معابد بغداد كانت خالية من الدعوات لاستيطان فلسطين وروادها اكتفوا بالتبرع لدعم الوطن الموعود
أهارون المعلم كان أكبر دعاة تهجير اليهود من العراق
وليد خالد احمد
حظيت الطائفة اليهودية في العراق باهتمامات متعددة تركز غالبيتها على النشاط الصهيوني بين يهود العراق وما تمخض عنه من نتائج تصب في خدمة المصالح الصهيونية، الا ان أيا من هذه الدراسات لم تنفرد في معالجة موضوع تهجير اليهود مفهوماً ونشاطاً وممارسة وتحليل جوانبه المتعددة التي مهدت لانهاء وجود هذه الطائفة بعد مضي اكثر من 2500 سنة، على وجودها في العراق. ويبدو ان الباحثين قد عدوا تهجير يهود العراق محصلة نهائية لتغلغل وانتشار النشاط الصهيوني فيه.
ووفقاً لذلك، كانت الرغبة العلمية الاكاديمية والوطنية حافزاً لتتبع الظروف والاسباب التي مهدت لتهجير هذه الطائفة. فلم يكن النشاط الصهيوني سبباً وحيداً دفع يهود العراق الى الهجرة. فالاستعمار البريطاني وخضوع حكومات العهد الملكي لارادته وفشلها بل تقاعسها في مواجهة محاولات الهجرة اذا لم نقل مساهمتها في هذا الامر الى جانب التدخل البريطاني والامريكي وتبنيها للدعاية الصهيونية المضادة للعراق في الخارج للضغط عليه في الاستجابة للمزاعم الصهيونية، كلها اسباب اسهمت في تهجير يهود العراق لتضيف دعماً بشرياً ومادياً للكيان الصهيوني المغتصب للحقوق العربية. ولم يكن الدور الايراني غائباً في إلحاق الاذى بالعراق والامة العربية من خلال دعمه وتشجيعه للهجرة غير الشرعية، واحتضان دعاة الحركة الصهيونية على الاراضي الايرانية دون اغفال الموقف السلبي للطائفة اليهودية المتمثل بعدم تمسكها بجذورها بل على العكس من ذلك استجابت وتفاعلت مع الدعوات الصهيونية.
ان الدراسة التي نحن بصددها، تناولت هجرة يهود العراق للمدة الزمنية المحصورة بين 1921 ــ 1952، حيث ان هذا التحديد يرتبط بما تشكله سنة 1941، من انعطافه تاريخية مهمة في طبيعة الاحداث المتعلقة بالتهجير، فتعد هذه السنة بداية التغيير في اسلوب ونهج الصهيونية في العراق بعد الفشل الذي اصابها بخلق رغبة ذاتية لدى الطائفة اليهودية في العراق لغرض الهجرة الى فلسطين، اذ كانت حصيلة النشاط الصهيوني لهجرة يهود العراق مخيبة لآمال الصهيونية، فقررت البدء باستخدام مفهوم الصهيونية القاسية الذي يؤكد على استخدام كل الوسائل غير المشروعة لدفع اليهود للهجرة الى فلسطين. اما عام 1952، فانه شهد آخر رحلة قانونية ليهود العراق توجهت الى الكيان الصهيوني بموجب اسقاط الجنسية عنهم الذي أقر في آذار» 1950.
ماهية الهجرة ؟
ان محاولة التعرف على فرضية ماهية الهجرة والتهجير ومفهومها بالنسبة للصهيونية العالمية، تتعدى حدودها المعرفية واطارها الزمني والفكري، كونها افراز للنشاط الصهيوني، ولا سيما في مجال تطبيقاتها وخاصة على يهود العراق لخلق استعداد جماعي للطائفة اليهودية لغرض تهجيرهم في الوقت المناسب.
فالحركة الصهيونية تنظر لمفهوم الهجرة على انه مفهوم مرن يمكن تفسيره وفق مصالحها واهدافها التي قررت تحقيقها على ارض فلسطين، فليس لجميع اليهود الاهمية ذاتها بالنسبة للصهيونية. ويتضح ذلك، من رغبتها وسعيها بتهجير من يبدي تعاطفاً مع الايديولوجية الصهيونية، وعلى اساس الانتماء العرقي فضلاً عن حاجة الكيان الصهيوني لاستقطاب فئة معينة لغرض سد النقص في جانب معين دون الالتفات الى فئات اخرى في اماكن متعددة حتى وان تعرضت لخطر يهدد وجودها.
ومن المعلوم، ان الهجرة اليهودية التي ما تزال تشكل لبنة اساسية للكيان الصهيوني، تعد المصدر الرئيسي للنمو السكاني فيه. وقد كانت الهجرة ولا تزال تمثل الامل الاوحد لوقف الركود السكاني الذي يهدد المشروع الصهيوني، لذلك تحتل الهجرة المرتبة الاولى في سلم الاولويات الصهيونية. فبعد قيام الكيان الصهيوني في 15» مايس» 1948، صارت الهجرة وظيفة من وظائف الامن والدعامة الكبرى لتحقيق الاطماع التوسعية وترسيخ الاغتصاب. فالهجرة هي مصدر مضاف لتعزيز القاعدة السكانية للاستعمار الاستيطاني المركز، ولارساء دعائم الوجود الصهيوني في ارض فلسطين استعداداً لتحقيق ما تبقى من الاطماع الصهيونية تجاه الوطن العربي، ويمكن القول بان الهجرة هي بمثابة مستودع يضخ بطريقة منتظمة لدعم الكيان الصهيوني في تنفيذ وانعاش وانجاح مشاريعه العسكرية التوسعية.
ويجب التأكيد ايضا على ان حرص الكيان الصهيوني على تهجير يهود الاقطار العربية عموماً والعراق على نحو خاص، يعد اختياراً مدروساً خضع لدراسة دقيقة لما يحققه من جدوى على المدى البعيد بالنسبة لمشاريع الكيان الصهيوني. فتهجير يهود الاقطار العربية كان عملاً ملحاً لخلق جدار محكم من العداء السرمدي بين الطوائف اليهودية العربية وشعوب الاقطار التي كانوا يعيشون معها لادراكهم ان هذه الشعوب سيبقى هدفها الوحيد تحرير الارض المقدسة فلسطين من براثن الاحتلال الصهيوني.
لم يكن يهود الشرق بما فيهم يهود العراق من اولويات الحركة الصهيونية التي تحولت الى منظمة سياسية عالمية بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897، ويرتبط ذلك بعدة اسباب، اهمها ان يهود الغرب كانت لهم الاولوية لقدراتهم وامكانياتهم العلمية والمادية المتفرقة على اليهود الشرقيين، فهم بذلك الاقدر على تحقيق طموحات الحركة الصهيونية. وفقاً للرؤية الصهيونية، والسبب الثاني، معارضة الدولة العثمانية للنشاط الصهيوني عموماً الى جانب عدم تجاوب اليهود لهذا النشاط ولتخوفهم من رد فعل السلطات العثمانية.
النشاط الصهيوني
في تهجير يهود العراق
تعود بدايات النشاط الصهيوني في العراق الى اواخر القرن التاسع عشر الميلادي بمبادرة فردية محدودة تبناها اليهودي آهرون ساسون بن الياهو ناحوم الملقب بالمعلم. الا ان هذه المبادرة لم تتعد حدود قراءة الصحف الصهيونية التي كانت تصل الى العراق من فلسطين والولايات المتحدة وبريطانيا. ويبدو ان النشاط الصهيوني في العراق كان اوسع من هذه المحاولة بدليل وجود ملف يحمل عنوان النشاط الصهيوني في العراق 1899 في ارشيف جمعية الاليانس الاسرائيلية في باريس، يضم بين طياته مجموعة حوادث بضمنها رسالة كتبها آهرون المعلم.
اهتمت الحركة الصهيونية العالمية بيهود العراق بعد انطلاقها في مؤتمر بازل، فقد حاول هرتزل بحجة الحصول على ارض صلبة يقف عليها، كسب الموافقة العثمانية لمنحه امتيازاً رسمياً لاستعمار صهيوني في العراق، فقدم ثلاثة طلبات بهذا الخصوص خلال عام واحد، لكن جميع جهوده باءت بالفشل ازاء موقف السلطان العثماني عبد الحميد الثاني المعارض للاهداف الصهيونية والذي لم يستجب للاغراءات المالية الكبيرة التي قدمها هرتزل.
هذا الاهتمام لزعيم الحركة الصهيونية هرتزل بالعراق الى جانب الدور المتميز الذي اضطلع به الشباب اليهودي بعد حصولهم على تعليم متطور في مدارس الأليانس في بغداد وانفتاحهم على اوربا، والتعرف على ما يجري فيها من تطورات واحداث في مجالات الحياة المختلفة، ووصول الصحف الصهيونية التي تصل من اوربا الى العراق والتي تحمل بين طياتها الافكار الصهيونية التي قربت المتغيرات التي تحدث في اوروبا الى العراق، وضع قاعدة لا بأس بها في ذلك الوقت للصهيونية لنشر افكارها بين يهود العراق.
ومع ذلك، لم يكن للنشاط الصهيوني المبكر في العراق وحتى عام 1919، اي أثر في هجرة اليهود الى فلسطين، بمعنى لم تكن هجرة اليهود بغرض صهيوني او مطمع سياسي، وما حصل هو بوازع ديني مجرد لم يتعد كونه عملاً خيرياً، وهم في هذا لا يختلفون كثيراً عن اي شخص يدين بدين ما يقرر زيارة رموزه المقدسة.
تمثلت الجوانب الروحية ليهود العراق تجاه فلسطين من خلال طقوسهم الدينية التي مارسوها في معابدهم دون تحميلها اي مدلول سياسي يسعى للهجرة من اجل الاستيطان على اساس ديني. فالذين كانوا يذهبون الى فلسطين لم يقصدوا بالضرورة الاستقرار فيها.
هاجرت اعداد مختلفة من اليهود العراقيين نحو بلاد الشرق مثل الصين والهند. وكانت تلك الهجرات في معظمها تجارية ودينية بحتة. فعلى الرغم من ابتعادهم عن العراق الا انهم واصلوا العيش متعلقين بالتعاليم والتقاليد البغدادية، ورغم انهم قد حققوا استقلالهم من الناحية الاقتصادية وجمعهم للثروة، الا ان ذلك لم ينسهم انهار العراق والمقدسات والاضرحة والكليات والمدارس والمثقفين والفقراء والمرضى والمحتاجين ومواطن الاباء والاجداد على نهري دجلة والفرات…. مما يدل على ان اليهود العراقيين كانوا يعدون العراق موطنهم ولا يسعون للعيش في مكان آخر حتى نفثت الصهيونية سمومها.
ان المتتبع لهجرة يهود العراق حتى عام 1919، يجد ان الذين هاجروا الى الهند والصين يفوق بكثير اولئك الذين هاجروا الى فلسطين، مما يؤكد ان فلسطين لم تكن هدفا وحيداً للهجرة ولا تشغل اهمية خاصة لدى يهود العراق، هذا اذا ما علمنا ان الانتقال اليها كان سهلاً لكونها تقع ضمن ممتلكات الدولة العثمانية. ولا تشير المصادر الى ان الذين قصدوا فلسطين من يهود العراق قد استقروا فيها نهائياً ولم تسجل الاحصاءات الخاصة بالمهاجرين الى فلسطين ليهود العراق اي نسبة الا بعد عام 1919، مما يؤكد ان الهجرة كانت محدودة جداً وفي حدودها الطبيعية وعلى نحو لا يختلف كثيراً عن هجرة العراقيين الآخرين من الاديان الاخرى. اما المصادر الصهيونية فتشير الى 3000 مهاجر عام 1919 وصلوا فلسطين، وهم من يهود السفارديم والشرق عموماً دون الاشارة الى جنسياتهم، وقد شكل يهود ايران واليمن الاغلبية الساحقة في هذه الهجرة، اما الذين قدموا من العراق فكان عددهم ضئيلا للغاية.
ما تذكره بعض الوثائق بخصوص عدد اليهود العراقيين الذين هاجروا الى فلسطين خلال المرحلة التي عرفت بالهجرة الاولى والثانية الممتدة بين عامي 1880 ــ 1918، فهي اعداد غير دقيقة ومبالغ فيها. فيذكر ان عدد اليهود الذين هاجروا حتى عام 1903 من يهود العراق هو 160 يهودياً و310 يهودياً للفترة ما بين 1904 ــ 1918، وهي الفترة التي تمثل الهجرتين الاولى والثانية باتفاق المصادر الوثائقية، وبذلك يكون مجموع من هاجر من يهود العراق خلال هذه الفترة هو 470 يهودياً على ادعاء هذه الوثائق التي اكثرها لا تملك احصائيات دقيقة عن المهاجرين من اليهود العراقيين، فكانت اشاراتها واستنتاجاتها مضطربة واضحة.
لم يواجه يهود الشرق عموماً خلال هذه الفترة اي صعوبة في الدخول الى فلسطين والاستقرار فيها لان يهود اليمن والعراق وكردستان الى جانب فلسطين هم رعايا دولة واحدة هي الدولة العثمانية، اما يهود ايران فكانت معاناتهم في ظل الحكم الفارسي قد دفعتهم للهجرة الى فلسطين للعيش فيها في ظل تسامح الحكم العثماني مع الاقليات الدينية غير المسلمة. وبذلك، يتضح ان ما تسميه المصادر بالموجة الاولى للهجرة اليهودية الى فلسطين 1882 ــ 1903 والموجة الثانية 1904 ــ 1918 لم تشهد هجرة تستحق الذكر ليهود العراق وكل ما حصل هو هجرة افراد معدودين لاسباب تجارية واقتصادية ولم يكن العامل الديني ــ السياسي حاسماً خلال هذه الفترة التاريخية. ساهمت بريطانيا بعد احتلال العراق ووضعه تحت انتدابها بنشر الدعاية الصهيونية وفسح المجال لتوسع النشاط الصهيوني بين يهود العراق بشكل عام وبغداد والبصرة بشكل خاص، وهما المدينتان اللتان تضمان نسبة كبيرة من يهود العراق. شهد عام 1920 تطورات مهمة في اسلوب النشاط الصهيوني في العراق. فقد اصبح آهرون المعلم موزعاً لصحيفة هاعولام الاسبوعية في العراق وتسلم ألف شيكل رسم انتماء للحركة، اقدم وحدة للتعامل النقدي استخدمها اليهود لغرض بيعها على يهود العراق حيث بدأت الاموال تجمع لـ كيرن هايسود ــ الصندوق التأسيسي اليهودي واصبح آهرون ممثلاً للمنظمة الصهيونية العالمية في بغداد ووكيلاً للهجرة الى فلسطين كما بدأ يهود العراق يتهافنون على شراء الاراضي في فلسطين.
يعد يوم 5» اذار» 1920، تاريخاً لولادة اول تنظيم صهيوني يمارس عمله بشكل علني في العراق عندما تمكنت العناصر الصهيونية من الحصول على موافقة المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس بتشكيل جمعية صهيونية رسمية وعلنية حملت اسم الجمعية الصهيونية لبلاد ما بين النهرين وحال الاعلان الرسمي عن تشكيل اول هيئة ادارية لها انضم الكثير من اليهود اليها بعد اجتيازهم الشروط الخاصة بقبول الاعضاء الجدد.
ترغيب اليهود
للسفر الى فلسطين
وعلى الرغم من قصر الفترة التي مارست فيها نشاطها العلني الا انها لم تتوان عن ترغيب اليهود للسفر الى فلسطين وتحريضهم على الهجرة اليها وشراء الاراضي فيها مما يؤكد الدور البريطاني ــ الصهيوني في دفع يهود العراق نحو الهجرة وممارسة النشاط الصهيوني.
عملت الحركة الصهيونية على ربط يهود العراق بها بمختلف فئاتهم وبشتى الاساليب في محاولة منها لايجاد صلة قوية بينها وبينهم وخلق الاستعداد لديهم لتهجيرهم الى فلسطين في الوقت المناسب، فبدأت بجمع الاموال منهم لمصلحة ال كيرن كايمت ــ الصندوق القومي اليهودي . وقد كانت الاستجابة في البداية كبيرة جعلتهم يحتلون المرتبة الرابعة عام 1920 من بين الدول المتبرعة والمرتبة الثانية عام 1921، بعد الولايات المتحدة الامريكية، وهذا يؤكد المستوى الاقتصادي العالي ليهود العراق مقارنة بيهود الاقطار العربية والاجنبية الاخرى.
ساعدت اوضاع اليهود الاقتصادية الجيدة وتطورها بشكل كبير اثناء الاحتلال البريطاني للعراق على المساهمة في اوجه النشاط الصهيوني المالية وربما كان هذا سبيلاً مقبولاً من يهود العراق للتخلص من الارتماء في احضان الصهيونية. لذلك رأت المؤسسات الصهيونية انه من الممكن الاعتماد على يهود العراق في مجال التبرعات المالية وليس في مجال الهجرة الى فلسطين بل حتى هذا المجال المالي اخذت العناصر الصهيونية تشتكي من عدم استجابة العناصر اليهودية له بشكل مقبول. اتخذت الصهيونية من النشاط الاعلامي وسيلة لاعداد اليهود صهيونيا لتهيئتهم للهجرة الى فلسطين، وتمثل هذا الجانب باصدار الصحف اليهودية التي تحمل توجها صهيونيا. وعقد المؤتمرات والاحتفالات الصهيونية ونشر اللغة العبرية، واستغلت دور السينما الصهيونية في العراق لتحقيق اغراضها لما لهذا القطاع من دور مهم في حياة اليهود الاجتماعية. عبَّر الشعب العراقي عن معارضته للحركة الصهيونية من خلال الصحافة في تصديها لهذا النشاط ومطالبتها بردعه ووقفه، وأخذ الرأي العام العراقي يستغل كل مناسبة ليعبر عن رفضه للصهيونية ومساندته لحقوق الشعب الفلسطيني في نضاله ضد العصابات الصهيونية في فلسطين. شهدت فترة النصف الاول من عقد الثلاثينيات، اجراءات حكومية جادة لمواجهة النشاط الصهيوني خصوصا ان اللجنة التنفيذية للمؤتمر الاسلامي العام المنعقد في القدس 7» ك1» 1931 ــ 17» ك1» 1931 حاولت لفت انظار الحكومات الاسلامية ومنها العراق الى مسألة هجرة اليهود الى فلسطين من خلال رسالتها التي وجهتها بهذا الخصوص اليهم في اختتام اعمال المؤتمر، بالاضافة الى ذلك شهد العراق خلال هذه الفترة تغيرات مهمة على المستوى السياسي بشكل خاص متمثلة بدخوله عصبة الامم في 3» ت1» 1932 فأصبح بموجب ذلك دولة مستقلة وتولى الملك غازي عرش العراق في 8» ايلول» 1933، وتنامي الوعي القومي لدى الشعب العراقي الى جانب تراجع مستوى الدعم البريطاني للنشاط الصهيوني. كانت الحكومة العراقية تدرك ما للمطبوعات الادبية الصهيونية التي تدخل العراق من تأثير كبير في انتشار الافكار الصهيونية بين يهود العراق، لذلك اصدرت وزارة الداخلية اوامرها في كانون الثاني» 1932 بمنع دخول نشرات الوكالة اليهودية بالقدس الى العراق، كما منعت كل الاعمال الادبية والعلمية الصادرة باللغة العبرية والانكليزية التي تخص الحركة الصهيونية من دخولها الى البلد واخذت الوزارات العراقية الاخرى تتعاون مع وزارة الداخلية في هذا الاطار.
وشددت السلطات العراقية مراقبتها على العناصر النشيطة في الحركة الصهيونية وابعدت قسم منهم خارج العراق لعل آهرون المعلم كان ابرز هؤلاء عندما قررت السلطات العراقية ابعاده في تموز 1935 لاستمراره بالترويج للافكار الصهيونية من خلال الدعاية للهجرة الى فلسطين بين يهود العراق. بفضل هذه الاجراءات المختلفة اخذت الدعاية الصهيونية بالانحسار على نحو كبير حتى عدت فترة النصف الثاني من عقد الثلاثينات فترة خالية من اي نشاط صهيوني يستحق الذكر. وبالرغم من ذلك، كان الدور الصهيوني واضحاً في دفع بعض يهود العراق للهجرة الى فلسطين، فقد كان وضعهم مستقراً ومزدهراً اقتصادياً وسياسياً فلم يتعرضوا الى ملاحقة او اضطهاد لاسباب دينية وفقاً لذلك فلم يكن هناك مبرر يدفعهم لترك البلاد، وهكذا فقد حققت الصهيونية نجاحاً محدداً في التغرير ببعض اليهود وتحفيزهم للهجرة. اجتمعت عوامل مختلفة لزيادة الهجرة اليهودية من العراق ابتداءاً من نهاية النصف الاول من عقد الثلاثينيات، فقد حاولت الحركة الصهيونية استغلال دور الجيش العراقي في القضاء على التمرد الاثوري واخذت تشيع ان هذا الاجراء هو فاتحة لاعمال اخرى موجهة ضد الاقليات في العراق لا سيما وان العراق اصبح دولة مستقلة ولم يعد خاضع للسيطرة البريطانية المباشرة. خضع عدد غير قليل من اليهود لهذه الافتراءات الصهيونية وغادروا العراق وعلى نحو خاص الاغنياء، ولكن ليس هناك دليل على ان وجهتهم كانت فلسطين. كما ترك عدد آخر من شباب الطائفة اليهودية العراق فراراً من الخدمة العسكرية الذي طبق على العراقيين جميعا في 2» حزيران» 1935. وهذا يؤكد ان تطور الوضع السياسي في العراق واستغلال الحركة الصهيونية لذلك وتفسيره وفقا لاهدافها قد ساعد في ترويع اليهود ودفعهم للهجرة.
لم يكن دعاة الحركة الصهيونية راضين عن يهود العراق لضعف توجههم الصهيوني لدرجة انهم عدوا كل مساهمة اقدم عليها اليهود سواء التبرع بالاموال بين الحين والآخر وشراء الاراضي في فلسطين لم يكن نابعاً عن قناعة او بيولوجية صهيونية. لذلك كان على الحركة الصهيونية ان تتبع اسلوباً آخر غير الدعاية لاجبار يهود العراق على الهجرة لخلق اوضاع غير ملائمة ومضطربة تخيف اليهود وساعد في ذلك استغلال ردود افعال الشعب العراقي الطبيعية المعادية للصهيونية تضامناً مع الشعب العربي في فلسطين. عادة هذه المشاعر توجه توجها معادياً ضد اليهود بشكل عام لكي تثبت ان اللاسامية موجودة حيثما وجد اليهود ثم تأتي الخطوة التالية بممارسة الصهيونية القاسية التي تعني صهيونيا قيادة اليهود الى الموت من اجل بقاء آخرين على قيد الحياة والعمل بلا ضمير للحفاظ على ضمائر سليمة.. ويتضح من جداول المهاجرين، ان عدد يهود العراق المهاجرين الى فلسطين قليل جدا مقارنة مع المهاجرين من الدول الاوربية او حتى مع بلد عربي.. مما يؤكد ان نجاح الحركة الصهيونية كان محدوداً في العراق مقارنة مع عدد اليهود، بمعنى ان مفهوم الهجرة بدوافع صهيونية بحتة لم يتحقق مع يهود العراق مما تتطلب تهجيرهم باساليب آخرى. اتخذ مسؤولو الحركة الصهيونية في فلسطين في بداية الاربعينيات قراراً يحث على ضرورة العمل جديا للبدء بتهجير يهود الاقطار العربية ومنها العراق الى جانب قرار حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين الذي خول المندوب السامي بالاذن لأي شخص لا يستطيع ان يحصل على جواز او مستند سفر ما لعدم اعتراف اي دولة بانه من رعاياها او تبعيتها لاي سبب آخر بدخول فلسطين بصفته مسافر او عامل مؤقت او كمهاجر اذا كان من رأيه ان ذلك الشخص لائق لدخول فلسطين، مما يعني تأييداً صريحاً ودعماً مباشراً للهجرة الصهيونية غير الشرعية الى فلسطين.
ــ المادة، مراجعة لرسالة ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر غير منشورة، والموسومة بتهجير يهود العراق 1941 ــ 1952. تقدم بها الباحث صالح حسن عبد الله الى كلية التربية ــ جامعة تكريت، عام 2003.
waleedkaisi@yahoo.com
AZP02