مقاربة تعديل الدستور – علي الشكري

مقاربة تعديل الدستور – علي الشكري

مذ ولد أول دساتير العراق غير المؤقتة في العهد الجمهوري سنة 2005، والسجال قائم بين الساسة ، والمثقفين ، والمتخصصين، ومعارضي نظام الحكم الجديد ، الجميع يأن ويهاجم ويُحمّل الدستور الجديد مسؤولية كل ما لحق بالوطن من خراب على مستوى العمران والمدنية والتعليم والصحة والثقافة ….. واذا كانت مناصبة المعارض المتضرر من منظومة الحكم الجديد العداء للدستور مفهومة معلومة ، فإن مهاجمة المتخصص له غير مفهومة ، فحريته الأكاديمية مشرعة ، وبحثه حر ، ونقده لاذع ، ومهاجمته للحاكم بدرجاته متاح ، وسفره مطلق ، وتظاهره مكفول .

ليس من الدساتير من لا يحتاج للتعديل ، فكل مصنوع بشري قاصر وإن بعد حين ، فالدستور نص وروح وحالة ومعالجة ، وقصوره متوقع أحياناً حين الصناعة وبث الروح فيه ، بفعل استحالة الإحاطة ، فضلاً عما يستجد لاحقاً ، فالحاجة للتعديل أمر مفروغ منه في كل البلدان والدساتير ، فليس من بين الدساتير الكامل المتكامل وإن افترضنا ذلك جدلاً حين الولادة ، لكن القصور اللاحق مفترض مفروغ منه .

ولد دستور سنة  2005وفرضية قصوره قائمة ظاهراً ، بدليل نص المادة (142) منه التي توجب تشكيل لجنة للنظر بتعديل الدستور خلال مدة لا تتجاوز أربعة اشهر من بداية عمل مجلس النواب بدورته الأولى ، تقدم توصيات بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور ، ويقيناً أن هذا النص كان مفروض من قبل ممثلي طائفة هددت بمقاطعة التصويت عليه أو التصويت عليه بالرفض ، ليس بفعل القصور النصي ، وهذه حقيقة ثابتة وليس تأويل أو تصور أو تكهن ، لكن ذلك يقيناً لا يعني القطع بكمال الدستور وتكامل نصوصه.

يعيب الغالب على دستورنا طابعه التوافقي ، ومن يوجه سهام نقده لهذا الطابع يغفل أو يتغافل بالقطع أن أس العقد الاجتماعي في العراق بعد سنة  2003هو توافقي ، ونسفه يعني نسف أس العملية السياسية الجديدة ، التي ساوت بين مكونات الشعب بالدرجة بعد أن قسّم النظام السابق الشعب الى درجات ، معتمداً معيار القومية والطائفة ، من هنا ليس أمام متخذ القرار السياسي اليوم الذي لا يؤمن بالتوافقية خيار الا إنهاء حقبة سياسية ، وإسقاط منظومة سياسية ، وفسخ عقد اجتماعي ، ولهذا القرار يقيناً تبعاته وقراراته الكبيرة ، إذ أن واحدة من سيناريوهاته التقسيم والتجزئة على أساس الإقليم أو الطائفة أو القومية ، فليس من المكونات الرئيسية الثلاثة الأساسية من هو على استعداد لأن يفقد امتيازاته في المناصب السيادية ، أو يكون تابع وغيره متبوع ، فالتحول مثلاً من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي كما يطالب به البعض يقتضي عقد اجتماعي جديد ونظام سياسي مغاير يقيناً ، بلحاظ أن التحول من النظام البرلماني الى الرئاسي يعني بالضرورة رئيس جمهورية بصلاحيات تنفيذية مستحوذة ، ووزراء اتباع لا شركاء في القرار ، وغياب للمنصب التنفيذي الأول في النظام البرلماني ، ومجلس نواب منكفأ على صلاحياته ، منقطع الصلة بالسلطة التنفيذية ، إذا افترضنا نظام رئاسي بقواعده ، لا مهجن ولا مشوه ولا توافقي منحرف.

تأسيس دستوري

ولو افترضنا تأسيس دستوري صحيح ، فمن سيكون خارج التقاسم السيادي ؟ وهل سيُسمح للمكون الاجتماعي الأكبر أن يكون المستحوذ على رئاستي الجمهورية ومجلس النواب ؟ بلحاظ أن الرئيس في النظام الرئاسي لابد أن يكون منتخباً من قبل الشعب بصورة مباشرة ، وتكون رئاسة المجلس النيابي للمكون المستحوذ على العدد الأكبر من المقاعد ، وهو ذاته الذي ستكون له رئاسة الجمهورية ، وهو ما يعني ابعاد مكونين من التصدي السيادي بحكم الدستور لا رغبة بالإقصاء ، وبمثل هذا المنطق ، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها العراق منذ سنة 2003، هل من المتوقع أن يستقيم أمر الشأن السياسي ؟ وهل سيحقق النظام الرئاسي الاستقرار المنشود ؟ وهل سيشترك شركاء الوطن بهذه المعادلة التي لا تؤمن لهم الشراكة في الإدارة والقرار ؟ وهم الذين يرددون بمعادلة الحكم القائمة ، أنهم يسعون للشراكة لا للمشاركة.

وامام هذا الواقع لا يبقى الا اللجوء الى تعديل الدستور ، وفي هذا الفرض لن يكون الطريق ميسّر

، بلحاظ أن التعديل يعني ضمناً تعديل العقد الاجتماعي التوافقي ، وهو ما يقتضي بالضرورة التوافق وإلا لن يمضي ، ليس بلحاظ المشترط في المادة (142) فقط التي توجب لمضي التعديل عدم رفضه من قبل ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات ، ولكن لحساسية الموضوعات التي تستوجب التعديل ، كتلك المتعلقة بإدارة الثروات ، وتنظيم علاقة المركز بالأقاليم ، واعلوية القانون في حالة الخلاف بين قوانين الاتحــــــاد والأقاليم.

وللموازنة بين الحاجة الماسة لكسر هاجس الاعتقادباستحالة تعديل دستور سنة 2005، وبين حساسية موضوعة التعديل أصلاً ، كونه يمس أس العقد الاجتماعي الذي تبانى عليه الشركاء ونهضت عليه العملية السياسية ، نرى الشروع بتعديل النصوص التي لا تثير الخلاف وربما المتوافق على تعديلها ، كتلك المتعلقة بتحديد عدد أعضاء مجلس النواب ، وانتخاب المحافظ من قبل شعب المحافظة مباشرة ، وتنظيم احكام مجلس الاتحاد في صلب الدستور على نحو يشترك مع مجلس النواب في ممارسة بعض الصلاحيات ، وتعديل النصوص المنظمة للمحكمة الاتحادية العليا بتحديد عدد أعضائها ومدة ولايتهم ، وتحديد أجل زمني لتشريع القوانين التي نص الدستور على تنظيمها بقانون صراحة ، وفرض الجزاءات الصريحة على السلطة التي لم تلتزم بالمدد والآجال الزمنية لإنفاذ التزاماتها الدستورية ، كحل مجلس النواب إذا اخفق في انتخاب رئيس الجمهورية خلال المدة المحددة ، وانتقال الاستحقاق الدستوري بترشيح رئيس مجلس الوزراء الى الكتلة النيابية التالية  إذ أخفقت الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتحقيق التزامها الدستوري خلال المدة المحددة ، وتحديد مفهوم الكتلة النيابية الأكثر عدداً على وجه الدقة بنص الدستور  ، وتعديل آلية طلب حل مجلس النواب بالنص على صلاحية رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء مشتركاً بحل مجلس النواب دون الحاجة للتصويت على طلب الحل من قبل المجلس ، مع المحافظة على حق الحل الذاتي للمجلس ، كوسيلة لإعادة التوازن بين حق مجلس النواب بحجب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء وإعفاء رئيس الجمهورية ، وبين حق السلطة التنفيذية في حل مجلس النواب ، ومثل هذا التوازن مطلوب مفترض في النظم البرلمانية التقليدية ، وإلا مالت الكفة لصالح السلطة التشريعية .

على ذلك أن إنفاذ نص المادة من (142) من الدستور اضحى ضرورة لا غنى عنها ، لتجاوز فكرة الجمود الكلي المطلق للدستور والتي راحت فكرة رائجة في أوســـــاط المتخصصين وغيرهــــــم ، لاسيما وأن المحكمة الاتحادية العليا قضت بموجـــب قرارها المرقم (  113) في 29 / 10/  2017باستمرار نفاذ المادة أعلاه بالرغم من اخفاق مجلس النواب في دورته الأولى من إنجاز التزامه الدستوري ، حيث اعتبرت المحكمة أن المدة الواردة في المادة (142) مدة تنظيمية لا مدة تقادم .

تعديل الآليات

إضافة الى أن التعديل الأول للدستور يعني الانتقال من الآلية الاستثنائية للتعديل الى الآلية الاعتيادية في المرات اللاحقة ، وهو ما يعد عنصر هام لاعمال الشرعية الدستورية الاعتيادية ، ويقيناً أن الآلية الاعتيادية للتعديل أقل تعقيدا من الآلية الاستثنائية ، وهو ما يعني أن التعديل سيصبح بالمتناول إذا ما اقتضت الحاجة الفعلية والضرورة ذلك ، وهو ما يحد من حلول المحكمة الاتحادية العليا محل الدستور في معالجة المستجد والقاصر ، بعد أن راح التعديل القضائي للدستور أمر مشاهد نافذ .

وأخيراً لابد من الإشارة الى أن التعديل لا يــــــعد ماساً بمهابة الدستور ومكانته متى كان ضرورة لمعالجة القاصر وملاحقة المستجد ، بصرف النظر عن المدة التي مضت على نفاذه ، فقد عدّل دستور الولايات المتحدة بعد ستة ساعات من نفاذه ، فتعديل دستور خير من نافذ قاصر عاجز .

مشاركة