مساوئ الإنترنت والإذاعات

مساوئ الإنترنت والإذاعات
احمد المرشد
أتذكر اننى كتبت في السابق عن مساوئ مواقع الانترنت الطائفية التى تنشر اكاذيب واتهامات وتلاسنات تسيء الى الوحدة الوطنية والترويج للطائفية البغضاء في المجتمع وتمس الذات الملكية وتشعل الفتنة.. وحذرت وقتها من إساءات ومبالغات توجه عن بعد لواقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإصلاحي والأهم الديني، ناهيك عن حملة التشكيك في كل ما حققناه من انجازات.
وقتها تنفسنا الصعداء عندما قررت الحكومة مشكورة اغلاق تلك المواقع التى تكرس الطائفية والعنف في المجتمع، وقلنا ان الإسلام هو دين محبة وسلام ويحرم العدوان ويحارب الظلم ويحترم حرمة النفس الإنسانية وقدسيتها.. ولكن ان تطل علينا قنوات اخبارية اجنبية تقدم خدمة رديئة عديمة المضمون اعلاميا وخطر على المجتمع، فهذا يتطلب وقفة جادة. واقصد هنا ما اعترف به مجلس أمناء قناة بي بي سي البريطانية بان تغطية القناة لأحداث البحرين خلال الفترة من شباط وحتى نيسان لم تكن محايدة وتضمنت تشويها وتحريفا للحقائق. ونحن ليس بحالة نشوة وامتنان لهذا الاعتراف بالخطأ المهني الذي وقعت فيه القناة العريقة في ممارسة العمل الإعلامي، وهذا مرجعه ان تقارير بي بي سي وقت الأزمة آتت أكلها وحققت الغرض غير السوي من بثها، فهي لم تكن محايدة بل عكست انحيازا لقلة ضالة كادت تحرق البلاد وتدمرها لمصلحة جهات اجنبية لا تريد خير بالبحرين.
وما يهمنا الآن هو مضمون تقرير مجلس أمناء الـ بي بي سي للعالم الذي يؤكد للعالم براءة البحرين مما نسب اليها وقت الأحداث التخريبية وتعترف لكل مشاهديها على مستوى العالم انها أساءت استخدام مفاهيم العمل الإعلامي وتحيزت لجماعة استخدمتها دولة اجنبية وحرضتها لتخريب البحرين من اجل مصلحة تلك الدولة وليس من اجل مصلحة هذه الجماعة التى تركت وطنها وأهلها وعشيرتها وراء ظهرها.
لقد بح صوتنا من انتقاد التقارير الوهمية التى اعتادت بعض الفضائيات على بثها عن تطورات البحرين وكأن المملكة تشهد انقلابا عسكريا، وكان ذلك بعيدا كل البعد عن الحياد والمصداقية. وتجاهلت بي بي سي تماما مبادرات القيادة الرشيدة لفتح الحوار مع كل الأطياف السياسية وكذلك ما تحلت به الاجهزة الأمنية من ضبط النفس.
ولعلي ونحن نتحدث عن خطورة الفضائيات والقنوات الاخبارية المسمومة، اشير الى ما وقع في الشقيقة مصر بسبب هذه التقارير المغلوطة، فقد اعتادت الفضائيات المصرية قبل ثورة 25 يناير استضافة ممن يدعون انفسهم نشطاء سياسيين، ولكن عندما تحرى المصريون عنهم عقب الثورة اكتشف كنيتهم اليهودية والصهيونية وارتباط كل هؤلاء بمراكز بحثية على صلة وثيقة بإسرائيل ومراكزها الاستراتيجية. فمثلا عندما تستضيف فضائية مصرية ناشطة من اقباط المهجر، فهي مصرية وتتحدث العربية ولكنها تلفظ سما ضد مصر وشعبها وتدعي انها تتحدث من اجل مستقبل مصر ومصلحتها، ثم يتبين لاحقا ان هذه الناشطة القبطية عضوا فاعلا في اكثر من مركز بحثي امريكي موالي لإسرائيل، والمشكلة ان الفضائيات كانت تقدم هؤلاء على انهم باحثون وخبراء في مراكز بحثية محايدة بدون ذكر اسم المركز حتى تضلل المشاهدين ولا يتنبهون الى هويتهم الصهيونية، وبالبحث والتحري اكتشفت جهات مصرية ان ضيوف البرامج والمحللين والخبراء السياسيين ما هم سوى ذراع لمنظمة إيباك، اكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي في امريكا التي تعمد دائما على تشويه صورة مصر وتقويض فرص التواصل بين القاهرة وواشنطن.
وكان من ضيوف البرامج الدائمين دبلوماسيا امريكيا يتم تقديمه على انه خبير في العلاقات، ولكن اكتشف فيما بعد انه عضوا في مجموعة عمل ضد مصر تعمل من واشنطن بغرض بث روح الفوضى العارمة وترنح مصر إقليميا وعالميا ومحليا. وبالتحري أيضا اكتشف المصريون ان هذا الضيف الخبير في العلاقات الثنائية يهودي الديانة ليكودي الفكر.
ونحن لا نستبعد هنا ان تكون الـ بي بي سي قد تعمدت استضافة مخربين تحت ادعاء مسمى الخبراء والمحللين ومنحتهم مساحات كبيرة من الوقت على حساب الوطنيين الشرفاء، وبالطبع هذا يتعارض مع ميثاق الشرف الإعلامي، ويعد تعمدا في تضليل الرأي العام. المشكلة اننا سكتنا كثيرا على تلك القناة حتى ظهر تقرير الامناء ليفضحها، وليكون الشاهد من اهلهم وليس منا، واعتقد ان المطلوب الآن محاسبة جادة مع كل قناة او فضائية اغفلت اصول المهنة وخدمت فقط خلفيتها السياسية والدينية والفئوية والطائفية والأيدلويوجية المعادية للبحرين.
إن دور الإعلام خطير ولا سيما ان الكلمة سلاح ذو حدين فهي قد تبني المجتمعات وتعمل على تطورها وقد تهدم ما تم بناؤه عبر سنوات طوال في حياة الشعوب والمجتمعات. وهذا ما فعلته الـ بي بي سي ، فكثيرا من موضوعاتها تتسبب في أزمات سياسية وتترك آثارا سلبية على المجتمع، اضافة إلى تشويه صورة الدولة والإساءة إلى شخصيات ورموز وطنية شريفة.
وعلينا اذا كنا بصدد عدم تكرار التجارب السيئة لتلك القنوات، ضرورة التنبيه على المراسلين الأجانب او المحليين الذين يعملون لدى قنوات أجنبية ان يتحروا مصداقية الخبر والتأكد من الاخبار والحقائق والابتعاد عن التشويه والتجريح وقلب الحقائق بهدف الإساءة ونشر الفتن، حتى لا يتعرض المجتمع للتدمير وتقويض بنيانه وأركانه. فالإساءة والتشويه والتجريح وممارسة التحريض ضد الآخرين و تجاوز الخطوط الحمراء وحدود الدين والأخلاق والآداب والذوق العام، امر مؤسف بحق، وللأسف فان العصر الإعلامي الذي نعيشه شاهدنا فيه اعلاميون كثيرون وقد فقدوا صوابهم وقلبوا الحقائق وشوهوها ولعبوا دورا كبيرا في تضليل الرأي العام وخداعه بهدف تحقيق مصالح ومنافع لمصلحة فئة قليلة. وعلى هؤلاء ان يعلموا ان المصداقية هى معيار المشاهد، واذا اكتشف هذا المشاهد ان تلك القناة تلعب به وتغشه وتبثه ضلالا وفتنة، سيتحول الى اخرى بضغطة زر، وربما يستطيع اعلامي او قناة غش المجتمع لفترة، ولكنها لن تضلله للابد، فمستوى الوعي والثقافة ارتفع واصبح بمقدور المواطن التمييز بين الغث والسمين في المواد الإعلامية التي تنشر هنا وهناك.
ولن ادعي جورا اذا دعونا الى اعادة تشديد الرقابة مرة اخرى على القنوات الوافدة حتى نتجنب كوارث الإعلام والتقارير السامة على المجتمع فهي وسيلة من وسائل الهدم وليس البناء. فالإعلام له دوره الكبير في بناء المجتمعات وتَرسيخ مفاهيم حرية الرأي والتَعبير والديمقراطية السليمة، وليس التخريب والوقوف مع مجموعة ضالة ضد اخرى على حق.
نحن لا ندعو هنا الى وضع القيود على العمل الإعلامي، ولكن نطالب بوضع ضوابط مشددة وتشكيل لجنة علمية تراقب ميثاق الشرف الإعلامي، على ان تكون حرية الإعلام مكفولة وفقا لتلك الضوابط ومنح الإعلام الحق التنافس وتحقيق السبق، بشرط عدم إثارة التعصب والنعرات الطائفية والقومية، وفي حدود ضوابط مهنية وأخلاقية. على ان تكون مهام تلك اللجنة مراقبة التزام الفضائيات والقنوات الاخبارية بنشر الحقائق والأصول المهنية وعرض كافة وجهات النظر حول القضية المطروحة. وتوجيه تحذير للفضائيات في حال تعمدت تضليل الرأي العام والتلاعب بمشاعره، او تعمدت بث تقارير تدعو للتعصب واعتمدت على صور مغلوطة ومشوهة للآخر، او خرجت عن الآداب العامة.
كاتب ومحلل سياسي بحريني
/7/2012 Issue 4261 – Date 26 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4261 التاريخ 26»7»2012
AZP07