من الشعر الكردي المعاصر - نص شعري – وريقات الخريف
عبدالرحمن فرهادي
ترجمة: محمد حسين المهندس
1
لا حبيبةَ مُلّا خدْرَ،
ولا سلمى ملا أحمدْ،
ولا شيرينُ فرهادَ،
ولا إلزا أراغونَ،
ولا زينُ مَمَ،
ولا شَمُ ديوانهْ
عُيونُهُنَّ
أجملُ مِنْ عَيني حَبيبتي…
2
حينَ تَتَّصلينَ بي،
يغدو قلبي عندليباً
مليئاً بألحانِ النايِ ونغماتِهِ ،
مليئا بآلافٍ منَ الألحانِ…
وحينَ تُغلِقينَ الهاتفَ
بعدَ الحوارِ وتبادلِ الأخبارِ،
يغدو قلبي سجيناً،
قريباً مِنَ الهمِّ،
بعيداً عنِ الحدائقِ الملأى بالأزاهيرِ…
3
في أوانِ عيدِ الأضحى،
منَ الصوابِ أنْ تكوني أنتِ
حاكمَ الولايةِ هذي،
وتُجَرجِري أَقدامَ همومي
الى المشنقةِ واحداً بعد واحدِ…
4
حبيبتي سِتُّ البناتْ،
شَعرُها زهورُ انبلاجِ الفجرِ،
خدُّها تفاحُ أحمرُ الخاصِرةِ،
شَفَتاها بسكويتُ البِسكريمِ،
وقلبُها وطني أنا…
كريستالُ تاجِ رأسِها،
مصنوعٌ منْ مُقلةِ عيني…
قلبي غدا لها عندليباً
يَفيضُُ منْ حَنجَرتِها
ألفُ ألفٍ منَ الألحانِ…
5
سأسرِقُ شَعرةً واحدةً منْ شَعركِ
كيما تكونَ في مَحفظَةِ جَيبي
بدلاً منْ بطاقتي الشخصيةْ…
6
سأملأُ قلمي مِنْ حِبرِ الريحِ،
وأكتبُ بهِ جدائلَ شَعرَكِ…
7
سأجعلُ منْ هُدبَتَينِ منْ أهدابِكِ
مجاذيفَ،
كي لا أغرقَ في بياضِ عينيكِ…
8
سأجلِبُ شُعاعاً منْ ضياءِ الشمسِ،
وأجعلُهُ مِشَدّاً لغَدائرِ شَعرِكِ…
9
كادَ بِعادُكِ يقتلني
في سهلِ أربيلَ هذي وجبالِها…
ياترى ماذا يجري
لو أرسلتِ لي بالبريدِ
قِسطاً منْ عطرِ شعرِكِ المنسدِلِ…
10
حين بكى الحزنُ،
غدتْ قطرةٌ من دمعِها حبراً،
وجاءَ شاعرٌ مذهولٌ
ملأ قلمَهُ بالحبرِ ذا،
و بهِ كتبَ شعراً فائقَ الجمالِ…
11
حين تعرُجينَ الى منزلكمْ
بالسيارةِ ذاتِ الزجاجِ المعتمِ،
أجلسُ أنا في ذلك الركنِ،
أحبُّ أنْ تُلقي عليَّ نظرةً،
إنَّ قلبي مركزُ الأحزان،
ماذا يجري
إنْ أزَحتِ باقةً منها،
ووضعتِ فيهِ قليلاً
منَ السرورِ والحنينِ؟
12
طريقُكِ بعيدٌ وَعِرٌ،
مليء بالصعابِ،
صعودٌ ونزولْ…
لنْ أستكينْ…
أيا الأحلى منْ رحيقِ الوردِ والنستلةْ،
لاريبَ أنّي سأُدرِكُكِ…
13
أَودعتِني في يدِ الوحدةِ،
لا تعرفينَ ما أعمقَ هذا الحزنْ؟
وانطلقتِ بعيدا…
أنّى لي أنْ أُقِرَّ هذهِ الحالْ؟
14
أنتِ والوحدةُ
تَشطُرانَني…
15
بدلا منْ الشرابِ،
كُوزُ قلبي
مُترَعٌ بعشقكِ أنتِ…
16
حين تُحرِّكُ الريحُ شَعركِ،
أغضبُ أنا…
ليتني كنتُ أنا الريحُ
أُمَشِّطُ لكِ شَعرَكِ…
17
إنْ كانَ شَعرُك بَحراً،
كنتُ أنا سأغدو نسيمَ سمائِهِ الرحيبِ،
أو نَورساً مُتَيَّماُ
بالموجِ الهائجِ
لعاشقِ شَعرِ امرأةٍ
بعيدةٍ جداً عنّي…
18
لا يُضارِعُ عطرُ شَعرِ نساءِ
أيِّ بلدٍ في الدنيا ذي
عطرَ شَعركِ أنتِ…
لذا سأجعلُ منْ نفسي
شريطَ زينةٍ تضعينَهُ على شَعركِ…
19
لنْ تُصبِحَ الدنيا كُلّها وروداً
إنْ لَمْ تَمُرِّي منْ هنا…
لنْ تُصبحَ الدنيا مُعجَماً
مليئاً بالهمومِ والآلامِ،
إنْ لم تتركيني أنتِ
في أزقةِ الغربةِ ودروبها
دونَ غَيري وحيدا…
20
آهٍ منْ قلادةِ جيدكِ،
واهٍ منْ عَقْدِ مَنحَركِ…
عليهِ صورةُ قلبٍ ياقوتيّ…
أنا مَشحونٌ بالقلقِ ولا أعرفُ،
عينُ كمْ عاشقٍ بهِ مفتونْ…
21
ليتني مِتُّ
مثلُ دلدارَ وأنا في شَرخِ الصِّبا،
مثلُ آرثر رامبو
قدْ قَضَيتُ الأجلَ في رَيَعانِ شبابي،
مثلُ فائقِ بيكَسْ
قدْ عشتُ ثلاثةً وأربعينَ عاما
وما ابتُليتُ بكارثةِ
عشقِ امرأةٍ
وأنا في خريفِ عُمُري…
22
في عيدِ رأسِ السنةِ هذي،
لنْ أَمضِيَ الى أيِّ مكانْ…
دعيني أكونُ راصِدَ مُحَيّاكِ
وأَلْثِمَ شفتَيكِ الورديتين حدَّ الأرتواءِ…
23
أيتها الحياهْ،
إمنحيني ريشةَ جناحِ طائرٍ
كيما أُحَلّقَ عالياً
وأمزُجَ ذاتي بضياءِ الشمسِ
وأتركَ ذلكَ الزقاقِ الضيِّقِ
وأصلَ الى حبيبتي…
24
تَيّارٌ
يَقتحِمُ حُجرتي دوماً
منْ خلالِ النافذةِ…
لا تيارُ البرودةِ،
لا تيارُ النسمةِ الباردةِ،
لا تيارُ الصاعقةِ،
لا تيارُ حرارةِ الشمسْ،
ولا تيارُ نفحةِ طِيبِ الحاناتِ،
بلْ،
رجفةُ تيارِ عشقِكِ أنتِ،
إذْ لا تترُكني
أَهنأُ قليلاً في خَلوتي…
25
سأغدو مطراً
أسقي روحَكِ…
سأغدو نسمةً
أُمَشِّطُ شَعرَكِ…
سأغدو بَحراً
كيما أُأَرجِحَ جسدَكِ بينَ الأمواجِ…
سأغدو ينبوعَ ماءٍ
كيما يَنبَجِسَ الجَمالُ من تَفَجُّري…
سأغدو زَوبعةً
كيما أَلْتَفَّ حولَ قامتكِ الغيداءِ…
سأغدو أغنيةً
وأُنشِدُ أوصافَكِ…
سأغدو كُرّاسَةَ ألِفباءٍ
كيما أنسجَ لكِ فيها
الصورَ الشعريةَ بالكلماتِ…
سأغدو عُقاباً،
كلما أردتِ
أستكينُ على إحدى كَتِفَيكِ…
سأغدو طائرَ زُرزورٍ،
حينَ أكونُ بائِساً،
أضَعُ عُشِّيَ بينَ جَنَباتِ شَعرِكِ…
سأغدو طائرَ شحرورٍ
أغني لكِ
حينَ هبوبِ النسائِمِ…
سأغدو زهرةً
حمراءَ منْ رياضِ البنفسجِ،
كلما أتيتِ إلَيَّ
انحنيتُ لكِ…
سأغدو صوفِياً في رباطِ العشقِ،
أُدمِّرُ مَوضِعي ومكاني
كيما أتأملَّ في اشتياقي إليكِ،
وأسجدُ لكِ خمسَ مرّاتٍ
في مِحرابِ عينيكِ…
وسأقولُ لريحِ الجنوبِ
أنْ تَكُفَّ عنِ الهبوبِ…
إنَّها تُتلِفُ شَعرَكِ…
وسأقولُ للنسيمِ مُغَنِّياً
أنْ تُهدِي لكِ النسائمَ…
26
سأمضي صوبَ شاطيءِ البحرِ
عَلّني ألتقي بعينيكِ…
سأُولّي وجهيَ صوبَ كَبِدِ السماءِ
كيما أرى فيها روحَكِ أنتِ…
سأذهبُ صوبَ تلكَ الغابةِ
كي تَقُصَّ أوراقُها
علىَّ أسطورةَ سُقوطِها…
سأدخلُ جوفَ تلكَ الريحِ الهوجاءْ،
كي أفهمَ كيفَ أنها تُتلِفُ شَعرَكِ…
سأُصبِحُ صديقَ شعاعِ الشمسِ
كي أُحَدِّقَ في ظِلالِ مُحيّاكِ…
سألِجُ في دقّاتِ الزمنِ
كي أُجهِزَ على مواعيدَ لقياكِ…
سأضعُ نفسي تحتَ وابلِ البَرَدِ
كي أنسجَ صورةً شِعريةً منْ شَعرِكِ…
وسأذهبُ الى كَنَفِ الظلِّ
كي أَخلَعَ عنّي ضياءَكِ…
27
سأطفيءُ
هذهِ الريحَ الهائجةْ…
إنَّها بالغةُ الجنونِ…
تُطيحُ بشَعرِكَ يَمنَةً ويَسرةْ…
إنّي أكرهُ الريحَ…
ليتني ما احتجْتَ الريحَ
في تنفسي أبدا…
28
مرةً أخرى
وضعتِ حقيبةَ السفرِ على كتِفِكْ؟
تركتِني دونَ تَشاورْ…
حينَ مَضَيتِ،
صارتِ الدنيا ظلاماً
وكَفّتِ الأرضِ عنِ الدَوَرانْ…
29
تُغضَبُ السماءُ منَ الجبلِ،
لذا تُغَطّيهِ الثلوجُ في أحَدِ الفصولِ
كالكَفَنِ،
لكنَّ الجبلَ العنيدَ
يُمَزِّقُ الكفنَ
في كلِّ فصلٍ منْ كلِّ سنةْ…
في مثلِ ذلكَ الوقتْ،
يَنبَلِجُ ربيعٌ جديدٌ
بينَ تنافُسِ السماءِ والجبلِ…
30
في الصباحِ الباكرِ
كأنّي عمودُ كهرباءِ الطُرُقاتِ،
أجيءُ وأقفُ ها هنا،
أعلمُ دونَ شكٍ أنكَ ستأتينْ،
وتَمُرِّينْ،
لِمَ لا
تُرسِلينَ نَظرةً بِطَرْفِ عينيكِ؟
31
الضياءُ
شهوةُ النجومِ
في جسدِ السماءِ…
السماءُ شهوةُ الكونِ
في دربِ التبانةِ…
32
سأجعلُ منْ شَعركِ سقيفةً
كي لا تَلوحَني أشعةُ الشمسِ،
وسأجعلُ أهدابَكِ خيوطاً ممددةً
لي أنا الثَّمِلُ المُتَسَوِّلُ..
___________________________
حبيبة: اسم المرأة التي أحبها بعنف شديد وتغنى بها كثيرا الشاعر الكلاسيكي الكردي المعروف نالي من كردستان الجنوبية.
سلمى: اسم حبيبة الشاعر الكلاسيكي الكردي المعروف ملا أحمد الجزيري من كردستان الشمالية.
شيرين وفرهاد: عاشقان كرديان من كردستان الشرقية على غرار روميو وجولييت. نحت فرهاد من أجل حبيبته شيرين إيوانا في جبل صخري.
إلزا أراغون: زوجة أراغون وملهته في أشعاره.
مم و زين: الملحمة الشعرية الخالدة للشاعر الكردي الخالد أحمدي خاني وهو من الشعراء الكلاسيك من كردستان الشمالية.
شم: محبوبة الشاعر ولي ديوانة أي المجنون. كانت شم من الكرد الرحل إلتقيا في إحى رحلات القبيلة، أحبها بجنون وأغرم بها الى حد الوله.
دلدار: الشاعر الكردي المعروف صاحب شعر النشيد الوطني الكردي.
آرثر رامبو: الشعر الفرنسي المعروف صاحب المجموعة الشعرية أزاهير الشر ذائعة الصيت.
فائق بيكَس: الشاعر الكردي المعروف والد الشاعر الكردي الراحل شيركو بيكَس. عاصر الأنكليز إبان فترة الأنتداب وعاداهم، وهو من كردستان الجنوبية.



















