مكاتيب عراقية ـ ألبوم صور عتيقة ـ علي السوداني
عندي ألبوم صور من الصنف الفاخر. غلافه معمول من جلدٍ صرف. ألجلد أصلي ومتين، وقد تكون موقعة صنعه، نامت على قتل خمس حيّات صغيرات، أو فرخ تمساح مستهتر. ما هو نابتٌ في مخيّلتي الحارّة، هو أنني كنتُ ابتعتُ هذه التحفة النفيسة، من مؤخرة سوقٍ عتيقة، ما زالت قائمة على بعض عافيتها، برصافة بغداد العباسية، اسمها سوق هرج الميدان. أيّامها لم يكن عديد الصور خاصّتي، يُكرهني على اقتراف هذه الشروة التي كانت ببيتنا، واحدة من اشارات البَطَر المبكّر. لا أذكر تماماً رقم الدنانير التي دسستها بكفّ البائع المتحمّس، لكنْ ما أحفظه عن بطن قلب، أنها كانت مستلة من زمانٍ، كان بمقدورك أن تذبح فيه، طيراً هرفيّاً، بوساطة حدّ دينارٍ رافدينيٍّ ماجد. ليس من المفيد الليلة، أن أحدّثكم عن حدوسي العظيمة، في قنص نفائس الهَرَجْ، لأن الأمر سيصير مثل حشوة فائضة من جسم النصّ، أو هو شمرة غير موفقة خارج المتن. أحتاج الكثير من التركيز والتبئير، كي تبقى الموقعة، تلبط في تجويف الرأس، كما طعمٍ مخمّر. من ضلع الحقّ، عليَّ أن أخبرَكم بأنَّ جلد الألبوم، ما زال يلصفُ، مثل أسِّ قصيدة استثنائية. سأكذبُ عليكم وعلى نسوانكم، ان كتبتُ الليلة، أنّ بمستطاعي استعادة وجه الكائن البائس، الذي قنصتُ من بسطته، تلك الأنتيكة البديعة. مرّتْ على تلك العصرية المبروكة، ثلاثون ثقيلات دبقات، نمْنَ على سبعين معركة وموقعة. ثمة ما قد ينفع في انماء صدقية الحدث، ولا ضير الآن من رَسْمهِ. كان هذا حدث عند عتبة عصرية مبهجة من عصاري بغداد الحلوة، لا شتوية ولا صيفية. قلتُ أنَّ وجه البائع الحميم، قد طار من رأسي الآن، لكنني سأكون صادقاً أميناً انْ تذكّرتُ منظر الرجل، وقد تقمّطَ جسدهُ المهزول، ببنطلون كاوبوي أزرق محكوك، وجاكيت مشتقّ من لون الكركم. تشكيلة اللباس، كانت توحي بوسامة منطفئة، ومن هذه اللمعة المباغتة، صار تحت يميني تذكّر أنَّ شاربه، لم يخرج أبداً عن حدّ المنخرين الراقيين، اللذين شكّلا والشارب، قطعةً فنيةً نقيّة. كنتُ أراه كهلاً، وكان يراني غضّاً. قد أصدّق اللحظة هذا الاستنتاج القويّ، وربما أضفتُ اليه بشكٍّ قليل، أنَّ شعر الرجل كان حنّيّاً باهتاً، لكن سيكون من الصعب، اعادة تظهير لون قميصه، أو الشال الملفوف على رقبته الساكنة. سأهجر الرجل قليلاً، وأذهب صوب بطن الألبوم. أقصد ألبومي العزيز الذي اشتريته قبل ثلاثين، من سوق هرج الميدان، وأرجع الى تقليبه كلما ضاق الصدر، واشتهت النفس، بكائية جاهزة، لا تكلّف عيناي الّا وسعهما. في جوف الكتاب الثمين، نامت مائتا صورة وصورتان. هذا الرقم صادقٌ جداً، ولا صلة له بخديعة موسيقى اللغة. أللعبة اللذيذة، تكاد تحدث كلَّ أوشال سنة. أفتح الألبوم على بحر شدقيهِ، فأرى الى حشد الصحب والصويحبات، منهم من كان يضحك بقوة، ومنهنَّ من كفّنتْ وجهها، بمقترح ابتسامة مقموعة. يزداد مطر الاثارة رشقاً، مع كل صفحة مقلوبة، وتذهب اللعبة شطرَ باب الأسئلة المدوّخة، اذ أنَّ أزيد الموتى سيسقطون من الصور المطقوقة بالأبيض والأسود، أما صحب الصور الملونة، الذين بانت أسنانهم من قوة الضحك، فانَّ أزيدهم ما زال مسجلاً في دفتر الكائنات الحية. لديَّ رغبة ملحاحة بالعودة الى كائن سوق هرج المسالم. ثمة تظهير مدهش في الصورة المستعادة. كان اسمه سعدون اليتيم، وكان قبل البسطة، يشتغل نادلاً بمقهى صغيرة، مالكها يشبه أنور السادات. قميصه أحمر ساخناً. أعني قميص سعدون. شال الرقبة أخضر تماماً. ثمة عرجٌ بائنٌ استضافته ساقه اليمنى. ربما تذكار حرب. كانت المقهى مدقوقة على يسار الشارع، بمواجهة قبرٍ مبروك. ذاكرتي تشتعل. شكراً يا يحيى وقد أخذتَ الصورة بقوة. كونوا بعافية.
AZP20
ALSO