مرآة الكتابة – نصوص – ضمد كاظم وسمي
يمـــــكن القــــــول في البدء خـــــــلق العقل وكانت الكـــــلمة.. وفي البــــدء الختامي قال الخالق سبحانه لنبيـــــه (ص): ((اقرأ)).. لانــــه في البدء الاولي كانت الكتابة: ((كتــــب عــــلى نفسه)).. وفي الـــــبدء كان اللوح المحفوظ الــــــذي كتب فيه كـــــل شيء.. وعصور التاريخ لم تبدأ الا مع الكتابة والتدوين..
والكتابة لا تكون الا بالمضامين، والمضامين في متناول الجميع، يقول الجاحظ: لاعبرة في المضامين، لانها مرمية في الطرقات اذن العــــــبرة في كيفية التعامل مع هــــذه المضامين باعتبارها مواد خام واعادة الحياة لها من خلال تمــــــــثلها من قبل الكــــــاتب في معمله الخاص، ويعيد انتاجها بعد ان يحررهـــــــا من سبة الاجترار والتقليد.. مستدعيا تــــــــاجيج الابداع بديباجة غير مسبوقة.
قد يقال ان الكتابة تثير اسئلة الحياة والواقع والوجود والميتافيزيقيا وحيث انها صنو المضامين فأنها مطروحة أنّى رنوت او اشنفت حلمت او لمست، اقدمت اواحجمت.. فما بال الكتابة موصومة بجريرة السؤال ؟ في الوقت الذي تبدو فيه مسؤولة اكثر منها سائلة ! لانها ربما كانت متورطة في فقه الجواب، لذلك فهي جديرة بالمقاضاة.. اذا ادعت لنفسها امتلاك الحقيقة المتفلتة دائماً من شرك الكلمات والافكار والالباب، او خانت غايتها الاساسية في صناعة الانسنة ضمن انطولوجيا الـــــوجود من خلال اقانيم الحياة والحرية والتطور.
اننا نكتب من اجل تحقيق المقاربة بين اللاوعي والوعي. من اجل تحرير الوعي من مطمرات اللاوعي واحياء مقابره وانعاشها ثانية.. من اجل التحرر من مازق العودة الى الذات.. فاشتراطات العقل الباطن حاكمة على اتجاهات العقل الواعي.. من اجل تحرير العقل نلجأ الى الكتابة..
فالمبدع يمارس سلطته على الذات والاخر والمجتمع من خلال الكتابة، وغيره يمارس السلطة من خلال الآله – اداة العنف – فالكتابة هي الحاضنة المتفردة للعبقرية.. التي ديدنها تحرير العقل الزاخر بالتجريد، واعادة تشكيل الواقع الموبوء بالابتذال.
يقول دافنشي: الفن هجوم على الخوف، ربما بالكتابة يتحرر المرء من خوفه المقيم في ذاته. فالكتابة اشبه ماتكون بيوم القيامة.. حين يتحرر الانسان حتى من ورقة التوت، الكتابة الحق تجلي الحقيقة بعد ان تنزع عنها اوراق التوت واحدة بعد اخرى. اسئلة الواقع والصيرورة تخز ضمائرنا.. ذلك ان الاسئلة الجادة ميسورة و مطروحة.. وهي قد تكون غنية عن الكتابة.. لكن الاجوبة الجادة لاتكون الا في الكتابة وهي ليست مقدورة لكل احد، لذلك نكتب من اجل البحث والتقصي بغية الولوج الى عوالم الاجوبة التي قد تخترق الواقع وتعيد تشكيله على وفق المنظور المقترح. فالكتابة تخترق القيم والمفاهيم من اجل اعــــادة صياغة الحياة والواقع بمفاهيم وقيم جــــــديدة تنـــــشد الحرية والعدل والعلم والتقدم. انهـــــا كاشفة لصفاء روحي ومظهرة لشكل وعيي الذي لا ادركه الا بالكتابة فضلاً عما تصنعه من لحظات الاستمتاع واللذة الروحية البـــــاهرة.. لان لحظة الكتابة هي لحظة الاندغام في معــــرفة اسرار المباني وانقشاع اوهام المعــــــاني المنغرسة فيها. فالكتابة لوحة اومرآة يعيد الفنان رســـــم الوجود فيها بالحروف المضمخة بألغاز الجمال.. وشفرات الخلود.. وعبقــــــرية الحياة.
كل انتــــماءاتي عقيمة خلا انتمائي لعالم الكتابة.. فــــــانني كلما لججت عمقـــــه ربا ينعه لانها متنفس احلامي المقموعة وممارسة حياتي المصادرة بل هي روحي السقيمة في مشفى النقـــــاهة تتمرن بالبوح للخلاص من رطانة الواقع ومهيمناته الايديولوجية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية نــــاهيك عن جبروت الانا الذي يبدو كظيماً وان كان بالقدر اشبه، انها تـــــــروضني على قبول الاخر واحترامه.. انها ترشفني الحب وتمــــــعن نظرتي في اسرار الجمال انها تفضح كل هذا المكر الحضاري باستعلائه اللانساني مثلما تنبهني الى خطـــــورة العـــــقائد التكفيرية الالغائية على مستقبل الانسانية.


















