مصر وثورة جياع ـ سمير درويش
المعضلة السياسية في مصر مستعصية لأنها متشعبة، في السياسة والاقتصاد والقانون وحتى في الدين، والحادث أنها تتعقد كل يوم لأن الأحداث تضيف مسافات ومخاوف وثارات قد تجعل التقارب صعباً، وقد يكون مستحيلاً في المستقبل القريب، لأن كل يوم جديد، وكل تصريح وعمل من الفرقاء المحسوبين على القوى التي تشكل المشهد السياسي، سيجعل التراجع مؤلماً، وقد يكلف المتراجع مكانته وجماهيره ومستقبله، السلطة والمعارضة على السواء. وفي هذه الإطلالة سأتوقف أمام المعضلة الاقتصادية التي تمر بها مصر في محاولة لتوضيح خيوطها الرئيسية.
تشير التقارير الدولية والمحلية، الرسمية والشعبية، إلى أن الغطاء الدولاري دون الدخول في تعقيدات الأرقام، وهي متاحة لا يكفي سوى استيرد احتياجات ثلاثة أسابيع فقط، غير أن بعض التقديرات المتشائمة تقول إن قسماً كبيراً من هذا الغطاء وهمي لأنه على هيئة ودائع لا يجوز التصرف فيها، وأن الاحتياطيات الموجودة من السلع التموينية الرئيسية ستنضب بعد ثلاثة أشهر. كما أن الكثير من المصانع والشركات متوقف عن العمل، إما لأسباب أمنية أو بسبب نقص المواد الأساسية لتشغيلها، وأهمها الوقود، أو بسبب الركود، ما أدى إلى ازدياد نسبة العاطلين عن العمل، خاصة في قطاع السياحة. إضافة إلى أن الرئيس وحكومته غير قادرين على اتخاذ قرار استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض الخمسة مليارات دولار، لأن شروطه ستفاقم مشكلة الفقر، المتفاقمة من الأساس، وبالتالي يصعب استيعاب ردود الفعل الغاضبة، إضافة إلى أنها قد تؤدي إلى خسارتهم للانتخابات البرلمانية التي يسعون إلى الفوز بها لإكمال هيمنتهم على الدولة المصرية.
الدولة وأجهزتها ملتزمة أيضاً بدفع رواتب أكثر من ستة ملايين موظف يعملون لديها، لا تضمن ما الذي سيحدث إن هي توقفت عن دفعها أو تعثرت، كما أن فوائد الدين الخارجي تشكل ضغطاً كبيراً في بلد لا ينتج ولا يصدر، وهي مطالبة بالسداد حتى لا يشهر إفلاسها وبالتالي لا تجد من يساعدها على الخروج من كبوتها. كما الأجواء السياسية المضطربة تؤثر بلا شك على الوضع الاقتصادي، ويتبدى ذلك في الانحدار المستمر لمؤشر البورصة، وتراجع الجنيه بشكل لافت أمام العملات الأجنبية رغم الجهود التي يبذلها البنك المركزي، وهو ما يؤدي إلى هروب المستثمرين الأجانب والمصريين، حتى رجال الأعمال التابعين للإخوان المسلمين أنفسهم.
لا يبدو في الأفق المنظور أن التدهور الاقتصادي سيتوقف، على الأقل لأن كل طرف في المشهد السياسي يرى أنه على صواب، وأن منافسيه على خطأ، إلى جانب أن الإصلاح الاقتصادي إذا انحلت الأزمة السياسية يحتاج إلى سنوات من الصبر والتحمل والتعاون حتى تبدأ مرحلة جني الثمار، وهو ما لا تستطيعه قطاعات كبيرة محرومة من الشعب المصري، لا ترى أن شيئاً تغير على أرض الواقع، ثم إنها تعاني بشكل كبير قبل الثورة وبعدها، إضافة إلى افتقادها لخطاب سياسي رصين يشرح بشكل أمين أبعاد الأزمة وسبل الخروج منها، إذ تحول الهم الاقتصادي إلى أداة في الصراع السياسي، المعارضون يخوِّفُون من تفاقمه، والنظام الحاكم يؤكد على لسان الرئيس نفسه وجود تطورات ملموسة بأرقام لا يحس الناس بوجودها.
هذا المشهد القاتم يضاف إليه، وينتج عنه، إحجام الدول الغنية العربية والأجنبية عن إقراض نظام الإخوان المسلمين، أو إعانته مالياً لأسباب كثيرة، بعضها سياسي كالخوف من نجاح الثورة وتصديرها إلى محيطها العربي، وبعضها ديني يتمثل في القلق من انتشار النمط القطبي المتشدد، وبعضها اقتصادي بحت يتمثل في خوف المقرضين والمانحين من عدم قدرة الاقتصاد المصري على الوفاء بالتزاماته نتيجة أزماته الطاحنة المتوالية.
رغم الكلام الكثير عن مشروع النهضة الذي أتى به الإخوان إلى السلطة، والشعار الذي طالما رفعوه الإسلام هو الحل، وإرجاعهم التدهور في ظل الأنظمة السابقة إلى افتقاد الإيمان والتقرب إلى الله، فالمدهش أن دولة كبيرة بحجم مصر تعتمد اقتصادياً في ظل حكم الإخوان وشعاراتهم ونهضتهم على مصادر لا دخل لهم فيها، كعائد قناة السويس الذي ورثوه من الستينيات التي يكرهونها وما أدراك ما الستينيات ، وكتحويلات المصريين في الخارج التي وصلت حسب ممثل وزارة الخارجية المصرية إلى 17.4 مليار دولار، بينما بلغت مدخراتهم 200 مليار جنيه، وقد ذكر تقرير لمجلس الوزراء المصري أنها سجلت زيادة مقدارها 40 خلال عام 2012. وقد أظهرت الصفحة الرسمية للمصريين فى الخارج، على فيس بوك ، أنها بلغت فى 31 ديسمبر 2012 فقط أكثر من 12 مليون دولار أمريكي، استجابة لمبادرة دعم الاقتصاد المصري من المصريين في الخارج، والغريب مع ذلك أن هؤلاء المغتربين يعانون من عدم الاعتراف بهم، وتوضع العراقيل أمام ممارستهم لدورهم السياسي سواء بالترشح أو حتى بالاقتراع.
لا شك أن الوضع الاقتصادي في مصر يحتاج إلى طفرة كبرى، وإلى خيال واسع في السياسة والاقتصاد والإدارة والثقافة، والأهم أنه يحتاج إلى توافق وطني يضمن إشراك كل القوى والفصائل في عملية التطور، لضمان ألا يعرقلها أي قصيل يستشعر أن الدولة تسير عكس اتجاه قناعاته. لكنني لا أظن أن قادة الإخوان المسلمين، وطريقة تربيتهم السياسية والدينية، ستجعلهم يتجاوبون بالشكل المطلوب، مما قد يفوت فرصة النهوض، ويدخل مصر في نفق مظلم.
AZP07