مقاهي بغداد أيام زمان
من إستراحة التجار إلى مصدر عيش المطربين
علي الموسوي
اشتهرت مقولة لاحد الرحالة الغربيين وقد زار بغداد ذلك الزمان..تقول : ” في بغداد ، بين كل مقهى ومقهى يوجد مقهى ” . يبدو ان اول مقهى تأسست ببغداد كانت من حوالي خمسمائة سنة ، وأول مرة وردت كلمة مقهى في كتاب ” كلشن خلفا ” لمرتضى نظمي زادة. كانت مقاهي القرون الماضية للراحة وشرب الشاي والقهوة وأحيانًا تعقد صفقات تجارية..اما في القرن العشرين، تكاد المقاهي ان تنقسم الى ثلاثة أنواع ، هي:
-مقاه الأدباء والشعراء ورالمثقفين وطلبة الجامعات.
– مقاه التجار ورجال الأعمال والوجهاء .
– مقاه العابرين كما ان هناك مقاه المحلة..وتسمى احيانا ” گهوة الطرف ” وهي كثيرة جدا..انا سوف اختار عددا من كل نوع ، والاختيار يكون على أساس الشهرة وأسبابها .
أ- مقاه الأدباء والشعراء والمثقفين وطلبة الجامعات :
1- مقهى البلدية : أنشأتها بلدية بغداد في العهد العثماني، والمقهى ملك لأمانة بغداد.يقع المقهى قرب وزارة الدفاع .اغلب رواده من المثقفين والأدباء والشعراء، وقلما تجد بين روادها من لايحمل كتابا او مجلة..او في جيبه قصيدة جديدة.
2- مقهى المعقدين : او مقهى ابراهيم ابو الهيل. يقع في اول فرع من جهة اليمين في شارع السعدون . رغم صغر حجم المقهى الا انه اشتهر برواده المثقفين والشعراء خاصة جيل الستينات والسبعينات ، وكــــــثيرا ما تتردد اسما ء سارتر. والبير كامو وسيمون ديبوفوار وهيجل ورامبو وكولن ويلسون..
3- المقهى البرازيلية : نسبة الى البن المستورد من البرازيل والذي لا يقدم غيره . يطلق عليه احيانا المقهى الارستقراطي لاختلاف ديكوراته ومقاعده وأجواءه القريبة الشبه بمقاه أوروبا . من رواده ، عبد الوهاب البياتي ، بدر شاكر السياب ، جواد سليم ، فارق حسن ، جبرا ابراهيم جبرا وكثير من الأدباء والأساتذة .
شعراء وادباء
4- مقهى حسن عجمي : تأسس سنة 1917. اغلب رواده الأدباء والشعراء ، بحيث انك اذا رغبت بمقابلة احد كبار الشعراء والأدباء فما عليك الا ان تسال عنه في هذا المقهى، الذي اشتهر بالسماورات الروسية الضخمة النادرة المزينة بصور القياصرة ، بالإضافة لسجاد الكاشان العجمي الفاخر الذي يغطي الأرائك ومعلق على الجدران .
5- مقهى البرلمان : يقع مقابل جامع الحيرخانة ، مقهى واسع ومهيب بواجهته الزجاجية الكبيرة. اشتهر المقهى بشرائه المعيل وشاي الحامض. توزع الجرائد على الراغبين بقراءتها مقابل عشرة فلوس…ارتاد المقهى كبار الشعراء مثل الجواهرجي ومحمد باقر الشبيبي ومصطفى جمال الدين ، ومن السياسيين فؤاد الركابي وشفيق الكمالي وعلي صالح السعدي وسعد قاسم حمودي وسليمان العيسى وسعدون شاكر وصلاح عمر العلي وغيرهم .
6- مقهى الزهارين : تأسس سنة 1917 باسم مقهى أمين، على اسم صاحبه، ثم صار يعرف بمقهى الزهراوي ، بعد ان اتخذه الشاعر جميل صدقي الزهراوي مجلسا له . في هذا المقهى التقى الزهراوي بشاعر الهند الكبير طابور ، كذلك التقاه في هذا المقهى الباشا نوري السعيد. ومن طرائف الزهراوي انه اذا أبدى احدهم اعجابه بشعره ، صاح الزهاوي على صاحب المقهى..عند خروج الرجل : أمين لا تأخذ فلوس الچاي ..! ارتاد المقهى رؤساء وزارات واعيان ونواب وتجار ، وشعراء عرب مثل احمد رامي ونزار قباني..بالإضافة للجـــــواهري وعبد الأمير الحصيني..وحتى عبد الكريم قاسم .
7- مقهى عارف آغا : يقع في منطقة الحيدرخانة، مقابل مقهى الزهاوي. كان هذا المقهى ملتقى لكبار موظفي الدولة والصحفيين الساعين لاصطياد اخبار الدولة ودواوينها وما يجري وراء الكواليس. اتخذ الشاعر الرصافي هذا المقهى مجلسًا له ، وارتاده كبار الساسة ورجال الدولة مثل ياسين الهاشمي وحكمت سليمان..ومن الصحفيين نوري ثابت وعادل عوني ويونس بحري وفي جانب الكرخ، قرب جسر الشهداء، على نهر دجلة مباشرة يقع:
8- مقهى البيروتي : نسبة لمالكها الأصلي ابراهيم بيروتي. كان رواد المقهى من التجار ووجهاء. المنطقة ولهم ركن خاص بهم..عند مدخل المقهى وقرب صاحب المقهى، وجماعة الشعراء والظرفاء من أهالي الكرخ مثل ملا عبود الكرخي وحمودي الوادي وتوفيق الخانچي ومحمد سعيد الحبوبي والحاج محمد مكية ويوسف العاني، وفي هذا المقهى بدات صلتي بالمقاهي وانا فتى معي كتبي ومجموعة من أصدقاء المحلة ،نذاكر ايّام الامتحانات. اذكر ان دعبول البلام كان يأتي المقهى احيانا وهو سكران كالعادة، يقف أمامنا يغني” ويطك أصبع، ويهز رگبه ” ء..فيجيء اليه حسون بيروتي قاءلا له. : ” دعبول خللي الولد يدرسون ” فيرد دعبول ضاحكًا ” من طيزي راح ينجحون ” .في شهر رمضان تجري مسابقات لعبة ” المحيبس ” بين فريق الشواكة باب السيف وفرق المناطق الأخرى ..والرهان عادة ..( صينيتين بقلاوة من محلات الحاج جواد الشكرجي ) القريبة.
اشتهر بداية الستينات ” الچايچي ” شريف..الذي يرفع عدة ” إستكانات ” في يد واحدة والسيارة لا تفارق فمه ،ومن الغريب ان شريف الچايچي (أعوص العين..اجلگها ) الا انه يعرف ماذا شرب وماذا طلب كل زبائن المقهى وعددهم بحدود سبعين او ثمانين، فما ان يهم احدهم بمغادرة المقهى..يصيح شريف من مكانه : ” چايين وحامض ” ..الذي اساء للمقهى في فترة ما هو وجود ركن في نهاية المقهى للعب القمار وكان ابراهيم بيروتي على راس المقامرين ! الا ان هذا توقف حين استلم حسون بيروتي إدارة المقهى.. وفي الكرخ ايظا اشتهرت مقاه مثل :
9- مقهى جزيرة العرب : في منطقة علاوي الحلة..مقهى كبير يرتفع عن الشارع بأكثر من متر..لذلك ونحن صغار كنا نشاهد فقط أغطية الراس ء” العگل” يلتقي فيه شيوخ عشائر وسراميل وتجار.
توزيع الشاي
10- مقهى ناصر حكيم : ايضا في علاوي الحلة،قرب سينما بغداد. كان بداية بالشراكة مع حضيري ابو عزيز ثم انفصلا وصار لكل منهما مقهى باسمه. رأيت ناصر حكيم يوزع الشاي بيده على رواد مقهاه والسيجارة لا تفارق فمه. كان ابنه كاظم صديقا لأخي ..وهو اكثر من عرفت تأخرًا في الدراسة بحيث انه قضى عدة سنوات في نفس الصف..لكنه حين يحتاج فلوس ،يحمل معه عدة كتب تحت إبطه ويدخرالمقهى.. وما ان يراه والده ناصر حكيم حتى يهش ويبشر وتنفرج أساريره قاءلا : هلا بويه كاظم..ها شلونك بالدراسة.. يرد كاظم زين.. ثم يطلب نقودا لشراء كتاب ..فينقده الوالد عدة دراهم..تسهل لنا دخول السينما مع لفة ابيض وبيض..!