قيس الدباغ
لفظة البطل مترادفة يستعملها الناس حتى فقدت معناها وتجسيدها اللغوي والمعنوي ،وكانت قديما تطلق بتحديد ضيق جدا ،بحيث أنه لا يستحقها إلا نفر قليل ومقتصرة على الذكور فقط ،ولكن بتطور الزمن وتوسع المفاهيم وتغيير الدلالات المادية والمعنوية أصبحت لفظة البطولة تمنح بكرم شديد ،واذكر عندما كنا أطفال نجمع أغطية قناني المشروبات الغازية تلك الأغطية المعدنية ثم نحشرها بطريقة معينة على صدور جلابيبنا فخورين بها وبألوانها.
كنا نعتقد أننا أصبحنا أبطال لانقهر ويرافق ذلك نفخ الصدر واستقامة العمود الفقري مع وضع الذراعين بأسلوب المستعد للعراك وتمام جهوزيته ،ثم كبرنا وسقطت أغطية قناتي المشروبات من على صدورنا المنتفخة ،الذي أسقطها ثقل الهموم ورزايا الحياة واخرها معارك الموت الأسود في حرب الثمانينات ،برزت مفاهيم ودلالات جديدة لمفهوم البطولة ،لم تعد تعني البطولة نفخ الصدر وتعديل استقامة الظهر ،بل أضحت البطولة المطلقة أن تجنب وتدفع عن والديك وأهلك ومحبيك ظلم وتعدي المنظمات التي تتربص بالمتخلفين عن قوافل الموت الزؤام ،فبمجرد وصول المعلومات عن تخلفك بالالتحاق والتخلف مهما كانت الأسباب فسيتعرض أهلك إلى دوامة هائلة من المشاكل والضغوطات والمضايقات والمداهمات المستمرة في الليل والنهار.
واهون ذلك تفتيش منازل عائلات المتخلفين ،واذا تمكنوا من القبض عليك هاربا فسيتم اعدامك رميا بالرصاص ويطالبون أهلك بثمن الرصاصات التي اغتالوك بها ،اي ذل وانتقام تتعرض له العائلات وأي هوان ما بعده هوان ،لذلك يركض الجنود المساكين في ساحات حافلات نقل الركاب للألتحاق بمحطات الموت ،بل وغالبيتهم تركوا أطفال يحتاجون للرعاية الصحية والذهاب بهم إلى المشافي ،والبطولة المطلقة للأم التي تودع فلذات كبدها وترمي خلفه الماء عسى أن يعود سالما ،والبطولة للزوجة التي تحتضن أطفالها وشبح أن يعود زوجها محمولا على نعش مغلف بالعلم العراقي ،وليست البطولة للجنرالات القابعين في ملاجئ محكمة تحكيما هائلا ،ويقودون المعارك هاتفيا.
البطولة هي ان تجنب شعبك مآسي الحروب ،البطولة هي أن توفر مليون شاب للعمل والتنمية ،البطولة أن تنقذ مليون شاب من عوق الحروب المدمر ،كل مآسي العراق الحالية هي ثمار مرة وعفنة نتيجه سلاسل تلك الحروب المزمنة والخاسرة ،وتذكرون جيدا مادار في لقاءات المباحثات بين العراق واميركا عندما قال وزير خارجيه أميركا سوف نعيد العراق للعصر الحجري ،وصدق الرجل وخسرنا كل شيء ، كانت البطولة هي تخليص العراق من هذه الهوة العميقة ،تلك هي البطولة الحقة وماعداها تخرصات وأغطية قناني مشروبات فارغة.