الجياشي يتحدث لـ (الزمان) عن جحيم المخيّم ومآسي النزوح ونهاية الملف:
من الهول إلى الجذعة .. حكاية أطفال ونساء سقطوا في حبائل داعش
عمار طاهر
حلقت الطائرة العسكرية من قاعدة الشهيد محمد علاء الجوية قرب مطار بغداد الدولي، تحث السير باتجاه قاعدة القيارة جنوب الموصل، صخبها العالي يشوش الحواس، لكنه لم يمنعنا من التفكير بالزيارة المزمعة الى مركز الجذعة، حيث يقيم النازحون القادمون من مخيم الهول السوري.. عشرات الأسئلة تتناسل في خاطري.. هل هؤلاء رعايا العراق ام عوائل ارتكبت مجازر دموية.. هل يستحقون نعمة العودة ام نقمة الابعاد.. تهادت السيارة وهي تقطع مسافة تقدر 10 كم لتبدأ الخيم تلوح في الأفق.. كان كل شيء ضبابيا وسط تكرار اسم الهول.. المخيم السوري السيء الصيت .
جحيم الهول
وطئت اقدامنا ارض الجذعة برفقة مضيفنا مستشار الشؤون الاستراتيجية في مستشارية الامن القومي سعيد الجياشي والمساعد التنفيذي للمستشار عن الملف، سألته عما نسمعه عن مخيم الهول الرهيب فقال: الهول حكاية غامضة لدى الكثيرين، فهو يقع خارج العراق على بعد 13 كم عن الحدود العراقية السورية، تابع لمحافظة الحسكة السورية، وقد أنشئ من قبل الأمم المتحدة عام 1991 اذبان حرب الخليج الثانية، فالمنظمة الاممية كانت تتوقع نزوح عراقي كبير نحو الحدود الدولية ..مر المخيم بمراحل عدة، فقد اغلق عام 1993 لانتفاء الحاجة اليه ، اعيد افتتاحه عام 2003 بعد حرب الخليج الثالثة .. ودبت فيه الحياة مرة أخرى، الا ان قصته بدأت عام 2014 بعد التداعيات الأمنية في العديد من المناطق بالبلد، استطاع تنظيم داعش دخولها مثل ما حدث في الموصل وصلاح الدين وأجزاء من الانبار.. هذه الاحداث دفعت الكثير من العراقيين للنزوح الى الهول هربا من بطش المتطرفين.. المخيم كان تحت اشراف الحكومة السورية لكن بعد عام 2011 والاحداث التي جرت هناك، وفقدان السيطرة على مناطق شمال شرق الفرات، أصبحت المنطقة تابعة لما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي غدت تدير المخيم.
{ هل يقتصر وجود اللاجئين في الهول على العراقيين فقط؟
– بعد انتهاء المعركة مع داعش عام 2017 ودخول قوات سوريا الديمقراطية الى مدينة الباغوز بريف البوكمال الشرقي قرب الحدود العراقية السورية بمساندة قوات التحالف الدولي، وطرد داعش من المنطقة، زحفت الكثير من العوائل المنتمية للتنظيم، والقاطنة هناك الى الهول، ليتحول المخيم الى بؤرة تحمل الأفكار والايدولوجيا المتطرفة، ويغدو بيئة خطرة جدا، حيث يشهد يوميا جرائم قتل واغتصاب وتجارة الأعضاء البشرية للنازحين العراقيين، فضلا عن الاعتداءات المستمرة عليهم، ولا سيما ان المخيم يضم الى جانب العراقيين والسوريين 50 جنسية أخرى مما يطلق عليهم بالمهاجرات من أصول عربية واجنبية، الامر الذي استدعى تدخل الحكومة العراقية، واهتمام المنظمات الدولية.
{ هل العراقيون الموجودون في الهول كلهم من التنظيم المتطرف؟
– ينقسم العراقيون في الهول الى أربعة اقسام، ثلاثة منهم من النازحين بسبب الاحداث المعروفة التي مر بها البلد، وقسم اخر جاء من الباغوز، وهم عوائل افراد التنظيم، ولكن نحن نتكلم عن نساء وأطفال، فالمنتمون الى داعش اما قتلوا، او هربوا الى دول أخرى.. مجموع الكل في الهول حسب احصائيات الأمم المتحدة من 56 الى 60 ألف شخص من مختلف الجنسيات، ويقدر عدد العراقيين من 30 الى 32 ألف شخص 19 ألف منهم هم دون سن 18 سنة.. الدولة العراقية وأجهزتها الأمنية منتبهة الى المخيم وما يجري فيه كونه يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العراقي بسبب قرب المسافة، وما يضمه الهول من ناس وأفكار متطرفة.. النقاش في الداخل تمحور حول كيف نتعامل مع هذا الملف الشائك؟ اذ كان ينظر اليه انه قضية امن قومي، فهو ملف أمنى وانساني وسياسي في الوقت ذاته، فالمخيم جغرافيا خارج العراق، وليس ثمة تعامل سياسي او أمنى مع الجانب الاخر، والتفاوض يجري مع مجاميع مسلحة.. كان القرار العراقي في النهاية.. ان هؤلاء رعايا عراقيون نساء وأطفال، ونحن كدولة يجب اعادتهم الى العراق .
الإعادة المسؤولة
{ اذن جزء كبير من هؤلاء النازحين هم عوائل تنظيم داعش، اليس هنالك خطورة في اعادتهم الى العراق؟
-نحن نطلق على هذه العودة بالإعادة المسؤولة، وذلك من خلال التدقيق الأمني، والاستخباري، والقضائي، والقانوني.. نتعامل معها جميعا على وفق شروط، أولها ان تكون العودة للعوائل العراقية فقط اب وام وأطفال، وإذا صادف وجود شخص عليه امر قبض، او أي امر قضائي، او مؤشر أمنى نحن نخبره قبل نقله الى داخل العراق بانه سوف يسلم الى السلطات المختصة، اما العوائل التي ليس عليها مؤشر أمنى، او امر قبض، يتم نقلهم وإعادة تأهيلهم.
{ لكن ان لم توجد مؤشرات امنية على هذه العوائل، لماذا نزحت؟
– بعضهم اجبرتهم الظروف، واخرون.. أحد افراد عائلتهم من الدواعش.. قتلوا او فقدوا او هربوا.. مثل امرأة زوجها ينتمي الى التنظيم، وقد قتل، فهي مغلوب على امرها، وليس عليها مؤشر أمنى، وتريد العودة الى بلدها، هنالك عشرات القصص بشأن ذلك، فمثلا قرية نائية كانت تحت سيطرة التنظيم، ونزحت جميعها، ومعها عوائل ليس لها علاقة بالموضوع، انساقت مع الشعور الجمعي كونها لا تستطيع ان تبقى وحدها اثناء دخول القوات العراقية.
{ ما هي اليات الاجلاء من مخيم الهول؟ – عملية الاجلاء تتم بإدارة واشراف مؤسسات الحكومة العراقية، ممثلة بالأجهزة الأمنية جميعها، وبقية الوزارات تحت اشراف مستشار الامن القومي الذي يتابع يوميا هذا الملف، ووزارة الهجرة التي تدير مراكز التأهيل، وقيادة العمليات المشتركة، وجهاز الامن الوطني، وجهاز المخابرات، كلها داعمة، فهو عمل تضامني الغاية منه تقديم الدعم الى وزارة الهجرة كجهة قطاعية، لكن الملف فيه جنبة امنية، وابعاد خطيرة، لذلك هناك لجنة عليا يرأسها مستشار الامن القومي.
العودة طوعية، والتدقيق الأمني يفرز العوائل المؤهلة لعبور الحدود نحو العراق.. في البداية كان هناك خشية من العودة نتيجة الدعاية السلبية التي تزعم انهم سيتعرضون الى القتل في الطريق من قبل جهات معينة، لذا واجهنا صعوبات في إقناع العوائل بسبب نسبة القلق المرتفعة جدا، ولكن وبمرور الوقت وبعد نقل ستة الى سبع وجبات، وصار هناك تواصل بين العائدين والقاطنين في الهول، اختلفت الأمور.. صرنا نعاني من ضغوطات كبيرة بسبب الاعداد الكبيرة من النازحين التي ترغب بالعودة، اذ تفوق طاقة الاستيعاب بالوجبة الواحدة، التزاحم شديد اذ يبلغ عدد الوجبة من 100 الى 150 عائلة، وعندما تدقق الوجبة امنية، يتم التنسيق مع (قسد)، وقوات الحدود، وتتوجه حافلات تحت حماية القوات العراقية، تنقلهم الى مركز التأهيل.
معضلة الأوراق الرسمية
في هذه اللحظة توقفنا عن الكلام، وتجولنا في مركز الجذعة لتأهيل النازحين، توقفنا عند خيمة تضم عائلة نازحة.. دخلنا فوجدنا امرأة شابة قادمة من اعماق الريف، شاردة الذهن مشتتة النظر، وكأنها لا تشعر بالأقدام التي تطأ الارض من حولها، جسدها هزيل، شفاهها ذابلة، ترمق القادمين بنظرة يائسة، مع ثلاثة أطفال بائسين يفترشون الأرض بملابسهم الرثة، اذ كانوا يرتدون اسمال بالية، سألناها عن زوجها فقالت: انه هناك في الهول مع زوجته الأخرى، ثم الحقنا سؤالنا بسؤال اخر عن اوراقها الرسمية كعقد الزواج وهويات الأحوال المدنية فأكدت انهم جميعا بلا اوراق وهنا التفت الى مضيفنا المستشار سعيد الجياشي وقلت له حصلت العديد من حالات الزواج والولادة خارج مؤسسات الدولة.
{ كيف تتعامل الحكومة مع عدم وجود أوراق ثبوتية لدى هؤلاء النازحين؟
– لقد تبنت وزارة الداخلية اصدار البطاقات الموحدة للنازحين، وتستند في ذلك على هوية الأحوال المدنية لاحد الابوين، فكل العوائل التي نقلت من الهول حتى الان لدى بعضها الاوراق الثبوتية، كما لم يصادفنا حتى اليوم أطفال ليس لهم اباء، او عراقية متزوجة من عربي او أجنبي، وقد ساعد مجلس القضاء الأعلى، ومحكمة الموصل في حل العديد من القضايا التي تخص تثبيت الزيجات وما يتعلق بها، عموما نحن نتعامل مع العراقيين فقط، ونسعى الى حل معضلة الأوراق الرسمية لدمج العوائل بالمجتمع، والتحاق الأطفال بالمدرسة.
{ كيف يتم إعادة تأهيل القادمين من مخيم الهول؟
– لا توجد لدينا تجربة سابقة في العراق بحيث توجد لدينا مراكز تأهيل تحتوي هذه الاعداد التي تقدر بالألاف، لذلك ذهبت الحكومة العراقية بالتنسيق مع مجموعة مؤسسات، وبإدارة وزارة الهجرة، الى تحويل أحد مخيمات النازحين في جنوب الموصل الى مركز للتأهيل، وهو الجدعة واحد، حيث تتعاون الجهات الحكومية لإيجاد بيئة تأهيلية للنازحين، فمثلا شيدت وزارة الشباب ملعب لكرة القدم، واسست وزارة التربية مدرسة، واقامت وزارة الصحة مركزا صحيا، ونفذت وزارة العمل مسح ميداني، وانشئت مناطق صديقة للطفل مثل الروضة، ومساحة لأنشطة وألعاب الأطفال، كما تم زج النازحين ببعض المشاريع الصغيرة، بمساعدة منظمات المجتمع المدني ووزارة الهجرة، كتعليم الخياطة والحلاقة والحياكة.. يتقاضون مقابلها بعض المبالغ، وكذلك هناك مركز مناهضة العنف ضد المرأة، وإعادة بناء الوعي والثقافة للنازحين، اما الفرق الموجودة في مركز الجذعة، ووزارة التربية، وتربية الموصل، فاستهدفت موضوع احياء القيم الوطنية، والانتماء للوطن، كون بعض الأطفال تبلغ أعمارهم 10 سنوات، وهم لم يلتحقوا بالمدرسة.. تتراوح فترة التأهيل من 90 الى 120 يوما، بعدها يعود النازح الى منطقته الاصلية.
قصص نجاح
تجولنا في مركز التأهيل، دخلنا بعض المشاغل، والتقينا أماكن مخصصة لمنظمات المجتمع المدني، عرضت برامجها، وتكلمت عن محاولتها لإعادة النازحين نفسيا، شاهدنا مرسم للأطفال، واعمال حياكة، ودخلنا المركز الصحي، واستمعنا الى حاجة الأطباء الى ملاكات بشرية، وبعض الادوية، ثم تحدث بعض من التقيناهم عن القبض على احد النازحين، بتهمة الانتماء الى التنظيم المتطرف، فسالنا المستشار.. الا يمكن ان يكون هناك مندسون من داعش بين هؤلاء النازحين؟ فأجاب: ليسوا مندسين، فنحن ندقق بشكل كامل قبل نقل النازحين الى مركز الجذعة، ولكن خلال فترة التأهيل تصدر مذكرة قبض بحق أحدهم، فيعتقل فورا او عند وصوله الى مدينته الاصلية، فأهل المنطقة من حقهم يتوجهون الى السلطات القضائية لتقديم شكوى بحقه.
{ هل هناك ارادات سياسية او مجتمعية تعارض إعادة تأهيل النازحين وعودتهم الى العراق؟
– بالحقيقة في بداية العمل.. نعم.. اذ تصدى بعض السياسيين لعودة النازحين، ربما لقلة المعلومات المتاحة، كذلك المجتمعات المحلية كانت رافضة، وبعد عرض الحقائق نتيجة جهد المستشارية، ووزارة الهجرة، وبقية الجهات الأخرى في 5 محافظات.. كنا خلاله نؤكد على عدم وجود مؤشرات امنية على العائدين، وهم ابناؤكم، وعوائلكم، كانت التصورات والمواقف تتغير، فنحن على مدى الأربع وجبات الأولى للعائدين نواجه ممانعة محدودة، ولكن بعد عبورنا الوجبة الرابعة، أضحت المجتمعات المحلية تطالب بعودة أبنائهم، وصار ضغط على اللجنة التي تعتمد معايير معينة في التدقيق.
{ كيف تتم عودة وادماج النازحين في مجتمعاتهم المحلية؟
– هذه المرحلة تتكون من أربع خطوات، الأولى.. نلتقي بالنخب وقادة الرأي في المناطق المستهدفة بعودة النازحين، طبعا بمساعدة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ومنظمة الهجرة الدولية، وذلك على مدى ثلاثة أيام، نقدم لهم المعلومات، ونستمع الى ردود افعالهم، نجيب على اسئلتهم، وبذلك نحقق 70 بالمئة تقريبا من القبول، الخطوة الثانية نفتح الباب لزيارة النازحين داخل مركز التأهيل، وقد اشرنا في الزيارات الميدانية انكسار الحاجز النفسي، وتفعيل الناحية العاطفية، حيث يلتقون بذوي ارحامهم من النساء والأطفال، الخطوة الثالثة نلتقي بالقيادات الأمنية في المناطق، مع المحافظ ورؤساء الوحدات الإدارية، نزودهم بأسماء العائدين تمهيدا الى دمجهم بالمجتمع، اما الخطوة الأخيرة.. فياتي من كل عائلة شخص من المنطقة الى مركز التأهيل لاستلامهم رسميا، على وفق استمارة، يكون المسؤول عنهم، وتجري هذه العملية فرادى.. كل عائلة تتوجه الى مناطق سكناهم في المحافظات المختلفة، باستثناء بعض الحالات، فعلي سبيل المثال امرأة قتل زوجها وهو من منطقة معينة، تعود الى سكن أهلها في منطقة أخرى.
{ وهنا هل ينتهي دوركم ام هناك دور اخر لكم؟
– نعم ننتقل الى المتابعة في مدنهم للتأكد من حالة الادماج مع مجتمعاتهم، فحتى الان لدينا أكثر من 600 عائلة اندمجت في مناطقهم، يتوزعون في 7 محافظات بسلام وامان وقبول اجتماعي وبدون مشاكل، فقد استقبلهم المجتمع نتيجة عملنا الممنهج، فعودتهم ليست عشوائية، بحيث تهيأت قناعات قبل الاندماج، والناس كانت تعلم من سياتي، ولاسيما ان المجتمعات المحلية لمست الجهد الحكومي الكبير في عودتهم، والمتمثل بأعلى الهرم في السلطة التنفيذية الى جهد الأجهزة الأمنية.
{ هل حققتم قصص نجاح في هذا الملف؟
– نعم قصص كثيرة منها.. ان طالبة متفوقة في الصف السادس الاحيائي من محافظة الانبار اضطر ابواها، واحدهم أستاذ جامعي، والأخر تربوي، الى تزويجها من ابن خالتها هربا من جرد داعش الذي يطالب بأسماء النساء غير المتزوجات، الا ان الطامة الكبرى انهم اكتشفوا بعد فوات الأوان ان ابن خالتها هذا ينتمي الى التنظيم المتطرف، وقد اصطحبها الى سوريا، وقتل هناك، فلم تجد امامها الى الهول، وبعد اجلائها وطفلها وعودتها الى منطقتها، حاولنا معالجتها من الصدمة النفسية التي تعرضت لها، اذ كانت رافضة لوالديها تماما، اذ حملتهم مسؤولية ما حصل لها ..حاولنا معها، ونجحنا عن طريق الاستعانة بصديقاتها في الإعدادية اللاتي اصبحن طالبات جامعيات.. اقنعناها بالامتحان الخارجي، فامتحنت المرحلة المنتهية، ونجحت بمعدل (98.4) وهي الان طالبة في كلية الطب بجامعة الانبار.. اصبحت انسانة أخرى.. ماذا لو تركت في الهول، ما هو مصيرها ومصير طفلها؟
نهاية الحكاية
{ هل هنالك جهات محلية او منظمات دولية داعمة لعودة النازحين؟
– يشاركنا في مركز التأهيل منظمة الهجرة الدولية، واليونيسف، ومنظمات أخرى تعنى بحقوق الانسان، وبرنامج الغذاء العالمي، ومركز مكافحة الإرهاب الدولي التابع لمجلس الامن الدولي، وكلها تعمل تحت غطاء الأمم المتحدة، فالملف له جناحان.. العراقي والدولي، فمثلا الادماج مسؤولية البرنامج الانمائي للأمم المتحدة الذي اخذ على عاتقه تمويل عقد الاجتماعات واللقاءات والزيارات مساعدة العوائل النازحة، الجهد العراقي تمثل بوزارة الهجرة التي تقدم المنحة الخاصة بالعائدين، لا توجد موازنة خاصة بالموضوع، وانما دعم مقدم من جهات مختلفة، فالحكومة تدعم ضمن الموازنات الاتحادية للوزارات المشاركة في الملف، لكن الدعم الدولي هو الأساسي، ونحن مازلنا بحاجة ماسة له.
{ هل تعتقدون ان تأهيل النازحين سوف يجنب العراق تداعيات امنية ومجتمعية في المستقبل؟
-نحن كامن قومي يهمنا نقطة أساسية، وهي.. ان المواطن العراقي يجب ان يعود، فقيمة الانتصار على داعش هي عودة المواطن الى حياته الطبيعية، المهددات زالت، وتوجد مسؤولية للدولة انفاذ القانون بمن ارتكب الجريمة، فعملية بقائهم تحدي خطير على الدولة، اذ ترك 30 الف عراقي معظمهم من الأطفال واليافعين، اميون، يعيشون في بؤرة من التطرف والعنف والأفكار المؤدلجة، يؤشر حالة خطرة، قدومهم بعد سنوات عدة الى العراق يشكل خطرا كبيرا، لاسيما بعد تغذيته بمعلومات كاذبة عن بلده، فلا يصارحونه بالحقيقة ان والده او اخوه كان متطرفا، بقاؤهم خطأ وخطر على الدولة، وعودتهم السريعة بدون تأهيل أيضا خطأ، اذ يجب اعادتهم على وفق منهج مدروس، وتحت اشراف الحكومة، وبتنسيق عالي مع الحكومات المحلية والمجتمع
{ متى ينتهي ملف مخيم الهول؟
– اذ استمرينا على هذه الإجراءات الدقيقة في التدقيق والتمحيص سوف يتطلب انهاء الملف من 3 الى 4 سنوات، وربما نحصل على وسائل دعم جديدة، وانشاء مراكز تأهيل جديدة، تعجل في الموضوع، ولا اخفيك هناك محادثات في هذا الشأن بين الحكومة العراقية والجانب الدولي، عموما لا يمكن للنازح ان يعود من الهول الا بعد المرور بهذه العمليات التي تتضمن التدقيق الأمني، والتفويج، والتأهيل، والادماج بالمجتمع، لكي نطمئن بان هذا النازح سوف يتعايش بشكل سليم في المجتمع.
انتهت جولتنا في مركز الجذعة، وحان وقت العودة الى بغداد.. كانت السيارة مسرعة، وهي تغادر، بدأت الخيم تتوارى وراءنا، كان المستشار واجما على غير عادته، فهو شعلة من النشاط، مشاعره الإنسانية كانت تتسرب الى الاخرين، رغم صمته، فاجأته وسألته عما يجول في نفسه فقال.. ما يحدث في الهول، وما يجري في الجذعة عبارة عن رسالة الى السياسيين والإعلاميين وكل المهتمين بهذا الملف.. ان المواطن العراقي يجب ان يعيش في وطنه معزز ومكرم بغض النظر عن توجهاته، اذ لا يجب ان نؤسس أخطاء على أخطاء حدثت في الماضي، بل نعمل بروح المواطنة، وروح الدولة ومسؤوليتها الابوية..لا اقصد المجرمين فهؤلاء يجب ان ينالوا جزاءهم العادل.. أتكلم عن الضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء .