مسرور البارزاني ينقل صورة الكرد إلى المتلقّي العربي – نجاح هيفو
ثلاثة أعوامٍ مرّت على تجربة استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق. ثلاثُة أعوام والنزاع الكرديّ مع الحكومةِ الفيدراليّة في بغداد، يتطوّر ولا يُحلّ. ثلاثةُ أعوام والخلافات القائمة بين الجانبين هي ذاتها. ثلاثة أعوام ولا تزال تجربة استفتاء استقلال الإقليم الكردي غير خاضعة للنقد ولدراسةِ العوامل الخارجيّة والداخليّة الّتي أدّت إلى تأجيل الاستقلال أو إلى طيّ صفحة الاستفتاء إلى زمنٍ آخر.
في العودة إلى الاستفتاء، ثمة عوامل داخلية وخارجية كثيرة كانت السبب في عدم تثبيت نتائج الاستفتاء، رغم أنّه نجح، وأيّد سكان إقليم كردستان العراق والمناطق الكردستانية المتنازع عليها من الكرد والعرب والسريان الآشوريين الاستقلال عن العراق، لكنّ هذا النجاح لم يؤدي إلى الاستقلال، ذاك أن ظروفاً موضوعيّة داخليّة وخارجية كانت تقف عائقاً أمامه.
من ضمن المشاكل والخلافات الّتي نتجت عن تجربة استفتاء استقلال كردستان العراق كان من اسبابها ضعف الكرد اعلاميا في التركيز على حقوقهم وعدالة قضيتهم تاريخيا و عدم شرح وتقديم وتوضيح القضيّة الكرديّة للقوميات الجارة للكرد وعلى وجهِ الخصوص القوميّة العربيّة؛ إذ أثبتت تجربة الاستفتاء أن العرب لا يعرفون القضيّة الكرديّة جيداً، ولم يتعرّفوا عليها بشكلها الصحيح ولم يدرسوها، ولم ينجح الكرد في تصدير قضيتهم وشرحها للناس لتأييدها والوقوف إلى جانبها. بل على العكس، كانت الشعوب أيضاً تعارض الاستفتاء وتجده خرقاً لسيادة “الوطن العربي” وإسرائيل ثانية.
بعد تولّي رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، مسرور البارزاني، منصبه في رئاسة الوزراء، بدا واضحاً أنّ المشروع الّذي يعمل عليه البارزاني، إلى جانب التنمية ومحاربة الفساد في إقليم كردستان العراق هو تعريف المتلقّي العربي بالقضيّة الكرديّة والعمل على تصدير تجربة إقليم كردستان العراق إلى خارج المحيط الكردي.
في يوم 26 آب/أغسطس من العام الجاري، أُجريت لرئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور برزاني، مقابلة تلفزيونيّة مشتركة مع الإعلام العراقي والعربي، وكانت هذه المُقابلة هي الأولى من نوعها منذ تسلّمه منصبه في رئاسة وزراء الإقليم قبل عام.
بالنسبةِ إلي، لم يكن اختيار القنوات التلفزيونيّة، عبثيّاً، على العكس، فهي جزء من السياسة والاستراتيجيّة الّتي ينفّذها البرزاني في طرح القضيّة الكرديّة والتعامل مع بغداد، فالقنوات الإعلاميّة هذه تمثّل الأطراف العراقيّة الّتي تشكّل الحكومة العراقيّة وتمثّل الولايات المتحدة الأمريكيّة والسعوديّة وقطر.
والحال أنّ القضيّة الكرديّة في العراق، قبل أن تكون قضيّة مفهومة ومحقّة في وجهةِ نظرِ العراقيين، بحاجةٍ أن تكون قضيّة مفهومة ومحقّة من وجهةِ نظر العرب والدول العربيّة كذلك؛ فتجربة الاستفتاء بيّنت أن الشائعات الّتي كانت الأطراف العراقيّة تُطلقها بحقّ الكرد هي الّتي تصل إلى المُتلقي العربي وليس الوقائع والحقائق، فوفقاً لوجهةِ نظر المتلقّي العربي القضيّة الكرديّة تمثّل خطراً وجوديّاً له، فهي تمثّل إسرائيل ثانية كما حاول الإعلام الموالي لبعض الجهات العراقيّة وجهات إعلاميّة عربية وتركية الترويج له.
وفي مطلق الأحوال، فإنّ إقليم كردستان العراق بحاجة إلى خطّة إعلاميّة وبحثيّة ومعرفيّة متكاملة، تعمل على تقديم الأبحاث والدراسات والمقالات للقارئ العربي، وتقدّم له منتوجاً مصوّراً توضّح له القضيّة الكرديّة وتعرّفه بالكرد وبالمدن الكرديّة وبالعمران والحضارة الموجودة في إقليم كردستان العراق.
تالياً، لا يُمكن للقضيّة الكرديّة أن تحقّق مبتغاها دون أن يتمّ تقديم صورتها الصحيحة لجيرانها العرب والفرس والترك، ولا يُمكن أن يلقى الكرد تأييداً شعبياً عربياً، دون أن يفهم العرب القضيّة الكرديّة بشكلٍ جيد، ويجدونها ملائمة لمصالحهم القوميّة، ويقتنعون أنّها لا تشكّل خطراً على قضاياهم العامّة.