من مذكرات الاستاذ الدكتور عبد الهادي الخليلي (4)
قصة إختطافي ورحلتي في الطب والحياة
البيت وأهله
كما ذكرت آنفا أن البيت كان بيتا اعتياديا بسيطا لا تتعدى مساحته المئة والخمسين متر مربع. يتكون من طبقة واحدة فيه على الأقل ثلاث غرف وساحة تطل عليها تلك الغرف ومرافق صحية مع ما يسمى الحمام وهناك درج يوصل إلى سطح المنزل. لم يوجد جرس في الباب الخارجية فكان القادم يطرق بيده على الباب الحديدية بدل الجرس.
مرافق صحية
كان عليّ أن أطلب المساعدة مثل الذهاب إلى الحمام بأن أطرق على الباب من الداخل وأنتظر الاستجابة حين تفتح الباب ولكني كنت أحاول جهدي أن لا أقوم بذلك وأنتظر مجيء أحدهم إلى الغرفة لأطلب منه ذلك وحينها يرافقني أحد الحراس. كان الذهاب إلى المرافق يصحبه إجراء تحوطي حيث يؤمن غلق أبواب الغرف الأخرى وألا يوجد أي من أفراد العائلة في ساحة البيت ويتحول صخب البيت والصراخ إلى هدوء تام. أبلغوني بأنه لا يحق لي طرق الباب لأي سبب كان بعد الساعة الثانية عشرة مساء وحتّى الثامنة صباحا.
يقع الحمام في الجانب الآخر من البيت. تبلغ مساحة الحمام بحدود 2.5 متر في 2.5 متر. وعلى جانب منه دكة مربعة بمساحة المتر المربع وبارتفاع بحدود الخمسة عشر سنتمترا عن أرض الحمام وفي وسطها فتحة التواليت الشرقي بعيدة عن الحائط التي ثبت اتجاهها بالعكس أي أن اتجاه الجالس يكون نحو الحائط وليس نحو فضاء الحمام!! وقد جهز التواليت بصنبور وإبريق. كان الدش عاطلا عن العمل وتوقف الماء من الجريان فيه وعليه فالطريقة الوحيدة هي (السطل والدولكة). كانت باب الحمام المعدنية تصدر حين غلقها صوت قرقعة ذا صدى قوي لرداءة نوعها. كنت إذا ما خرجت لقضاء الحاجة أحني رأسي إلى الأرض كي يتأكد الحارس أن ليس بذهني محاولة معرفة ما في داخل البيت. توفرت لدي فرصة أن استحم لمرتين في الحمام باستخدام السطل والدولكة وذلك خلال النهار وتحت الرقابة حيث كان “الحارس” واقفاً خلف الباب وكان قد وفر لي منشفة كبيرة كذلك.
مخطط تقريبي للبيت الذي اختطفت فيه تسكن في البيت امرأة وثلاثة أطفال. البنت الكبرى في الصف الثاني الابتدائي والطفل الآخر أصغر والثالث صغيرا يحبو. عرفت عن الطفلة الطالبة بعد أن طلبت من الشخص “الطيب” ورقة وقلما ألهو بهما عند الرغبة في كتابة أي شيء. استجاب لطلبي وأنا مستغرب وجلب دفتر مدرسي مستعمل يعود للطفلة. استدرك قبيل تسليمي الدفتر فمزق الورقة الأولى التي فيها اسم المدرسة. ما أثار فضولي وامتعاضي هو أي مستقبل ينتظر هذه الطفلة وهي تعيش في مثل هذه البيئة وما هي القيم التي ستحملها وبأي شخص من محيطها ستقتدي؟ كان في البيت تلفزيون وكان يبث طول الوقت وعلى محطة محلية إذ لم يوجد في البيت محطات عبر الساتلايت.
لم أكن متأكداً من علاقة الرجال بالسيدة في البيت، وبحكم وجود شخصين من أفراد العصابة يتجولون في البيت خمنت بأن أحدهما كان زوجها والآخر ربما يكون أخاها. كانت لهجتهم لا توحي بسهولة التعرف على المنطقة الأصلية التي ينتمون إليها. كان أحدهم يدعي بأنه شيعي من البصرة ولديه ولد واحد اسمه علي، وكنت أشك بقصته تلك. كان أنيق الملبس يتحدث بهدوء ويحاول أن يبين بأنه طيب القلب وأنه جاء الان من خارج العراق حيث كان يعيش لخمس سنوات وأنه سوف يعود إلى الخارج كما يبدو بعد أن يكمل الصفقة معي. وشكا لي بأنه يعاني من مشاكل نفسيه لعلي أتمكن من مساعدته في ذلك. كانت مشكلته جنسية وهي أنه حينما يتقرب في الفراش لزوجته يخيل إليه انه يجامع امرأة أخرى وهذه تتكرر في كل عملية جماع.
اخذ العبرة
اقترحت عليه أن يراجع طبيبا نفسيا من أصدقائي ليساعده في حل هذه المشكلة ولكنه لم يعط ذلك الاقتراح اهتماما ولعل ذلك خوفا من السؤال والجواب أو أنه ربما اختلق تلك القصة لهدف في نفسه. كان هذا الفرد يلعب دور البريء المتورط بالرغم من إرادته والذي لم يقنعني بالطبع. وذكر مثلا صدام حسين وملياراته التي لم تغن عنه شيئا وعاش في حفرة آخر حياته وأننا يجب أن نأخذ العبرة من ذلك!! ثم صرح بأنه سوف يغادر العراق حال استلامه مبلغ 2000 دولار من مجموعته. ولقد ساعدني بموافقته على أن يقوم بمكالمة الدكتور فالح الجدة كي يتواصل مع زوجتي ويساعدها فيما تحتاجه، والمكالمة الثانية أن يتصل بزوجتي ويبلغها برسالة تحذيرية بأن يتحاشوا ما حصل للدكتور جواد الشكرجي لدى اختطافه. وكان ذلك إشارة مبطنة بأن لا يعملوا بما عملته زوجة الدكتور جواد حينما أصرت على المختطفين أن يقللوا من مبلغ الفدية والنتيجة كانت عذاب إضافي وتأخير في إطلاق سراحه. كانت زوجتي على علم تام بما حدث لجواد وما تحملت زوجته من ملامة بسبب تصرفها.
بعد أن عدت إلى الغرفة كان رئيس العصابة مستمرا بالحديث مع زوجتي وبعد ذلك جاء إلى غرفتي مزمجرا قائلا إني الان أريد مئة ألف دولار لا غيرها. وعلمت أن سبب هذا التعنت هو النقاش الذي حصل مع أحد أقاربي الذي كان مع زوجتي يساعدها في تحمل الصدمة والمحاورة مع المختطفين.
الجيران:
كنت استرق السمع يوما إلى سيدة البيت وهي تتحدث مع نساء الجيران عند باب البيت. كان يبدو لي بأن البيوت متقاربة جدا بحيث يسهل ذلك. كنت أسمع أصوات الأطفال بالقرب من باب البيت. تنادي إحدى الجارات يا محمّد إلى أية خياطة تقترح أن آخذ القماش الذي اشتريته أمس لعمل ثوب لي؟
وكان الحديث بين السيدات حديثا نمطيا لمثلهن يدور بخصوص الطبخ وشؤون البيت. كنت أسمع صوت إطلاقات نارية قريبة من البيت ولم أعلم ما هو مصدرها وكنت اتساءل هل يعرف هؤلاء والجيران ماذا يجري في هذا البيت. كنت متأكدا بان العديد من الجيران قد سمعوا حديثي على الهاتف وأنا على سطح المنزل، كما سأبين ذلك لاحقا، وأتكلم بصوت عال ولكن افراد العصابة لم يعيروا لذلك أي اهتمام. ولماذا لم يخبر الجيران السلطات الأمنية؟ هل الجيران على دراية بالذي يجري أم انهم أعضاء في تلك الجريمة وأمثالها؟