اضحك للدنيا
لؤي زهرة
منذ عدة أيام لم أذهب الى صديقي أبي عباس ولعل السبب يكمن بأنه لا جديد بحياتنا يستحق الكتابة عنه فالحياة تحولت الى روتين تسير على ايقاع ثابت , لكني اليوم حزمت أمري وعزمت على الذهاب اليه وبعد التوكل على الله التقيتهُ فسألته عن حاله واخباره فأجابني بأحباط شديد : لا جديد , وها أنا لازلتُ أبحث عن عمل فلقد فكرت وفكرت وطرأت ببالي افكار كثيرة وخلصت الى مهنة سأمتهنها بعون الله تعالى ، مهنة لا تقبل الخسارة ولا تحتاج الى رأس المال ولا الى أي شيء ولا حتى معرفة .
فقلت له : بالتوفيق صديقي ابو عباس تستاهل كل الخير وما هي هذه المهنة ؟!
قال لي : سالبس عمامة ! ، سأصبح شيخا ! فهذه المهنة لا تحتاج الى رأس المال ولا الى عناء كثير كل ما تحتاجه هو معلومات بسيطة نتداولها كلنا منذ الف واربعمائة عام ونحن نعيد ونصقل بها هي نفسها لم تتغير .
بالنسبة لي رفضت الفكرة من أساسها وقلت له : صديقي أبو عباس هل ما تقوله حقاً ام انك تمزح معي فهذه مسؤولية كبيرة ، ومن قال لك أنها لا نحتاج الى شيء بل هي تحتاج الى مثابرة وقدرة على استنباط اﻷحكام ومعرفة خبايا المسائل , فهز رأسه وقال لي بتهكم واضح : على اساس علم الذرة ؟! هي نفس المعلومات والمسائل نُعيد و نصقل فيها , والحق اقول لك منذُ عدة ايام وانا اتواجد عند شيخ من اقربائي , قد لا تصدق ما ساقوله لك ! فهذا الذي كان بالأمس القريب فقير الحال انقلبت به الدنيا الى احسن حال , وكأن ابواب انفتحت له من واسع رزقها وامطرت عليه السماء ذهبا وصار يملك ما لم يملكه قارون في زمانه , رأيته بأم عيني التي سيأكلها الدود في القبر وهو يحملُ معه شدات من الدولارات تمنيت لو اعطاني منها ورقة واحدة اسد بها رمقي لكنه لم يفعل مع علمه بأني عاطل عن العمل , هل تعلم يا صديقي لقد تبدلت احوال قريبي منذ ان وضع العمامة على رأسه فصار يركبُ سيارة اخر موديل و اشترى بيت دبل فاليوم كله من المرمر و اصبح ذا ثروة وجاه يحترمه ويقدره الجميع حتى السيطرات الداخلية والخارجية تعمل له الف حساب وتأخذ له الف تحية واذا سار بالناس كان في المقدمة واذا جلس في مجلس تقدم القوم لهيبته , فهل هناك افضل منه منزلة عند الناس واذا مات فهو مقرب من الله سيدخل الجنة بغير حساب .
طبعا أستغربتُ هذا الكلام الذي بدر من صديق عمري أبو عباس فقلت لهُ : ﺧﻮﻳﺔ ﺗﺮﻩ ﻫﻮﺍﻱ ﺃﻛﻮ ﺷﻐﻼﺕ ﻣﺮﺑﺤﺔ ﻭﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎﺝ رأس مال او الى علم !.
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ : أي مهنة تحتاج رأس مال الا ارتداء العمامة ؟ !!!
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ : لا هناك مهن لا تحتاج الى رأس مال , مثلا تبيع طرشي فالطرشي لا يحتاج الى رأس مال كبير ولا تعب فكل ما عليك فعله هو ان تشتري كم كيلو خيار وشلغم وقرنابيط ولهانة بفلس ونص وتضعها في ماء وملح وبعد مدة تضعه في خل فيصبح طرشي و تستطيع ان تضع معه شوندر فيصبح عندك طرشي احمر يخبل رائحتهُ ترد الروح تبيع الكيلو بسعر اربعة الاف دينار حلالا بلالا ! ولا تحمل نفسك ما لا طاقة لك به فانها مسؤولية كبيرة امام الله والمجتمع !؟. ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺎﺱ ﺍﻻ ﺃﻥ ﺍﻧﺘﻔﺾ ﺑﻮﺟﻬﻲ ﺛﺎﺋﺮاً : ماذا جرى لعقلك صديقي كنت اظنك عاقلاً واذا تبين لي بأنك لا تفهم من الحياة شيئا ! اقول لك ساصبح شيخ اضع عمامة على رأسي وتقول لي بيع طرشي ؟! . ﻭﻓﺠﺎﺓ ﺩﺧﻠﺖ ﺃﻡ ﻋﺒﺎﺱ وكانت تتصنت على كلامنا فقالت : ﺃﺑﻮ ﺭﻗﻴﻢ ﻫﺎﻱ ﻋﻮﺩ ﺃﻧﺖ ﻋﺎﻗﻞ ؟! كان من المفترض ان تشجع صديقك على حسن اختياره وتقف معه وتبارك له هذه الخطوة الحميدة واذا بك تريد ان تثنيه عن عزمه وتريد ان تجعل منه بائع طرشي فاشل بلا زحمة ابو رقيم ارجوك اقطع علاقتك بينا وتفضل من غير مطرود .