مسابقة اليونيسكو الشعرية قصائد مضيئة اطفأتها ذائقة لجنة التحكيم وأخرى شاحبة منحتها الضوء

مسابقة اليونيسكو الشعرية قصائد مضيئة اطفأتها ذائقة لجنة التحكيم وأخرى شاحبة منحتها الضوء
صوت الشعر ناحل في بلاد أرهقها الدمع
حسن النوّاب
اقام بيت الشعر العراقي بالتعاون مع وزارة الثقافة مسابقة اليونسكو الشعرية، ولم اصل الى مغزى اليونسكو ودورها في هذه المسابقة، وقد خضعت النصوص المشاركة الى لجنة تحكيم مؤلفة من الشعراء احمد عبد الحسين وحميد قاسم ونصير غدير، اثنان من اللجنة لم اقرأ لهما نصا شعريا جديدا منذ امد بعيد، وربما كان شفيعهما بتسنم مهمام التحكيم قصائد لافتة كانا قد كتباها في زمن مضى، مع تحفظي على الأخير وهو صديق حميم، لأنه من وجهة نظري مازال يمارس هواية كتابة الشعر وكنت اتمنى ان يشترك بهذه المسابقة مع الشعراء الشباب حتى يعرف حدود موهبته الشعرية، النصوص الفائزة والمشاركة نشرت على صفحة الفيسبوك في موقع مرسى الذي يشرف عليه بيت الشعر العراقي، بعد احتجاج شديد على النتائج من البعض ومن شاعرة مشاركة في المسابقة برغم فوزها بأحدى الجوائز، بل ان هذه الشاعرة عبرت عن نكران ذات ادهش الجميع حين تنازلت عن جائزتها الى شعراء آخرين وجدت في قصائدهم ما يستحق الجائزة اكثر منها، ولعمري ان مبادرتها هذه برهنت على نضجها الشعري وسعة قلبها وصدقها الكبير،وبعد مطالعة النصوص سجلنا هذه الملاحظات عليها
شيطان القصيدة
سيرة ذاتية لسريرها كان عنوان النص الذي اشترك فيه الشاعر علي وجيه، لقد دهشت كيف ان هذا النص لم يقطف احدى الجوائز المتقدمة؟؟ لأن الشاعر نجح بتدوين نصه بشيطنة ولعب بطقوسه بذكاء وجعلنا نلهث خلف ترتيله الشجي، كما قدم شكلا احسبه اضافة لا يستهان بها الى بنية قصيدة النثر، ولم اجد اية عثرات وعيوب في جسد النص الجامح، بل كان الشاعر مقتدرا بمسك زمامه حتى السطر الأخير.. هذا النص اذا ما تمعن القارىء في اسراره بعمق سيكتشف انه امام غزل صوفي تكتنفه الطرافة احيانا.. نص مكتوب بجنون جميل.. ومثال على شيطنته وجنونه لكم هذا المقطع تقتربينَ ؛ فأتوهَّجُ كأنَّ إلهاً وشوشني قائلاً أنتَ لي … أنظرُ وأحسُّ وأرى ثوبَكِ وهو ينـزلقُ مغمىً عليه…شعرَكِ وهو يجرحُ الهواء…عطرَكِ وهو يسدُّ منافذَ المشيئة…خطواتِك وهي تعزفُ الشَّياطين…ظلَّكِ وهو يُنبِتُ ورداً بملامح بشريّة. ويعزز قناعتنا هذا المقطع بحقِّ بياضِها واسمرارِ ساعديْها ؛ تعاليْ أيّتُها القصيدةُ ؛ جَنِّحيني أسماءَها ؛ وصفاتِها واطْلُقيني باتِّجاهِ لَفتاتِها وهي توقِظُ الشَّوارعَ من ضجيجها ؛ ودعيني أَلمُّ ما تساقطَ منّي وأنا في الطَّريقِ إليها…
نص خذلته ذائقة لجنة التحكيم
نص الشاعر زاهر موسى عن النسيان و.. الذاكرة كان زاخرا بزخرفة الشعر ومزحوم بإسئلة وجودية،نص صعب وشاق لأن الشاعر كتبه بجمل إسمية، ولم ينطلق بتكوين جملته الشعرية من فعل، حيث ان الفعل عادة مايوجه النص الى مايبتغيه منه، بينما الجملة الإسمية تبتكر معناها لحظة التدوين، بمعنى لو كتبت اشعلت.. سرعان ما تتقاطر الصور التي تتوالد من الفعل.. يمكن ان تقول اشعلت دما واشعلت سرابا الخ، بينما الجملة الإسمية حين يبدأ بها الشاعر تضعه في امتحان حقيقي امام موهبته، وهذا النص اذا ما تفحصناه نراه يكاد يخلو من جملة فعلية.. الا ما ندر.. وهنا تكمن صعوبة تدوينه.. واظن ان شاعره كان يستحق احدى الجوائز بجدارة. ومايبرهن على رصانة هذا النص هذا المقطع مثلا ولكن..في صيامكَ هل تحاولُ نسيانَ الماءِ و الطعامِ؟ أم تتذكرَ البداوة؟وفي سجودك أيّها المؤمن.. هل تحاولُ تذكرَ الله؟ أم نسيان باقي الآلهة؟ولكن..لا أملكُ سوى الأسئلة.
نصوص اخرى
قرأت للشاعر ميثم الحربي نصوصا مبهرة من قبل، لكنه يبدو لم يحسن اختيار نصه لهذه المسابقة بحرص.. ربما اراد العبث وكثيرا مايفعل الشاعر الموهوب ذلك في المسابقات الرسمية، لكن المقطع الأول من نصه الياذات شخصية سحرنا حقا حين يقول النسيان.. يتصرّف بالذاكرة، كما لوكان في بيته. بينما كان نص وحده التراب يقهقه للشاعرحسام السراي يعلن عن سطوع شعري ولكن في النهاية، حين يقول
فلماذا تبكي سماواتناوالترابُ منهمكٌ في الضحك ِ؟ ولو كان النص يتنامى بقوة هذين السطرين المتضادين، لكانت قصيدة مذهلة.. ويبقى السطران قصيدة مدهشة لوحدهما.
نصوص فائزة ولكن؟؟
النص الفائز بالمرتبة الثالثة للشاعرة هنادي جليل، وهي الشاعرة التي رأت في نصوص زملائها الشعراء الآخرين مايستحق الجائزة اكثر منها واعلنت عن تنازلها لهم بالجائزة وبرهنت بذلك ان رسالتها الشعرية كانت اشد صدقا ووضوحا من لجنة التحكيم، برغم ان نصها رؤى الليلة السادسة والعشرين من آذار كان عبارة عن رسالة غرام حاولت الشاعرة ان تستنهضها بالرؤى حتى تصبح قصيدة، لكن الرؤى جاءت تقليدية وتشكو من التوهج الروحي، صحيح ان الشاعرة هنادي جليل نجحت برسم احدى الصور الشعرية المثيرة حين تقول حيثُ الذئابُ تراقبُ قمراً في عقلي وتعوي ولكن ماتبقى من بوحها لا يتعدى تدوين النثر المألوف برغم محاولتها لزرع الغرابة في متن النص ناشدة من ذلك تحقيق الدهشة.. غير ان تلك المفردات شعرت انها دخلت بشكل قسري الى طقوس النص الذي كتب خطابا غراميا ولكن بلغة ناضجة.. اما الشاعر عمر الجفال الذي اشترك بقصيدة عشاء لضيف الكائن والذي حصل على المرتبة الثانية، فكانت قصيدته تبدأ بتفعيلة البحر الكامل حتى منتصف السطر الأول ثم تنقلب الى بحر المتقارب بتفعيلة واحدة ومن ثم ينتهي سطرها الأول بتفعيلة مركبة؟؟ لا بحر لها.. ولذا هجسنا ان القصيدة موزونة نتيجة الإيقاع الداخلي المتوتر لمجمل القصيدة والذي يعلن عن فطنة تدوين استرعت انتباهنا لأول وهلة.. واذا ما اعدنا قراءة القصيدة مرة اخرى سنكتشف انها تعكزت على الأفعال المضارعة حتى تستمر بلهاثها المفتعل؟ القصيدة مكتوبة بقصدية واضحة كما لو انها مكتوبة الى اثنين من اعضاء لجنة التحكيم لتغازل روحيهما.. وبرغم ايقاعها الداخلي لكننا لم نجد في سطورها صورة شعرية واحدة تشير الى موهبة الشاعر. بإستثناء مطلعها الذي نجح برسم الإيهام بشكل ماكر.. جرّبتَ يوماً أن تفتحَ البابَ وتغلقَهُ تفتحُهُ وتغلقَهُ، فقط، لتصطنعَ شخصاً . هذه القصيدة لو رفعنا الأفعال المضارعة عنها تصبح كومة رماد.
قصائد جميلة بالتناص؟
الشاعر معتز رشدي منحت لجنة التحكيم قصائده المرتبة الأولى؟ وهي قصائد جميلة لكنها لا تخلو من التناص، حيث نجد في قصيدته عويل عمارتلي سبكا محكما بالقيراط لكن خطابها الشعري ذكرنا بصرخة هايني اول خطيئة يرتكبها الإنسان يوم ولادته، ويبدو ان الشاعر حلب صرخة هايني بذكاء. اما قصيدته الثانية بكاء احالت ذاكرتنا على الفور الى قصيدة الشاعر فاضل عزيز فرمان بعنوان الحصان يقول فيها كان وحيدا مثلي في متسع الشارع يسحب خطوته المسلوبة، كان حزينا حزن الفارس اذ يتهاوى نحو الأرض ويسند رايته المنكوبة، كنت اتابع نبض الخطوات التعبى.. الخ. القصيدة منشورة في ديوانه بيت الشاعر مطلع التسعينيات، ونشرها في اكثر من جريدة في وقتها. واذا ما قرأنا قصيدته الثالثة قبالة البحر اثناء السكرة .. والتي انقذها من الرتابة والثرثرة مقطعها الأخير.. حين يقول ويُلفظ ُالغرقى اصحاء َ
الى مائدتِهْ. وهذا المقطع ذكرنا بقصيدة في مجموعة شريعة النواب بعنوان الماء يغفو اذ يقول شاعرها خلسة ينسل الغرقى من صدر الماء والأعشاب.. اكثر من اصداف السواحل اراهم يغزون الشوارع دون خجل بعريهم، ثلة منهم تجلس في المقهى تستجدي الدخان وتطلب الشاي.. الخ حتى يقول اصح ايها الماء وعد بإبنائك الغرقى الى صدرك اللئيم.. واظن ان ثيمة القصيدة وظّفها الشاعر ببراعة يحسد عليها؟؟ اما قصيدته غروب وشاعر مفلس .. لا تعليق عندنا سوى ان نضع هذه المقاطع من قصيدة عزلة المهداة الى كزار حنتوش في شريعة النواب حيث نقرأ بيت اعزل لا امرأة تغسل ثوبي لا اطفال لاطير سيغني لانجم سيضيء.. بيت اعزل وبقايا كأس ورماد. ولا ادري كيف منحت لجنة التحكيم جائزتها الأولى الى قصائد استظلت بنصوص اخرى؟ وهي بذلك تظلم الشاعر اولا لإنها وضعته بالواجهة وخدعته بإيهام لذيذ سيتلاشى بعد حين.
قصيدة مقدسة
هذه القصيدة اوجعتنا.. لما تحمله من شجن في كلماتها، ولوعة طاعنة بالحزن المضيء، وجعلتنا نتأمل راهبا يرتل ترنيمة في كنيسة، او احد الأتقياء يبتكر دعاء سماويا في مسجد، ثمة تصاعد ساحر في نسغها، مع هالة من النفحات تؤطر خطواتها الوئيدة كما لو انها تمشي على الماء، شاعر موهوب ارغمنا على متابعة شهقاته المجنحة ببراعة التدوين، قصيدة تشاطر قصيدة علي وجيه وتتقدم عليها بهدوء؟؟ ليس من زحمة الشعر بمفاصلها فحسب انما لسطوعه المثير بحوار داخلي يتشكل منه دعاء يضاف دون تردد الى الأدعية المقدسة، روح الشاعر تراها منصهرة حد التلاشي في عذوبة الشعر..
لاحظوا ذلك كلما صحتُ بنفسي أنصتي.. أدركت أن سلطاني كاذب،وأن النفس لا تسمع إلا نفسها.ثم يقول حسبي إنني اجلس في ساقيتي وحيداً أنوء بثقلي، حسبي إني لا أُكلف أحداً شيئاً، وإني لو فررت إلى ضفتي الخاصة سأكون مطمئناً وهادئاً.حسبي اني لا أكلم احداً فاُثقل عليه بروحي.شارد في لحظتي الخاصة،
مستغرق الذكرى بمن مرّوا مستغرق بالنسيان اللذيذ ويتصاعد الشجن لديه حين يقول اجلس في الساقية أقلب جمرات الموتى الذين ذهبوا بعيداً، بعيداً خلف البصر،
استعيد صوراً التقطتها لهم يبدون فيها راضين ومبتسمين على الدوام، اعددُ ثقوب قلبي التي صنعوها لحظة رحيلهم،أقول لنفسي لن نكلف الآخرين ثقباً واحداً أيتها النفس، لكن النفس لا تسمع الا نفسها.
القصيدة بمجملها تطفو على بحيرة من نور.. وحين يقول اقلب جمرات الأحياء والموتى وأقول لنفسي هذا مقعدك من الناس،فأشتملي على الصمت،واتركي الباب موارباً لهم،واتركي الشبابيك مفتوحة للندم.اعرف ان سلطاني كاذب وان النفس لا تسمع الا نفسها،وان كلامي الرهيف قد ينساه من مروا على حياتي فأفسدوها بخيرهم وشرهم،لكني لا أريد منهم في هذه اللحظة التي تكرر نفسها الآف المرات
سوى ان يتركوني،لا أريد منهم سوى ان يتركوني فهل أطلب الكثير؟
مبدع هذه القصيدة هو الشاعر النادر علي محمود خضيروالذي اتوقع ان حضوره سيكون لافتا في قادم الأيام، تحية وانحناءة له، وعلى القارىء ان يتوضأ بالألم ويشعل في باب قصيدته الشموع طلبا للنذور قبل الدخول الى عوالمه الشجية والمقدسة.
خاتمة مفتوحة
قد يتوهم البعض من خلال قراءتنا لهذه القصائد، اننا نطرح ذائقتنا الشعرية كحالة متفردة عن الآخرين، وان الشعر لا يكون شعرا مالم يطرق ابوابنا البعيدة، فنقول ان جذوة الشعر تبدو اكثر صفاء ورونقا حين يشترك الجميع بإيقاد جمرتها، بعيدا عن اهداف غير بريئة، وان الذين يظنون ان ماكشفنا عنه من مثالب وعيوب وعثرات وحسنات ودهشة في هذه القصائد وبصراحة وصدق ونزاهة انما احتكمت الى تجربة طويلة لايستهان بها بهذا المجال وهي محاولة لإذكاء نار الشعر في حديقة الشعر العراقي حتى يبقى متوهجا وساطعا في ذائقة الناس وروح الشعراء وضمير التأريخ..الذي لايرحم ابدا. واضع امامكم اخيرا القصيدة الفائزة ولكم الحكم في التناصات التي وقعت في شركها بقصد او من دون قصد.
عويلٌ عمارتلي
أماه
ليتكِ كنتٍ
أم سواي،
ليتكَ
يا ابي
كنت زوجاً
لامرأة ٍسواها،
ليتكما
ما أجتمعتما
الا كأعمىً
ومرآته
ليت أهوار ميسان
أماتتكما، طفلين،
بعضات الأفاعي،
وليتني لا أحد…
لا أحد.
بكاء
تحضرني، الآن،
ذكرى حصان جرٍّ هزيل.
الذباب
الذي كان يتجمع
في أخاديد
خلفتها السياطُ على جلده،
ملأ طفولتي
بطنينه الوحشي.
من بعيد
وقد بلغت الرابعة والثلاثين
أناديه
يا أخي المعذب مثلي بماضيه…
يا أخي المعذب مثلي.
قبالة البحر اثناء السكرة
ظهيرةَ اليوم
القى البحر ُعلى عينيّ
رداءَ زُرقتهِ
هل قلتُ ان البحرَ قلدني
اعماقه المظلمة؟
انا، الآن
ملكٌ حالمٌ
تاجهُ سكرتهُ،
صعلوكٌ مُطاعٌ
يتلاطم الموج ُ
في غرفته ِالرٌثة ِ
ويُلفظ ُالغرقى اصحاء َ
الى مائدتِهْ.
غروب وشاعر مفلس
لا ماء
يغسلُ يدي الغروب ِ
الملطختين بدم الشمس…
دمها البارد دوما
في الشتاء.
ولا مطر
يُزيلُ هذي الكآبة
التصقت كالرطوبة
عن جُدُر ِ المغيب ِ.
فيا نبيذ
يا يقين الحائر المفلس
اقبل
يا نبيذ.
/6/2012 Issue 4219 – Date 6 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4219 التاريخ 6»6»2012
AZP09

مشاركة