من مكارم الأدب الكوردي

من مكارم الأدب الكوردي

لطيف دلو

القصص والروايات لعبت دورا بارزا في الكتب المقدسة لاخذ العبر منها وكانت قبل ظهور اجهزة الراديو والتلفزيون تؤدي دورا ثقافيا في المجتمعات ولها حكاواتيين او روائين بارزين ومشهورين يحفظون المئات من القصص والروايات الموروثة منذ اقدم الازمنة ، ويتصدرون المجالس في الدواوين وفي اوساط العوائل يتجمعون حولهم المستمعين على شكل دوائر، خاصة في ليالي الشتاء الباردة الطويلة ومن الدهشة والاستغراب من تلك القصص والروايات منها عن احداث سابقة ومنها تمثل الواقع الذي نعيشه اليوم ولربما منها لأخذ العبر منها لاحقا ومنها قصة ( نةرة ديو ) الجن الشبح من الادب الكردي تدور احداثها:-

سابقا كان الاستقرار معدوم  لقبائل الرحل من مربي المواشي بحثا عن المراتع لمواشيهم وينتقلون من منطقة الى اخرى وعلى الاكثر في فصلي الصيف والشتاء ولا تزال هذه الحالة موجودة في كوردستان والقصة كانت عن قبيلة انقطعت بهم السبل لتامين العشب لمواشيهم بسبب الجفاف والتجأوا الى رئيسهم ش?خ معمر  واستشاروه عن حل لمعضلتهم فأختار لهم الرحيل نحو الشمال لان في منتصف الليل كان يشعر بنسيم بارد يأتيهم من تلك الجهة ، فشدوا الرحال اليها وكلما اقتربوا شعروا ببرودة الجو أكثر إلى ان وصلوا الى منطقة ممطرة فيها مرتع واسع لمواش?هم وخربة نزلوا فيها ( لعلها العراق ) وبجوارها غابة كثيفة  ولكن الخوف كان يراودهم بأن الغابة مسكونة من الجن وتثار مخاوفهم كلما يشتد الظلام ليلا ويظنون بأن مقرهم تحت اطول شجرة فيها ويراسهم الشبح الاسطوري ( نةرة ديو ) الجن الشبح واوصلوا الخبر الى رئيسهم وهو الذي اوصلهم الى تلك المنطقة التي انعم الله عليها بكل متطبات العيش السعيد  فجمع الرئيس كافة افراد القبيلة في خيمته وقال لهم بان هذه الاحداث التي تزعمونها ليست لها أي صحة فردوا عليه بأنها صحيحة وان هذه الخربة التي تركوها اهلها كان بسبب الاشباح وعجز عن اقناعهم وعرض عليهم فكرة لاثبات بطلان ادعاءاتهم واستبيان اشجع المرأ بينهم بأن أي واحد منهم يستطيع ان يدق هذا الاسفين في يدي بقرب الشجرة العالية في الغابة سازوجه بنتي واتنازل عن رئاسة القبيلة له قاصدا انقاذهم من هذه الهلوسة ، ساد الصمت والهدوء الخيمة لفترة معينة وقام بينهم شاب فقير الحال وتوجه الى الرئيس واستلم الاسفين منه واوعده بان ?دق الاسف?ن ?ما اراد ويعود اليهم قبل انحلال الظلام وغادر الخيمة الى الغابة وعاد اليهم قبل موعده بملابسه الممزقة وملطخة بالطين يرجف ولا يتفوه بكلمة فأسترعبوا الجميع منه واشتد عليهم الخوف ، فدعاهم الرئيس الانتظار الى طلوع الشمس ليستصحبهم الى تلك الشجرة لمعرفة مجريات اصابة الشاب بالهلع والجزع ، وعند طلوع الشمس قادهم الرئ?س الى عمق الغابة  والشجرة العالية فيها وعندها تحقق لهم بان الشاب قد دق الاسفين على ملابسه من شدة الظلام والاستعجال بالرجوع لنيل الجائزة وباستدارته للرجوع لم يتمكن السير وظن بان الشبح امسكه من الخلف فثارت جنونه وحاول الخلاص منه بقوة الى ان مزق ملابسه وبقي قسم منه مع الاسفين ، وهنا اشاد الشيخ بشجاعة الشاب وإن الغابة لايوجد فيها الجن ولا الشبح المزعوم وإن الصدفة تلعب ادوارا لا يتوقعها احد احيانا وطمانهم بالامن والإستقرار وعادوا الى الخيمة وهنؤا الشاب على شجاعته واعيدت لة الصحة والحيوية وفاز بالجائزة .

فلم مصري

هذه القصة سمعتها من حكاواتي في ليالي شتاء منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم واعادها الى ذاكرتي فلم مصري في السبعينيات بإستغراب وحيرة كيف توافقت معا نهايتي القصة الكوردية  والفلم المصري على بعدي المسافة والمدة وان اختلفت مجريات احداثهما في شجاعة الشاب واستعجاله للفوز بالجائزة في دق الاسفين على ملابسه وتخلصه منه بتمزق ملابسه واصابته بالهلع والجزع وعودته الى جموع قبيلته .

اما اليوم استعادتها الى ذاكرتي نهاية الشبح الدموي للنظام البائد وكيف دقينا الاسافين بتثبيت النظام الحالي بايدينا كما فعله الشاب بإستعجال للفوز بحياة حرة كريمة وعيش رغيد ولا زلنا مرهونين بالاسافين واصابنا الهلع والجزع ولا خلاص منها إلاّ باسترجاع الوعي دون التمزق قبل فقدان الوعي وإلاّ عدنا الى سابق العهد من الانقلابات وتخوين الخلف للسلف كلما تغيرت الانظمة السابقة وتنهش المستعمرون من القاص والداني ما أنعم الله على البلاد واهلها حسرة عليهم لقمة العيش .إلاّ الغاوين وراء الثراء على حساب تجويع الشعب .

مشاركة