مكاتيب عراقية

مكاتيب عراقية
طوبة حب بين العراقية ودولة القانون
علي السوداني

وهذه ليلة من ليال لا شبيه لها . سلة من العلل استضافها جسدي. زكام ورشح وصداع وسخونة. صنعت لي ايمان الحبّابة، صحن شوربة عدس، تبعته بحبّاية نشلة، وحبة اسمها “يرفين” تجعلك تعطس ثلاث مرات كل نصف دقيقة، بدلاً من سبعين عطسة قد تزعج جارك الطيب، فيقفز الي مخفر شرطة رأس الشارع، بداعي دعوي قضائية عنوانها “إزعاج متعمّد” عاونتني شوربة العدس، وحبوب اليرفين علي نومة مستعجلة، حيث كنت علي ميعاد مبروك مع أول حلم . أنا الآن في ملعب الشعب الدولي برصافة بغداد ــ في الحلم طبعاً ــ ومعي أخي وابنه وابن خالي كريم، ننطر مباراة قوية، ستقع بين فريقي الزوراء والقوة الجوية. الملعب غاص ممتلئ ولا محطّ رجل . نزل الفريقان المنتظران، فقامت الناس علي حيلها تهتف وتصفق وترقص، لكن، لا الزوراء نزل، ولا الجوية وصل. نحن الآن نتفرج علي فريقين، واحد اسمه فريق القائمة العراقية بقيادة الكابتن إياد علاوي، والثاني هو فريق دولة القانون ويقوده الكابتن نوري المالكي. هنا، تبدلت بوصلة هتاف الرعية، فأجواق محتشدة علي اليمين، تتمايل وتهتز وتؤدي بصوت اوبرالي واحد ” إخوان سنّة وشيعة، هذا الوطن ما نبيعه ” أما الأجواق التي تحتشد في الجانب الآخر من الملعب، فلقد فضّلت طقطوقة سبعينية حلوة منسابة من حنجرة أحمد الخليل، وواقعة دعش آذار، ومطلعها الواثق يقول “هربشي كردي وعرب رمز النضال” أما أنا، فلقد اندسست في قلب جوقة ملونة من عتاة البزّاخين، وقدتهم صوب هوسة “عرب وين، طنبورة وين”. كان المنظر ينقّط محبة، اذ تبادل الكابتنان، واللعيبة، باقات الورد الجوري، وبدا أن التواضع والتنازل هو سيد المشهد، اذ وافق إياد علي منصب حراسة مرمي العراقية، وفعل مثله نوري، حتي انتهت المباراة بخمسة أهداف للعراقية، مقابل أربعة لدولة القانون . وإفراطاً في الحب وفي الشراكة، تبادل الفريقان، الفانيلات والشورتات واللابجينات والجواريب والبوسات الساخنات، في منزع لم تشهده من قبل، كل أرض الله الواسعة . في أول محاولة لترك الملعب، تزحلقتُ بقشر موز صومالي، فسقطت من علي سريري، لأجد ايمان مزروعة فوق رأسي وهي تبسمل وتصيح ” اسم الله الرحمان حبيبي ” نهضت من كبوتي، وقلت لها إنني بخير، وعدت الي غطة نوم جديدة وحلم ثان . زبدة الحلم هي، إنني رأيت طابوراً من رجال ونساء وأطفال، أشكالهم من الأفرنجة، زرق العيون، يمتدون من لوية حافظ القاضي، وينتهون في حلق أورزدي باك الرشيد، فسألت مجاوري عن المسألة، فأجابني إن هؤلاء، هم لاجئون أمريكان تم توطينهم ببلاد الرافدين، وهذه ظهيرة تسلمهم، طعام الحصة التموينية. ضحكت واستغربت واستنكرت، وسألته عما جري لدولة أمريكا العظمي؟ فأجاب الرجل الصبور، بأن تلك البلاد قد وقعت فريسة غزو همجي من كندا المتغطرسة شمالاً، ومن المكسيك المستهترة جنوباً، وأن العائلة الأمريكية الآن، لا تكاد تتدبر خبز عيالها، والكهرباء، أربع ساعات باليوم، والحرب الأهلية قد اشتعلت بين السود والبيض من جديد، ونسوة واشنطن يفترشن الآن، محيط الجامع الحسيني وأرصفة سقف السيل بعمّان، وهن يعرضن بضاعتهن الرخيصة، من سكائر مهربة حتي مناقيش صيد الشعرات الناطة من ظلمة الخشم، ما أجبر تالياً، جلّ أدباء وفناني ومبدعي تلك البلاد، علي هجرها، وقد لا تصدقني ان قلت لك، إن روبرت دي نيرو وآل باتشينو وأنجلينا جولي وجوليا روبرتس وداستن هوفمان وتوم كروز وكيت هادسون وجورج كلوني وأوبرا السمراء، وبراد بيت وسلمي حايك وستيفن سبيلبرغ وإيدي ميرفي وميريل ستريب، وآخرين من صفوة فناني ومبدعي أمريكا المحتلة، يقيمون الآن بدمشق الشام، يتلفون ظهيراتهم، باللغوة ولعب الطاولي، والتنكيت مع أبي حالوب لبيد، وشفط الشاي والنومي حامض، علّ الحظ، يبتسم بوجه واحدهم، فيحصل علي دور ثانوي في الجزء السابع من الملهاة السورية الشهيرة ” باب الحارة “، فإن لم يحدث هذا، نهض الجمع، وتداحسوا بسيارة كيّة تشتغل علي خط باب توما، ومنتهاهم سيكون ببطن حانة البلور، حيث عرق الريّان الرخيص وأغنية سومرية بديعة بصوت نسيم عودة، أدمنت علي سماعها، الممثلة المثيرة أنجلينا جولي: يا هلا بحلو المعاني، مرحبا بعمري وزماني، شوفتك ردّتلي روحي، جيّتك شدّة أغاني!!

/2/2012 Issue 4116 – Date 7- Azzaman International Newspape

جريدة «الزمان» الدولية – العدد 4116 – التاريخ 7/2/2012

AZP20
ALSO