وخير جليس في الزمان كتاب
مسارات ومدارات – محسن حسن الموسوي
تأليف : العلاّمة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر ، حفظه الله
الناشر : دار المحجة البيضاء / بيروت
الطبعة : الأولى /: 1444هج 2023 م
عدد الصفحات : 159صفحة
ليس من السهولة أن تستمر بالقراءة مع أحد العلماء أو الكتّاب أو الأدباء ، إلاّ إذا امتازت تلك الكتابات بالجدّية والإضافة والتجديد والأسلوب الممتاز في تناول القضايا التي يتطرّق إليها ذلك العالِم أو الكاتب أو الأديب .
وليس من الصعوبة أن يكتشف القارئ لكتابات سيدنا الحجة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر حفظه الله ، لتلك الامتيازات والاكتناز المعرفي التي تمتاز بها تلك الكتابات التي يُتحفنا بها سماحته ، على صفحته المباركة في ( الفيس بوك ) أو على صفحات الجرائد ، أو حين يضمّها في كتاب إلى موسوعته الباذخة( موسوعة العراق الجديد ) ، وبين أيدينا هذا الجزء الجديد الذي يحمل الرقم ( 83) في هذه الموسوعة .
وسيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله، طراز نادر من العلماء الذين يتواصلون مع هموم الوطن والمواطن ، فهو يفتّش عن البُقع المضيئة في واقعنا العراقي فيسلط عليها الضوء ، تشجيعاً للآخرين للاقتداء بها ، كما يضع النقاط على الحروف في المساحات التي يرى فيها تقصيراً واهمالاً من مسؤول في الدولة ، فهو يوجِّه الغافلين أو المتقاعسين في أعمالهم ، أو المتعمدين للأذى ، ويقول في ذلك :
خطوط عمر
(لسنا في خصومة شخصية مع أحد ، ولكنا نأبى السكوت على ما نراه اختراقاً للخطوط الحمراء كلها وتلاعباً بمقدرات الشعب والوطن … إن هذه المقالات بمثابة الشموع التي نُوقدها في غمرة الأجواء الداكنة.
إنّ التصدي للفساد المستشري ليست مسؤولية الحكومة وحدها وإنما هو مسؤوليتنا جميعاً كُلٌّ من موقعه ووفق المتاح من الإمكانات ، وأن الليل مهما طال فلا بدّ أنْ ينتهي ببزوغ الفجر ).
وهنا ينطلق سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله، من الحديث النبوي الشريف : ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ).
إن المعالجات التي يطرحها سماحته، حفظه الله ، هي معالجات واقعية وضرورية وليس فيها صعوبة ، إلا الذين في قلوبهم مرض ، ومن العجيب أن يخون الإنسان وطنه ويتقاعس عن النهوض به ، وهو قادر على ذلك بحكم مركزه الوظيفي !
ومن أعجب العجائب ، التي رأيناها في زماننا هذا ، أن الفاسد حين يتكلم فهو معدن النزاهة وبحبوحتها ، وهو حامي حمى القانون، وهو الذي لايخالف الشرع ولا القانون ، وأما واقعه الحقيقي فهو خلاف ذلك تماماً !
مَن الذي سرقَ العراق ؟
مَن الذي عرقل مسارات التنمية والبُنى التحتية في العراق؟
ومَن ؟ ومَن ؟ ومَن ؟
سيدنا الصدر ، حفظه الله، يتابع الكثير من المفاصل المهمة في الدولة ، ويُشخّص أسباب التعثر الحقيقي ، ويُنبّه عليه ، لعل هناك مَن يرعوي عن سلوكه الذي يضرّ بالوطن والمواطن ، لعلّه ينكر ذاته من أجل الآخرين ، لعله يترك تلك النرجسية القاتلة التي تصيب بشررها المخلصين والموهوبين والبارعين !
وفي ذلك يقول سماحته ، حفظه الله:
(الموقع السلطوي المتميّز لا يعني الانفتاح على الأهل والأنصار والانغلاق على غيرهم .
ومَنْ يفعل ذلك فهو مستغِلٌ للمنصب منحرف عن الجادة مُسْتَخِفٌ بالأحكام الشرعية ، والأخلاقية ، والإنسانية….
والاستهانة بالنابهين والبارعين الموهوبين والاستهتار بدمائهم داء قديم جديد .
وما يلقاه المستقلون اليوم على يد عباقرة المحاصصة هو فصل جديد من تلك العملية البشعة التي تمارس _ وبكل قسوة وضراوة _ ضد مَن يرفض الإنتساب إلى الجهات السياسية الممسكة بزمام السلطة ويكون جزءً منها يشارك في عمليات فسادها وممارساتها البغيضة. ).
ولا أعتقد أن صراحة الكلمة عن سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله، تحتاج إلى أكثر من هذه الصراحة وهذا البيان .
إنّ التشخيص الدقيق لمشكلات الوطن والمواطن التي يطرحها هذا الفكر النيِّر ، وهذا القلم الجبار ، وهذا القلب الجريء ، يجعل المسؤول والمواطن أمام ما يتعرض له الوطن والمواطن من انتهاكات يجب أن نضع لها حلولاً سريعة وناجعة، ولا أظن أن سماحة سيدنا الحجة الصدر، حفظه الله، قد أبقى لمستزيد من هذه الإرشادات والتنبيهات لكي يضيف عليها .
ونحن نتجوّل في هذه الاضمامة المتنوعة من المقالات في هذا الجزء ، نتوقف في محطة أخلاقية ، مهمة جداً في التنبيه عليها في علاقاتنا مع الآخرين ، وينصحنا سيدنا العلاّمة الصدر ، حفظه الله ، على أن نُبقي قلوبنا نظيفة وبعيدة عن الضغائن والعداوات :
(احرص على أنْ تُبقي قلبَكَ نقيّاً من الضغائن والعداوات لأنها تُفقدك القدرة على التعامل السليم واتخاذ القرار الحكيم .
حين تنظر بعين العداء للأشخاص والأشياء فإنك لن ترعى حُرمةً للعدل والإنصاف ، ولن تقف عند حدود ما تقتضيه الموازين .
وهذا خلل كبير في الشخصية ، حيث يُضعفها ، ويدفع بها إلى مهاوي الجحود والاعتساف ).
وفي هذا الجزء الذي ضمّ ( 43) مقالة مكتنزة بالهموم والتطلعات والالتفاتات الوطنية الإجتماعية والدينية والإنسانية ، ومن المؤسف أننا لانستطيع المرور عليها كلها ، ولكن في النيّة إن شاء الله نكتب كتاباً متكاملاً عن سماحة سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ، عرفاناً بما أضاف من جهود سياسية ودينية وادبية لهذا الوطن المعطاء ، ونبرز فيه تلك الجهود الكبيرة في جهاده الفكري والسياسي في المنفى ، وجهوده وجهاده بعد وصوله إلى دياره في موطنه العراق .وقبل أن أضع القلم جانباً أرى من الضروي التعرّض لذلك المقال المهم حول حالات الطلاق في العراق ، وهو من أخطر المقالات في هذا الجزء من الكتاب .تحت عنوان ( في العراق كل ساعة 10) حالات طلاق ..)يضع سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله، يده على أعقد المشكلات الإجتماعية التي تواجه الأسرة العراقية في هذه السنوات ، ويرى ( أن هناك أسباباً وعوامل كثيرة لبروز هذه الظاهرة المؤسفة ).ولا يرى سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله، ( مِن أن تزويج الفتيات وَهُنَّ في مقتبل أعمارهن يكمن وراء هذه الظاهرة … ذلك أن معظم الزيجات في الأجيال السابقة كانت تختار للرجال الزهور اليانعات من الفتيات ولم تكن تصطدم بمثل النتائج السلبية التي نشهدها اليوم … ومسألة السكن مع أهل الزوج كانت هي الأخرى شائعة مألوفة ولم تكن نسبة الطلاق تبلغ معشار ما بلغته اليوم … كما أن الأوضاع الإقتصادية كانت صعبة للغاية ولكنها لم تفتك بالأسرة العراقية مثل فتكها الراهن ).ويرى سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ، ( إن الكثيرين يعزفون عن الاقتران بغير الفتيات الحائزات على الوظائف طمعاً في رواتبهن ، والفتاة الموظفة تعود إلى دارها متعبة مرهقة وقد لا تستطيع أن تنهض بأعباء المسؤولية المنزلية كما يريدها الزوج … وهنا تبدأ المشكلة ).
ضوابط شرعية
أما العمود الفقري في مسألة استقرار الأسرة وسعادتها فيلخصه سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ؛ (إن إهمال الإلتزام بالضوابط الشرعية المرسومة في هذا الباب يقف في طليعة أسباب شيوع الطلاق .فأولياء الأمور يزوجون بناتهم دونما إهتمام حقيقي بما يحمله المتقدم إليهم من التزام بأهداب الدين والأخلاق ، وبالتالي فهم يفرطون بما ائتمنوا عليه مع أن المنهج الشرعي المرسوم في هذا الباب يقول : (إذا جاءكم مَنْ ترضون خُلُقَه ودِينَهُ فزوجوه ).هذا الجزء من الموسوعة إضافة نوعية في كتابات وملاحظات سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ، فيه من متعة القراءة الشيء الكثير ، وفيه من الإثارات السياسية والاجتماعية والفكرية الشيء الكثير ، وفيه من براعة الأسلوب ، وطريقة التناول الشيء الكثير .سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ، مدرسة متكاملة للدين والدنيا ، ونحن نغبط أنفسنا أن نكون من أصغر تلامذته الذين ينهلون من فكره وأخلاقه وأدبه الجمّ .حفظ الله سيدنا وأستاذنا الحجة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر ، وبارك الله فيه وله وعليه .