من عطر الماضي

من عطر الماضي

يمر الانسان في مواقف تبقى في الذاكرة مهما مر عليها  الزمن من تلك المواقف ما مر علي في عام 60 من القرن الماضي عندما كان لي صديق من عائلة الشواف الكريمة والذي فرقتنا ظروف العراق ولم يعد يعرف احدنا عن الاخر شيء لانقطاع التواصل بيننا حيث اصطحبني معه الى وزارة التجارة وكان المغفور له عبد اللطيف الشواف وزيرا لها وكان لي شأن يتطلب مساعدته كنا في مقتبل الشباب جلسنا في غرفة السكرتير والذي اخبره بوجودنا وعند تفرغه من مقابلة الذين سبقونا اليه طلب من السكرتير دخولنا دخلنا يسبقنا صديقي حسب العرف الاجتماعي واذا بالرجل ينهض من وراء مكتبه ويتقدم الينا ببساطة متناهية وتواضع ليس له نظير وهو يرحب بنا ويجلس على الاريكية مقابلنا ويتحدث معنا وكاننا متماثليين له لله درك يا ثرى كم تضم في ثنايك من اجساد تبقى عطرة مادام الوجود وعند الانتهاء من المقابلة سار معنا الى الباب مودعا لم يجعله العمر او المنصب او علمه يترفع علينا او يتبع الاتكيت المفترض كونه في منصب كبير في الدولة , المرحوم عبد اللطيف علي طه عبد الرزاق من مواليد 1926 دخل كلية الحقوق بعد ان انهى دراسته الاعداية وتخرج منها وتدرج في السلم الوظيفي عين قاضيا في محكمة جنح البصرة عام 1947 نقل بعدها الى بغداد ليتولى القسم القانوني في مديرية المستوردة العامة انصرف بعدها الى المحاماة وكتب الكثير من الدراسات حتى قيام ثورة تموز 1958 الخالدة حيث شغل منصب محافظ البنك المركزي لفترة محدودة وحمل الدينار العراقي توقيعه في تلك الفترة عين وزيرا للتجارة في 13-5-1960 بعد المحاولة الفاشلة لابن عمه عبد الوهاب الشواف في الموصل القيام بانقلاب ضد الثورة كما عين المرحوم محمد عبد الملك الشواف وزيرا للصحة وحينها قال الراحل عبد الكريم قاسم ذهب شواف واتينا بشوافان ويقصد الراحلين وزير الصحة ووزير التجارة وهما من عائلة ضمت جمهرة من العلماء والادباء والفقهاء والسياسيين , عرف بتواضعه وتسامحه وذو شخصية اجتماعية وسياسية مرموقة كان خبيرا واسع المعرفة في الجوانب القانونية النفطية كما كان موسوعة في التراث والادب والقانون ومن الشخصيات السياسية الوطنية التقدمية المستقلة غادر العراق الى القاهرة في عام 1969 بعد اعدام عديله المرحوم زكي عبد الوهاب وبقى هناك لحين وفاته قي 15-8-1996 بعد ان عانى من المرض الذي الم به كان احد اعضاء الوفد المفاوض مع الشركات النفطية في العراق والذي كان يرأسه الراحل المغفور له عبد الكريم قاسم له مؤلفات مهمة عديدة منها عبد الكريم قاسم واخرون , شخصيات نافذة , حول قضية النفط في العراق , د. ن . برايت وقضية النفط في العراق , اضافة الى عشرات المخطوطات التي لم يقدر لها ان تنشر لحد الان , يموت جسد الانسان ولكن روحه وعلمه واخلاصه لوطنه وشعبه يبقى خالدا تفتخر به الاجيال جيل بعد جيل , رحم الله عبد اللطيف الشواف ومحمد عبد الملك الشواف اللذان عملا بكل اخلاص ووطنية في حكومة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ولم تؤثر عليهم حركة الاخ وابن العم المرحوم عبد الوهاب الشواف الذي قام بمحاولة انقلابية ضد الثورة بل بالعكس كانت تلك العملية موضع استهجانهم و هذه هي الوطنية لا يغلى عليها شيء الا الوطنية.

خالد العاني – بغداد

مشاركة