مرآة الذات – عبد الستار الراشدي

مرآة الذات – عبد الستار الراشدي

بعد سن الأربعين، بدأت ملامح النضوج الفكري والأدبي تتجلى في داخلي بوضوح، كأنما التجارب السابقة كانت تمهيدًا لصوت داخلي أكثر اتزانًا وعمقًا. خضتُ غمار الحياة العسكرية، وشاركت في معارك وحروب تركت بصماتها على الذاكرة والوجدان.

هناك، في خنادق القتال، تعلمت معنى الصبر، وقيمة اللحظة، وحدود الإنسان أمام الموت والحياة. لم تكن تلك التجارب مجرد أحداث عابرة، بل كانت مرايا كشفت لي عن نفسي، عن قوتي وضعفي، عن الإنسان في أقسى حالاته.

ثم جاءت المدنية، بتحدياتها المختلفة، من العمل الإداري إلى العلاقات الاجتماعية، فكانت امتدادًا لتلك التجارب، ولكن بلغة أخرى. في المدنية، واجهت صراعات من نوع آخر: البيروقراطية، التفاوت، البحث عن المعنى وسط الرتابة.

ومع مرور الوقت، بدأت تلك التجارب تتداخل، تتفاعل، وتعيد تشكيل رؤيتي للعالم وللكلمة.

أصبحت الكتابة ملاذًا، أفرغ فيها ما تراكم من صور وأحاسيس، فكان الأدب عندي ليس ترفًا، بل ضرورة. كل قصيدة، كل نص، هو محاولة لفهم الذات وتوثيق الرحلة.

وهكذا، وجدت نفسي في مرحلة مقنعة، لا أبحث فيها عن إثبات، بل عن صدق، عن أثر، عن صوت يحملني ويعبر عني.

مشاركة