مكاتيب عراقية طالب طلَبَ طبولَنا

مكاتيب عراقية طالب طلَبَ طبولَنا
علي السوداني
وهذا واحدٌ من الجوّابين المشّائين الحارثين الشوارع والحارات، تأتيك موسقة صفّارته قبل مدفع الإفطار، بساعة رزق حلال. أظن أن الناس ببغداد، يسمّون آلته التي تموسق قلوب الصغار الأغضاض الماصولة وقد تحرّفها بعض ألسنتهم، فينحتونها على بناء المذكّر. هو بائع شَعر بنات وقد قنصتْه عينايَ هنا، في غير عصرية وعصرية، حتى كاد قلبي الرهيّف، يطير من عصف الحنين، فوجدتني أتفتّل قدّام الكبدين، نؤاس وعلي الثاني، تفتّلَ الآدمي، إذ يقرأ ويتصوف ويرتّل ويجوّد، ما تيسّر من بطن ذاكرته الطامسة شَعَر بناتْ، وين أولّلي، وين أبات. أبات بالدربونة، تاكلني البزّونة. أبات بالمحطة، تبكي عليَّ البطة. أما شعر البنات، فهو مطعوم طيّب ومدهش بعيون الأطفال، وينتج من مادة السكر، بعد طحنه وإسالته وتنكيهه وتفكيهه، بمطيبات وملونات، ثم تسليكه وتمريره، عبر ماكنة، لم أتيقن من شكلها، لكنها ربما تشبهت بماكنة غزل، تحيل الناتج الى خويطات رفيعة، أرفع من خيط البكرة والكنديرة، وعندما ينضج الغزل ويكبر، يصار الى لفلفة بعضه، فوق رأس عود خشبي، فيتكوّش، فتشبه كوشته، كوشة البنات الحلوات، ومن هذا الزاغور، انولدت تسمية حلاوة الأول الإبتدائي هذه. ثم انت على ميعاد آخر ــ رعاك الله وعافاك ــ مع واحد من الجوّالين الجوابين الدوارين في الأزقة وفي الحارات، هو الرجل حامل الطبل الذي تسميه الناس، المسحّراتي، أو أبو الطبل، وهذا الكائن الحميم، يأتيك مطلع زمان السحور، فيشلعك من قعدتك، صحبة الولد نؤاس، وبذيلكما الولد علي الثاني، الذي نسي نعله من قوة الفرح، فتحيطون بالرجل، فيرشّ قرعاته وتنغيماته وطقاطيقه على رؤوسكم، بركة وعافية، وما يكاد يهجر موضع انشتالكم، مبعدة زخة ضربات فوق خاصرة الجلد، حتى يشرع الولدان بمفتتح لعبة كل سحور، فيرجمانك بسبعين سؤال وسؤال، عن الشغلة والشغال، فتأتي بهم على الطبل الذي هو من جنس الطبلة والزنبور والدفّ، وله مشتركات مع الزنجاري والجمبارات وطقّ الإصبعتين، وبعد ثلاث هنيهات وسعلة واحدة، تتعيقل وتتخيلف، وتفرش قدام هذين الشيطانين المشاكسين، ورقة مستلة من دفتر القراءة الخلدونية التي ما زالت تخزن في جبّها، جملة ملتبسة تقول طالب طلَبَ طبولَنا، وحمداً لله الجميل، أنهما لم يسألا عن سرّ ذاك الطلب العجيب. ولكي ينزل الأكل والشرب ببطنك، هنيئاً مريئاً سحوراً، عليك أن تقيم فوق السؤال سؤالاً، فتحدّث منصتيك، عن طبل الحرب، وطبلة الأذن، وطبلة سمّاعة الراديون، وطبل العرس الذي قيل في ضاربه المتحمس الجاد المجيد القوي، ان ضربه كضرب واحد طبلجي والعرس لابنه وما زلت أنت والعيال، تتراميان في لجة من عجب وضحك ودهشة، حتى تفزّ فزّة ميت بحلق قبر، فتجد صدرك، وقد أصابه سهم السؤال الأخير من أي شيء يُصنع الطبل؟ فتتشاطر عليهما، وتلصمهما بأن الطبل وعصاه، ينصنعان من الخشب، فيعيدان رميك بأس سهم جديد انما قصدنا يا بابا، تلك المادة الملصوقة على دوّيرة الخشب، فتتذاكى وترميهما بضباب الجواب، اذ المادة هي من جلد الحيوان، فيسألانك عن اسم الحيوان، فتعصر مخّك لتخرج منه جلد حيوان مكروه، وتخبرهما بأنه الأسد، فيبدي الولدان قهراً شديداً على الأسد، فتستبدله بالزمال، فتتدامع مقلتاهما، فتستبدل الزمال بالخروف، فتطفر الدمعات السواخن، فتسكت وتصفن وتتناوح، لكنك لن تجرؤ أبداً، على إسرارهما، بأن جلد الطبل، انما يصنع الآن، من جلد الإنسان. شكراً كثيراً. روحوا ناموا.
/8/2012 Issue 4277 – Date 14 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4277 التاريخ 14»8»2012
AZP20
ALSO

مشاركة