
من يكتب عنك سواك؟ – هدير الجبوري
ما يربكني ويدهشني في آن واحد، هو ان هناك من يستعين بغيره ليكتب له، ليعبر عنه، ليقول ما يفترض انه صوته الداخلي، كأن الاحساس يمكن استعارته، أو أن التجربة الانسانية قابلة للنيابة.
كيف يمكن لانسان ان يسمح لآخر ان يكتب عنه، ان يصف ما لم يعشه، وان يتحدث بلسان قلب لم يعرف نبضه؟ كيف يستطيع ان يترجم وجعاً لم يذقه، او حنيناً لم يمر به…
الكتابة ليست عملية نقل مشاعر، بل هي انبثاق روح، وبوح ذاتي لا يعرف التقليد.
لا احد يمكنه ان يشعر بالنيابة عن أحد، او ان يصف الالم الذي لم يختبره بنفسه .. او ان يعيش الذكريات التي لم يمر بها. كل حرف صادق يولد من عمق الشعور، من تلك المنطقة الخفية بين الوجع والوعي، بين ما نعيشه وما نعجز عن قوله…
قد يتمكن البعض من تقليد الاسلوب او تكرار المفردات او محاكاة النغمة، لكنهم لا يستطيعون ان يمنحوا النص روحه لان الروح لا تستعار، والحزن لا يعاد تمثيله، والحنين لا يحكى الا كما يُحس.
حين يكتب الانسان، فإنه يضع شيئاً من روحه في كل كلمة، يسكب ذاكرته، ملامحه، وحتى صمته. لا يمكن لآخر ان يكتب بدلاً عنه، لان الكتابة ليست مهنة تؤدى، بل حياة تعاش. هي الطريقة التي نعرف بها انفسنا، ونفهم بها ما خفي منا.
ربما يمكن ان يكتب احد عنك، لكنه لن يكتبك لانك وحدك تعرف طريقك الى تلك المناطق المظلمة والمضيئة في داخلك، وحدك تعرف كيف تنحت الكلمات من وجعك وتصوغها على هيئة نجاة.
الذين يكتبون بصدق يدركون ان الكلمة حين تخرج من القلب، تحمل أثر صاحبها، ولا يمكن ان تنسب لغيره. فالكتابة ليست تقليداً بل اعتراف، وليست حرفة بل تجربة انسانية فريدة.
ان الذين يسمحون لغيرهم ان يكتبوا عنهم، كمن يطلبون من احد ان يحلم عنهم، او ان يحب مكانهم، او ان يعيش بدلاً منهم. وكل ذلك مستحيل فالمشاعر لا تفوض، والوجع لا يُنقل، والصدق لا يؤدى بالأنابة.
نكتب لاننا نحتاج ان نرى انفسنا في الكلمات، لا لاننا نبحث عن تصفيق الآخرين. نكتب لان الكتابة هي شكل من اشكال البقاء، لاننا نخاف ان تضيع ملامحنا في الزحام والخوف والوحدة.
لذلك لا احد يكتب عن احد، تماماً كما لا أحد يمكنه ان يشعر مكان احد.
فالكلمات لا تستعار، والكتابة لا تؤدى… من لا يكتب نفسه، يظل غريباً حتى عن صوته…



















