مستقبل بطعم الماضي
وانا اسير بجنب ذلك الجدار الذي امضيت طفولة التي احتمي بظله من لهيب شمس العراق، توقف الزمن لبرهة واعادني خمسة عشر عاماً الى الوراء استرجع عمرا مختزلا من الذكريات، وكأنه حلم يراود الجميع العودة الى الماضي وتفضيله على الحاضر البائس كلنا نفعل ذلك. تلك أيام خلت كنت أتطلع فيها بمخيلتي الطفولية لحياة جميلة تحقق لنا العيش الكريم في وطن نستمع منذ الصبا بحجم خيراته الوفيرة ومائه الجاري بنهري الحياة وارضه المعطاة ومنها نستمد الامل لمستقبل نرسمه كما نريد ونضع فيه ما نملك في ذواتنا جزاء ما سينعم علينا من خير ووفاء.
تمر الأيام وتعقبها السنين وإذا بذلك الوطن يتحول بالتدرج نحو الأسفل ويزداد الوضع سوءاً كلما تقدمت الأيام ويبقى ذلك الجدار شامخاً في وسط تلك الكومة من الخراب رغم بساطته واحلامنا له بانة سيتحول الى جدار يتزين بأبهى صور ومعاني الجمال لكننا قاصرون عن التخمين. ويستمر الوضع بالسوء لكن هذه المرة حان وقت الفراق حسب التوقيت الأمريكي لتنظيم القاعدة فراق كأنه أبدي لذلك الجدار فراق تحول الى مأساة قتل دمار وتهجير والذنب ببساطة اننا لسنا مذنبين ولكنه كان فراقا للعودة الى الذات والتصحيح لما كان خاطئاً والبدء من جديد على امل المضي قدماً نحو عراق مزدهر بالعلم والحب والتطور. وبعد طول سنين مررت بذلك الجدار الذي اعادني الى الماضي كرهاً وحقدا على الحاضر لأرى الزمن الجميل الذي مضى ولا أعلم ان كنا سنترحم على حاضرنا من المستقبل القريب لكن اريد ان اخبركم بان ذلك الجدار هو السور الذي يحيط مدرستي الأولى التي تعلمت منها ان اخط لكم هذه الكلمات البسيطة ولا زال الجدار شامخاً كما تركته دون أي تغيير.
مصطفى عبد الخالق