مكاتيب نوري لن يستقيل

مكاتيب نوري لن يستقيل
علي السوداني أكاد أطقُّ من الضحك، ونَفَسي يلوبُ، وصدري يشخرُ، وحلقي يتمرمر، وروحي تتململ وتشتهي الخروج من خشمي، عندما اقرأ أو أسمع أو أشوف واحداً أو واحدة، تصيح بعالي الصوت وواضح الكلام ومبينه، أن استقلْ يا نوري، فلقد صرتَ عقدة العقد وفتنة الفتن وعلة العلل، وفوهة من فوهات جهنم الحمراء التي انفتحت على البلاد. عقلي وقلبي وخبرتي ودربتي وقراءتي وحدوسي وصفنات ليلي ونهاري وتصاوير المنام، كلها تخبرني بيقين قويّ أنّ أبا اسراء لن يستقيل، أو حتى يزعل ويعتكف ويصنع فلماً هندياً، أو مسلسلاً مكسيكياً، تظهر فيه حشود من الرعية الجاهزة المجهّزة الراقصة، وهي تهتف وتتوسّل، وترفع الأكف والحناجر صوب سماء الله، من أجل عودة ميمونة للرجل، الى شغل كرسيه الأبديّ. نوري دخل في متاهة سراب عظيم، وهو يرى نفسه الآن، المخلّص والمنقذ والأوحد، وربما توهّم أنّ رسوخه فوق عرش الحكم، انما جاء بتكليف سماويّ مبين، وهو على هذا وذاك، لن يبرح مكانه، ولن ينخلع وسيظل راكباً على قلوب الناس، حتى لو قاد هذا الأمر، الى انقراض نصف الرعية. بعد أزيد من سبع سنوات من الحكم المطلق المصبوغ بديمقراطية مضحكة، فإنّ الرجل لم يطوّر أدواته في اللغة المصروفة على الخطبة، أو في باب تصنيع الدعاية وتسويق الفوبيا الافتراضية المرمية أبداً برأس الأزلام والقاعدة، ومسميات أخرى مصنوعة فقط على شبكة الانترنت، فالكهرباء عليلة، والثقافة مريضة، والمجاري غير سالكة، والشوارع بين طسّة وطسّة حفرة، والهوية الوطنية تائهة، والحرامية طلقاء، وسوق مريدي لم يغلق ردهة تزوير الشهادات بعدُ، والمدن مكبّات نفايات، والسيطرات واحدة تكاد تسمع خرخشة الثانية، وجدر الكونكريت تقطع الحارات والناس مثل جدر فصل عنصري، وزخّات فضائيات ثقافة الكراهية والتجهيل والطائفية والتكفير والتيئيس، ما زالت قائمة وقوية ومموّلة، وعشرات آلاف الأبرياء في زنازين الشبهة، ومثلهم من صودرت داره، وقطع رزق عياله، واخرج من بلاده بغير حقّ، والمسؤول الأمريكي، الرفيع أو الغليظ، اذا زار بغداد العباسية، فانه يزورها زيارة حرامي، كلب ابن سطعش كلبة، ولا تدري الحكومة بميقات نزوله من الطيارة، حتى يصير بباب سفارة أمريكا المحصنة في المحمية الخضراء. لقد شفنا في العراق الأمريكي، ما لم نشفْ من قبل، فثمة رجل دين يمتعض منك ان رأى محبس ذهب يلصف فوق خنصرك، لكنه يتزوج متعة أو مسياراً، ويدخل طرفاً فاعلاً في صفقة مريبة، ويفتي ويضلل، ويسكت عن الحقّ، ولا يريد للناس أن تسميه شيطاناً أخرسَ. مثل هذا، ثمة شيخ عشيرة وشاعر وكاتب وفنان، صارت البلاد عندهم عزيزة مثل معاش أخير الشهر الدسم. في بغداد، تنعقد هذه الأيام والشهور، ملتقيات دينية وسياسية وثقافية، يأتيها الزوار المتقاعدون الذين هم من صنف على باب الله من كل بلد بعيد ولصيق، فيسكنون فنادق فخمة حلوة نظيفة مريحة، فيها ساخن الطعام وطيّب الشراب، ويظلون على هاي الحال حتى ختمة الملتقى بليلة دسّ الخرجية في الخرج. الحكومة ذكية ولوتيّة وفهلوية وحيّالة، اذ تُبقي ضيوفها الخدرانين، في بطن الفندق الجميل، ولا تريهم من المدينة شارعاً أو سوقاً أو كراجاً أو حارة، لأن الفندق فقط، نظيف ويرفع الرأس، وباقي المدائن، وسخة وعليلة ومخجلة وتسوّد الوجه. تفووووووو على أمريكا اذن.
/4/2013 Issue 4491 – Date 30 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4491 التاريخ 30»4»2013
AZP20