مليكة مزان تتجاوز عصرها

مليكة مزان تتجاوز عصرها
تنقالي عبد الرحمان
بما أن النص الأدبي تجاوز النقد عموما، نجد أن الكتابات النقدية لا تضيف في أيامنا هذه الشيء اللائق بما يكتبه أدباؤنا وشعراؤنا، فنجد القراءات قليلة ولا تبحر في النص الشعري كثيرا، ولا تخوض في سراديب القصيدة، التي تبقى دائما أبعد بكثير في دلالتها مما نقرؤه من دراسات عابرة، ومجحفة في حق أدبنا الجميل، والشيء الذي يحزنني هو أن النقد أقل جرأة بكثير من النص في تركيبته الدلالية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة في عصرنا الحديث الحافل بأسماء مبدعة، في غياب النقد البناء الذي يواكب هذه الأقلام الجادة، والتي لابد أن يحمل النقاد على كاهلهم مهمة إيضاحها وتنويرها للقارئ، الذي نراه يدخل في جدلية فكرية لا تخدم أي طرف، ابتدءا من رحلة النص من الكاتب إلى الناقد لتنتهي إلى هذا الأخير، الذي لا يستطيع أن يميز بين العمل الأدبي الجيد والعمل الأدبي السيئ…
وربما يقودني الحديث للإشارة إلى الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان، التي أخص تجربتها الفريدة في مقالي هذا، هذه الشاعرة الأمازيغية التي تجاوزت عصرها، ولم ينصفها إلا القليلون. القصيدة لديها اعتلت عرش الجرأة والكبرياء، بحيث أن معظم الكتابات النقدية لم تضف إلا القليل من الشأن لشاعرة بهذا الحجم، وهذا يستدعي منا ككتاب الكثير من الجرأة لمواكبة هذه النصوص الشعرية الثائرة، ولا ننكرها ونتركها حبيسة الظل.
لا أضن أبدا أن هذه الشاعرة تكتب وهي مستريحة على أريكتها القطنية، وترتشف فنجان قهوتها في باحة بيتها الخلفية، إنها فضلت الانتحار وتفجير الذات، وهذا ما يدعونا لاحترام هذا الإبداع المتميز، فالكتابة على حد اعتقادي هي موت لحياة أفضل، هي تضحية لقضية، وما تكتبه يحتاج إلى وقفة خاصة وشحذ الكثير من الأقلام.
وأين نحن اليوم من الأدب الذي يناضل بشراسة من أجل قضية الإنسان، شاعرتنا بحملها هذه القضية الأمازيغية، هي حملت على كاهلها قضية الإنسان أينما كان، بعيوبه المفرطة وبمحاسنه الملائكية،وهي ضربة سيف فاصلة بين القهر وحق الإنسان في حاجته لتحقيق ذاته…
إن الشاعرة لجأت لطريقة الكي في شعرها لمداواة هذا الجسد الذي اجتمعت عليه الآفات والرذائل، وهذا قمة في العشق الإنساني، إن القصيدة التي لا تثير الزوابع يحكم عليها بالموت، أما قصيدة مليكة مزان ينطبق عليها قول المتنبي
أنام ملأ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جرٌاها ويختصم
إنها شاعرة من طينة خاصة في أصالتها ورفضها وتمردها، وهي تحاكي الخلود رغم جحود الجاحدين ومحاولة خنق هذا الصوت الأمازيغي الجبلي، الذي تجاوز تلال آيت أعتاب، وتجاوز حدود المغرب..
يصفونها بالعهر لأنها عكست عهرنا، هي امتدادنا المفضوح ودليل قبحنا الواضح، ولن يفيدنا الإنكار، لقد اختارت التمرد على الدربكة والتهليل، وأطلقت صوت الرفض عوضا عن الزغاريد والرقص مع أنغام الموسيقى الماجنة.
يواكب النقاد الموجة ويهتمون بتراثنا ويعرضون عن أدبائنا الأحياء، لأن الأدب أصبح يخضع لقوانين العرض والطلب، وتحكمه الصفقات والمتاجرة، والنقد الحي يعد سباحة ضد التيار وطيرانا خارج السرب، لذلك نجد القليل من أدبائنا ونقادنا من اختاروا الطريق الشاق لاعتلاء القمة وليس السقوط إلى القمة.
AZP09

مشاركة