الذاكرة الصحفية 5
من مزمار الوزيرية إلى مياسة الإذاعة والتلفزيون
سعدي السبع
في نهاية صيف عام 1974 قصدت جريدة المزمار بعد ان عرفت مكانها في منطقة الوزيرية والمثبت في الصفحة الاخيرة من الجريدة التي كنت احرص على قراءتها اسبوعيا وكذلك مجلة مجلتي متابعا لما ينشر فيها وشغوفا بالقصائد وسيناريوهات القصص التي كان ينشرها ادباء وكتاب من المهتمين بادب وثقافة الاطفال الى جانب انجازاتهم الابداعية الاخرى في كتابة الشعر والقصة والرواية والمسرح ومنهم شفيق المهدي وشريف الرأس وصلاح محمد علي وعبد الستار ناصر وعبد الرزاق المطلبي وعبد الاله رؤوف وجعفر صادق محمد وسعيد جبار فرحان وعبد الرزاق عبد الواحد وجواد عبد الحسين وعزي الوهاب وجمال جمعة وخيون دواي الفهد وغازي الفهد وكريم العراقي وغيرهم ولا انسى رسامي الجريدة فيصل لعيبي وصلاح جياد وعبد الرحيم ياسر وطالب مكي وصبيح كلش
الوزيرية
من منطقة باب المعظم قطعت الطريق سيرا على الاقدام بأتجاه الوزيرية حيث ما ان بلغتها حتى سألت رجلا عن مكان جريدة المزمار فارشدني الى الطريق المؤدي اليها وقد كان جميلا ونظيفا تزينه الاشجار الممتدة الى جانبيه ولفت نظري ساعتها سعة ومعمار وهندسة البيوت التي مررت بها وتراءت لي بيوت وازقة وشوارع المنطقة التي قدمت منها ورحت اقارن بين الوزيرية ومناطق اخرى مكتظة في بغداد بعد ان جئت من دور العمال الى حي سكنه الوزراء لادرك الفوارق الطبقية بين الشعب ولكن بعد سنوات وفي العام 1977عدت الى الوزيرية حيث درست في معهد الوثائقيين العرب الذي كانت تقع بنايته بالقرب من مبنى جريدة المزمار التي قصدتها سابقا ومن يومها احببت منطقة الوزيرية ولي فيها وفي شوارعها وحدائقها ذكريات جميلة ولسنوات بعدها لم يكد يمر مساء يوم الا واكون في الوزيرية
في نهاية الشارع كان يقع مبنى جريدة المزمار وهو مقر الجمعية العراقية للتصوير حاليا وحين دخلته سألني موظف الاستعلامات عن غايتي فاخبرته اريد النشر في الجريدة عارضا عليه كتاباتي فقال لي اذهب الى سكرتير التحرير استاذ سامي الزبيدي وتمكنتني رهبة وشعرت بالخوف وانا اقف امام غرفته حيث بوابة النشر الاولى التى شئت ان اضع قدمي على عتبتها وقفت انتطر ان يراني سكرتير التحرير ويأذن لي بالدخول فقد كان الرجل مشغولا بقراءة اوراق امامه او بالهاتف وحال ان ابصرني قال لي تفضل عمو مرحبا بك كلماته شجعتني وخلصتني من حالة القلق التي انتابتني منذ دخولي الجريدة سلمته الاوراق التي سطرت فيها كتاباتي فقال استريح وراح يقرأ ماكتبت من نصوص وقصائد ثم بعد برهة توقف عن القراءة ليستل سيكارة من علبة سكاير نوع اريدو كانت على مكتبه ثم عاد يتفحص اوراقي وبعد ان فرغ منها نظر الي وقال جيد لديك موهبة اترك اوراقك عندي وسينشر الصالح مما كتبت فنهضت شاكرا له اهتمامه ورعايته وغادرت الجريدة فرحا منتشياً وبعد مدة قصيرة من متابعتي صدور الجريدة وجدت اسمي الى جانب نصي (شموخ وتحد ) مع تخطيط فني يتصدر ملحق المزمار والذي مازلت احتفظ بنسخة منه برغم مرور قرابة اربعين عاما على صدوره وقد نشر في ذات العدد كل من اسماعيل عيسى بكر قصة الصياد واعد جعفر صادق محمد موضوعا عن الخط والزخرفة والتصوير فيمانشر محمود السعدي في الرياضة موضوعا عن كرة السلة ونشر رعد شاكر السامرائي قصيدة بعنوان (عائد ) وفي زاوية حرة كتب جليل صبيح الضمداوي وفي باب وصلتني رسالتك من صفحة نادي الاصدقاء نشر رد الى محمد رجب السامرائي وهو سهو واعتذار عن خطأ في نشر صورته.
وبعد ان دارت السنوات دورتها ظلت خلالها صورة سكرتير التحرير الذي فتح لي باب النشر لاول مرة ماثلة امامي شاءت الظروف بعد خمسة عشر عاما ان التقي سامي الزبيدي في جريدة الجمهورية حيث كان يعمل والتحقت انا للعمل محررا فيها لنصبح زملاء في قسم واحد وللانصاف اني تعلمت صحفيا من زميلي وصديقي ابي علي سامي الزبيدي وبعد ان اطلق فينا رئيس تحرير جريدة الجمهورية حينها الاستاذ سعد البزاز جذوة الكتابة الجريئة والابداع الصحفي وتلمست ذلك منذ بداية عملي فيها والنشر فيها عام 1991 في صفحة استطلاعات التي كان يشرف عليها مرشد الزبيدي مدير التحرير الى جانب وجود عبد المطلب محمود مديرا للتحرير ايضا.
مجلة الاذاعة والتلفزيون
في العام 1974 بدأت اراسل مجلة الاذاعة والتلفزيون حيث كنت ابعث برسائلي من مكاتب بريد بغداد الى عنوان المجلة المثبت على غلافها الداخلي مضمنا اياها كتاباتي ومحاولاتي الادبية الاولى مختارا مجال النشر للاقلام الشابة وصفحة مياسة التي كنت احسبها امرأة فاختار كلماتي بعناية ورقة تصل حد الغزل ولا سيما انا لم ازل شابا في مقتبل العمر واكتب الشعر ولكن بعد سنوات طويلة اكتشفت ان مياسة لم تكن امراءة بل رجلا يعد الصفحة وقد زاملته العمل بعد قرابة ثلاثين عاما العمل كمحررين في جريدة واحدة وبعد ان اخذت المواد التي ارسلها تاخذ طريقها للنشر وتظهر على صفحات المجلة تولدت لدي رغبة بزيارة مقرها ولا سيما انا اشعر بفرح وزهو النشر ولا سيما كلما صادف شخصا قد قرأ مانشرت ولكثرة متابعتي للمجلة وما ينشر فيها فقد عرفت وحفظت اسماء محرريها بدءا من رئيس تحريرها حينها زهير الدجيلي مرورا بالمحررين رياض شابا وحسين حسن وزيد الكمالي وسهيل سامي نادر ومريم السناطي وحسين الحسيني وكاظم جهاد وغيرهم.
من منطقة الباب الشرقي صعدت في سيارة الاجرة الفورت تاونس والمودية بركابها الى منطقة علاوي الحلة وبعد عبور جسر الجمهورية لتاخذ سيرها في شارع كرادة مريم ثم شارع الاذاعة فساحة جمال عبد الناصر بالصالحية قبل ان تستدير باتجاه المتحف العراقي ثم منطقة العلاوي ذلك في وقت لم يكن وجود لا لجسر السنك ولا بناية المحافظة الحالية ولا فندق المنصور حيث لم يكن في منطقتي كرادة مريم والصالحية غير البيوت القديمة ومحال ومقاه ومطاعم ومكاتب السفر وصالتان للعرض السينمائي ودوائر حكومية
في منتصف الشارع نزلت من سيارة الفورت ورحت اسأل عن مقر المجلة حتى ارشدني شخص اليها فسلكت شارعا فرعيا تحاذيه بيوت ذات طراز بغدادي وحين وصلت الى مبنى المجلة الذي كان يقع في مكان قبالة نقابة الصحفيين حاليا سألني موظف الاستعلامات عن ما اريده فأجبته مقابلة مياسة ابتسم الرجل وقال لي استرح ثم رأيته يتصل هاتفيا ورمقني بنظرة لم اشخص مغزاها في حينها كما لم اعرف سر ابتسامته وبعد مدة الانتظار نزل رجل قصير القامة حليق الشارب اشار له موظف الاستعلامات نحوي فسلم علي الرجل بود قائلا. انا زيد الكمالي عذراً مياسة غير موجودة ثم اعطاني مجموعة من اعداد المجلة فودعته شاكرا غير اني ما خرجت من المجلة حتى شعرت بالحزن كوني لم التق مياسة الا اني وبعد سنوات طويلة عرفت السبب وسر ابتسامة موظف الاستعلامات حيث لم تكن مياسة امرأة بل رجل هو الصحفي سهيل سامي نادر.