جنيف (أ ف ب) – رغم حرص منظمي مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجين” على أن تكون تعبيرا محايدا عن التنوع الثقافي، غالبا ما تتداخل مشاعر الفخر الوطني، والتاريخ القديم في بعض الأحيان، والجغرافيا السياسية، فتجعل هذا الحدث المنقول تلفزيونيا، امتدادا للسياسة بوسائل أخرى.
يلتقي الفنانون الـ37 المتنافسون في أكبر مسابقة للمواهب في العالم في مدينة بازل بشمال سويسرا الأسبوع المقبل. ومع أن الحدث ينأى بنفسه رسميا عن السياسة، يُحتمل جدا أن يجد المنظمون صعوبة كبيرة في منع ضوضاء العالم ومشاعر الغضب فيه من تعكير صفو المهرجان الموسيقي الكبير.
ورأى المؤرخ ومؤلف كتاب “أوروبا ما بعد الحرب ومسابقة الأغنية الأوروبية” Postwar Europe and the Eurovision Song Contest دين فوليتيتش في حديث لوكالة فرانس برس أنه “من المستحيل فصل السياسة عن هذا الحدث”.
واتفقت الأستاذة المشاركة في جامعة جنوب كوينزلاند الأسترالية جيس كارنيل مع هذا الرأي، معتبرة أنه “أمر مستحيل تماما”. وشرحت أن “ثمة دائما بُعد سياسي كامن نظرا إلى أن الجميع يخوضون المنافسة كلٌّ تحت راية بلده”.
ومنذ إنشاء “يوروفيجن” قبل نحو 70 عاما، يصرّ اتحاد البث الأوروبي المنظم للمسابقة على طبيعتها غير السياسية.
لكن منذ البداية، اقتحمت السياسة مشهد المسابقة بشكل مدوٍّ أحيانا.
ولجأت بعض البلدان إلى الاختباء وراء لغتها للمجاهرة بآرائها ومطالبها بوضوح من دون إثارة مشاكل كبيرة، إذ إن غالبية المشاهدين لا يفهمون عادة سوى القليل من لغات الدول الأخرى.
فعلى سبيل المثال، شاركت اليونان عام 1976 بأغنية 1976 تنتقد تركيا لغزوها قبرص “لكنها كانت باللغة اليونانية ولم تثر الكثير من الاهتمام”، على ما ذكّرت الأستاذة المشاركة للدراسات الأوروبية في جامعة آرهوس الدنماركية ليزان ويلكن في حديث لفرانس برس.
لكنّ الاهتمام الإعلامي بالحدث زاد كثيرا في السنوات اللاحقة، وبات بإمكان الجميع الغناء بلغة ذات طابع عالمي كالإنكليزية، مما يجعل ”يوروفيجن” مناسبة مثلى “لكل من يريد لفت الانتباه إلى قضية ما”، وفق ويلكن.
وطغى غزو روسيا لأوكرانيا على مناخ المسابقة عام 2022، وفازت بها “أوركسترا كالوش” الأوكرانية، فيما مُنعت روسيا من المشاركة.
وفي 2023، كانت الحرب في قطاع غزة محور الاهتمام، وفي بعض الأحيان أكثر من الفنانين. وتظاهر الآلاف في مدينة مالمو السويدية التي استضافت المسابقة ضد ممثلة إسرائيل إيدن غولان.
ويُتوقع أن تشهد بازل هذه السنة المزيد من التظاهرات ضد مشاركة إسرائيل ومرشحتها يوفال رافائيل (24 عاما) الناجية من هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 على حفل نوفا الموسيقي بجنوب إسرائيل.
إلاّ أن حجم التعبئة قد يكون أقل هذه السنة لأسباب عدة، ومنها، في رأي المؤرخ دين فوليسيتش، أن “الحملة ضد إسرائيل العام الماضي لم تنجح”.
وذكّر بأن “أية دولة لم تقاطع مسابقة يوروفيجن بسبب إسرائيل”، فضلا عن أن المرشحة الإسرائيلية حلّت في المركز الخامس.
ويُتوقع أيضا أن تساهم القواعد الجديدة التي اعتُمِدَت في الحد من التعبئة، وخصوصا في ما يتعلق بالأعلام. ففي حين لن يتمكن المرشحون إلا من حمل علم البلد الذي يمثلونه، سيكون الجمهور حرّا في التلويح بالعلم الذي يختاره.
وأوضحت “يوروفيجن” أن هدفها من ذلك هو “إيجاد التوازن لتمكين الجمهور والفنانين من التعبير عن حماستهم وهويتهم، وفي الوقت نفسه(توفير) مزيد من الوضوح للوفود في ما يتعلق بالمساحات الرسمية”.
ورأى فوليتيتش أن “هذا القرار مستوحى بشكل رئيسي من رفع بعض المشاركين العلم الفلسطيني العام الفائت”.
ومع أن الولايات المتحدة لا تشارك في المسابقة، فإن هجمات الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الدول الأوروبية قد تؤدي إلى توحيد الأوروبيين.
وقالت كارنيل “في ظل المناخ السياسي الراهن، فإن فكرة الوحدة الأوروبية في مواجهة العالم الخارجي اكتسبت زخما”.