز»يوليو 2013 محمد البراهمي وهما اثنان من رموز المعارضة في تونس، والانقلاب العسكري في مصر على الرئيس الاسلامي المنتخب محمد مرسي، أجهضت آمال نجاح الربيع العربي.
ويقول شادي حميد مدير الابحاث في مركز بروكينغز الدوحة ان انقلاب الثالث من تموز»يوليو في مصر أكد نهاية الربيع العربي باعتبار أهمية مصر في المنطقة العربية.
وأضاف حميد لا أحد يستطيع القول ان مصر تتجه نحو الديموقراطية .. وما نراه اليوم في مصر هو القضاء على جماعة الاخوان المسلمين كقوة سياسية في البلاد.
وألقت الاحداث التي شهدتها مصر بظلالها على الحياة السياسية في تونس إذ تخشى حركة النهضة الاسلامية من تكرار السيناريو المصري في البلاد التي تعيش ازمة سياسية حادة مستمرة منذ اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 تموز»يوليو 2013.
ويقول سليم الخراط المدير التنفيذي لمنظمة البوصلة غير حكومية التي ترصد نشاط البرلمان التونسي، ان الاسلاميين التونسيين عاشوا الانقلاب العسكري في مصر وكأنه حصل في تونس وان الكثير من النواب في البرلمان يتحدثون عن تهديدات انقلابية رغم أنه ليس هناك دليل على ذلك .
وفي تشرين الثاني»نوفمبر الماضي ندد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي وهو حليف علماني لحركة النهضة الاسلامية الحاكمة بما أسماه مؤامرة للانقلاب على الحكم قال ان وراءها شبكات عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي و قوى عربية لم يحددها و قوى مافيوزية وسلفيين .
وقام المرزوقي في وقت سابق بتغيير رئيس الحرس الرئاسي والقيادات العليا في الجيش في إجراء قرأه مراقبون على انه محاولة لقطع الطريق أمام محاولات انقلابية محتملة.
وتواجه تونس مخاطر جماعات سلفية جهادية قتلت عناصر في الجيش والشرطة.
وحملت وزارة الداخلية هذه الجماعات مسؤولية اغتيال البراهمي وبلعيد.
وشددت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير بعنوان الحدود التونسية الجهاد والتهريب نشرته في 10 كانون الاول»ديسمبر الحالي على ضرورة أن يتلازم مسار البحث عن توافق سياسي لحل الازمة الحالية، مع البحث عن إجابات لحالة عدم الامن خاصة على الحدود مع ليبيا التي تشهد فوضى للسلاح واعمال عنف دامية قادتها ميليشيات خارجة عن سيطرة الدولة.
وقالت المجموعة في تقريرها إن تبعات الانتفاضة التونسية والحرب الليبية دفعت إلى إعادة تنظيم كارتيلات التهريب التجار على الحدود مع الجزائر والقبائل على الحدود مع ليبيا، مما يضعف سيطرة الدولة ويمهد الطريق لأنماط أكثر خطورة بكثير من التهريب .
وتابعت يضاف إلى هذا الخليط حقيقة أن الأنشطة الإجرامية والتطرف الإسلامي باتا يمتزجان في ضواحي المدن الكبرى وفي القرى النائية الفقيرة. وبمرور الوقت، فإن نشوء ما يُسمى العصابات الإسلاموية يمكن أن يسهم في ظهور مجموعات تجمع بين الجهاد والجريمة المنظمة داخل شبكات التهريب العاملة على الحدود، أو الأسوأ من ذلك، إلى التعاون بين الكارتيلات والجهاديين .
وحذرت المنظمة من العودة المنتظرة لمئات التونسيين الذين سافروا الى سوريا تحت مسمى الجهاد ضد قوات الرئيس بشار الاسد.
ونصحت في هذا السياق بـ تطوير برامج إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للمقاتلين التونسيين العائدين من الجبهة السورية .
اجتماعيا تشهد تونس ترديا لظروف المعيشة بسبب غلاء الاسعار وتدهور الاقتصاد، وارتفاعا لمعدلات البطالة التي كانت من الاسباب الرئيسية للاطاحة بنظام بن علي مطلع 2011.
وأعلن البنك الدولي في آخر تقرير له حول الافاق الاقتصادية في تونس خلال سنة 2014 ان هذه الافاق يشوبها عدم يقين وأنها مرتبطة شديد الارتباط بجملة من المخاطر المحلية وبحالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
بدوره حذر مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وآسيا الوسطى مسعود احمد في نوفمبر الماضي من ان نسب النمو الاقتصادي في تونس ضعيفة جدا ولا يمكنها تلبية تطلعات السكان الذين ينفذ صبرهم بشكل متزايد .
ورغم حالة عدم الثقة المتبادلة بين الحكومة والمعارضة وتبادلهما الاتهامات والشتائم في وسائل الاعلام، إلا ان الجانبين دخلا في مفاوضات برعاية المركزية النقابية القوية لايجاد مخرج للأزمة السياسية الحادة التي تتخبط فيها البلاد منذ اغتيال محمد البراهمي.
ومؤخرا حذر حسين العباسي الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل المركزية النقابية من فشل الحوار الوطني المفاوضات .
ونبه الى ان فشل الحوار سيجعل تونس مفتوحة على كل المخاطر إذ سيغادر المستثمرون البلاد و ستنتصب المافيا و سيكون العمال والفقراء والعاطلون والشعب التونسي أول المتضررين .
AZP02