من أدب المناقشات العلميّة المعاصرة – لطيف القصّاب

من أدب المناقشات العلميّة المعاصرة – لطيف القصّاب

دُعيت ذات مرة إلى جلسة لمناقشة أطروحة دكتوراه في جامعتي الأم المستنصرية… كانت اللجنة مؤلّفة في حينها من ستة أساتذة أبرزهم أ.د.م.م. عضوًا مناقشا، وهو ذو ثقافة يسارية متطرفة.

أول ما لفت انتباهي وسائر الضيوف هي المقدرة الفذة لطالب الدكتوراه في استعمال العربية فضلا عن ردوده الحصيفة على أسئلة رئيس لجنة المناقشة، وأعضائها. وما زاد بانبهار الضيوف من أداء الطالب العراقيّ معرفتنا أنّه  (تركماني) من سكنة محافظة كركوك، مع ذلك فقد كانت الفصحى تسيل على لسانه سيلانها على لسان غلام وفد الحجاز في محضر الخليفة عمر بن عبد العزيز، بحسب القصّة التراثية الشهيرة…لكنّ الغريب العجيب أنّ أداء الطالب اللافت الباهر أثار حفيظة العضو المناقش آنف الذكر الذي بدا منزعجًا جدًا، ومتحاملا على الطالب لسبب لم يكن مفهومًا في بداية المناقشة، لكنّه ظهر جليًا في ما بعد، حين عرف الجميع بأنّ جريرة الطالب الوحيدة في نظر ذلك الـ ( أ.د.م.م الدكتاتور) هو أنّ الشاب الكركوكي كان يتحدث العربيّة بطلاقة، هذه العربيّة التي يرى فيها المناقِش (الفلتة) أنها لغة ميّتة، لا تصلح للكلام ! داعيًا الطالب بمنتهى الصلافة، والجحود إلى استعمال اللهجة العراقية الدارجة؛ لأنها برأيه لغة الحياة …

الحقيقة أنّ ما زاد من كمّيّة الحرقة التي اعتملت في صدري تجاه التصريحات التي فاه بها عضو المناقشة هذا هو الموقف البائس من رئيس اللجنة الذي اكتفى ببضع كلمات (فاهية) مصحوبة بضحكة صفراء باهتة…حينها وددت لو أُذِنَ لي بالحديث لأسمعهما كليهما قولًا تقرّ به عينا الخليل بن أحمد ، وسيبويه، ولعلّي أنتصر لذلك الطالب الذي راح يتلعثم بكلماته جرّاء الهجوم المكثّف للدكتور الدكتاتور، ولكن كيف لي ذلك، وأنّى لي وأنا مجرد ضيف لا يملك إلا الإصغاء أو الإنصراف…

حين شرعت بالإنصراف وترك قاعة المناقشة كان قلبي قد وصل إلى أقصى درجات الغيظو الغليان، لكنّي بدأت استردُّ هدوئي رويدًا رويدًا، ثمّ رأيتُني فجأة أتفهم موقف ذلكما العجوزين البغدادين من ذلك الفتى الكركوكي المغلوب على أمره؛ فهذا الذي يَضْعُف إيمانه بالله العظيم، ورسوله الكريم، حريّ به -من باب أولى- أن يكفر بالعربية، والناطقين بها…

مشاركة