مجموعة دول بريكس .. نظام عالمي متعدّد الأقطاب – قتيبة آل غصيبة
القسم الاول
تستضيف جمهورية جنوب افريقيا هذا العام للفترة من 22 آب / أغسطس ولغاية 24 منه ؛ اجتماع القمة الخامس عشر لمجموعة دول بريكس المؤلفة من ( الصين، روسيا، الهند، جنوب أفريقيا، البرازيل) والذي يحظى بإهتمام وسعي للإنضمام اليه من قبل22 دولة حاليا ؛ إذ المتوقع انه سيحدث تطورا كبيرا في النظام العالمي المالي والاقتصادي والسياسي ؛ وذلك بالانقلاب على الدولار الامريكي من خلال إصدار عملة البريكس التي سيكون غطائها الذهب ؛ فالدولار لاتزال الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة عقود تستخدمه سلاحا فعالا في سياستها للهيمنة الاقتصادية والسياسية على العالم ؛ وان مشروع الهيمنة بالدولار ؛ والذي يمكن وصفه بأنه كان مشروعا غير مسبوق في تاريخ الانسانية ؛ حيث تمكنت بموجبه الولايات المتحدة ان تكون القوة الرئيسية العظمى على الساحة العالمية ؛ وتم ذلك بمرحلتين : كانت الاولى في عام 1944 وعندما اصبح نصر دول الحلفاء مؤكدا في الحرب العالمية الثانية؛ والذي ساهمت فيه الولايات المتحدة بشكل كبير ؛ وكان لابد لها ان تحسم هذا النصر لصالحها ؛ لتتصدر دول العالم ؛ إذ تم في 1944 عقد اجتماع سري في فندق “برتن وودز” بالعاصمة “واشنطن” ؛ حضره مجموعة من المسؤولين الاقتصاديين في الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الاوربية الرئيسية ؛ بهدف تنظيم النظام النقدي والاقتصادي العالمي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ؛ وتعزيز قوة الدولار كأحد اهم العملات الاحتياطية في العالم ؛ وتم التوصل في هذا الاجتماع إلى اتفاقية تعرف بـ “اتفاقية برتن وودز”، والتي تمت بموجبها ؛ تحويل الدولار إلى العملة الأساسية للنظام النقدي الدولي، وتم تحديد قيمة الدولار الأمريكي بنسبة ثابتة للذهب.
عملة اساسية
وعلى هذا الأساس تم تحويل الدولار إلى العملة الأساسية التي ترتكز عليها الصكوك المالية الدولية ؛ وتعهدت الولايات المتحدة في حينها ؛ بأن تتيح للدول الأخرى استبدال الدولارات التي حصلوا عليها بالذهب بسعر ثابت ؛ ادى ذلك الى تعزيز الثقة بالدولار وجعله مرتبطا بالذهب ؛ وقد رفعت هذه السياسة مكانة الولايات المتحدة في النظام الاقتصادي العالمي ؛ إذ تحتاج باقي الدول إلى الدولار لإجراء التجارة وتسوية المعاملات التجارية وقد أعطى هذا الامر الولايات المتحدة نفوذاً هائلاً في الاقتصاد العالمي، وتحققت أهدافها من خلال هذه السياسة بشكل كبير ؛ إذ زادت مكانة الدولار وقوته الشرائية في الأسواق العالمية ؛ مما سمح للولايات المتحدة بتمويل ديونها وعجزها التجاري بشكل سهل ؛ وعلاوة على ذلك ؛ استطاعت الولايات المتحدة أن تتحكم بالنظام المالي العالمي ووضعت سياسات اقتصادية تتناسب مع مصالحها ؛ وتمت لها السيطرة على أكبر احتياطي عالمي من الذهب ؛ حيث توقعت الدول الأخرى في ذلك الوقت ؛ التزام الولايات المتحدة بطبع الدولار حسب ما لديها من ذهب ؛ إلا ان الولايات المتحدة قامت بطبع الدولار حسب رغبتها ؛ غير آبهة باحترام كمية الذهب التي في احتياطاتها ؛ ليصحو العالم بعدها ؛ على ماتقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من سرقة مكشوفة وغش مفضوح بشراء جهد العالم بمجرد أوراق مطبوعة ، اما المرحلة الثانية من مشروع الهيمنة الامريكية بالدولار : فقد واجهت الولايات المتحدة في سبعينيات القرن العشرين تحديات اقتصادية متفاقمة ؛ بما في ذلك التضخم المرتفع وعجز الميزانية الأمريكية نتيجة لتكاليف الحرب الفيتنامية ، لكن أكثر القضايا التي أثرت وقتذاك في السياسة الاقتصادية للرئيس الامريكي نيكسون (ت : 1994)، كانت أزمة النفط في 1973، عندما قامت منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” بفرض حظر تصدير النفط إلى الدول التي دعمت إسرائيل خلال حرب تشرين/ اكتوبر 1973، مما أدى ذلك إلى زيادة حادة في أسعار النفط وأثر بشكل كبير على الاقتصادات العالمية ؛ ولمواجهة هذه الأزمة النفطية ؛ قررت إدارة الرئيس الامريكي نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر اتخاذ إجراءات لتعزيز الدولار الأمريكي وضمان استقراره رغم التحديات الاقتصادية ؛ وتم اتخاذ قرار تحويل الدولار الأمريكي إلى نظام جديد ؛ والذي يُعرف اليوم باسم “البترو دولار”؛ إذ قامت الولايات المتحدة وفقًا لهذا المشروع بالتوصل إلى اتفاق مع السعودية ودول أخرى من أوبك ؛ للموافقة على تسعير وبيع النفط بالدولار الأمريكي فقط؛ مقابل تقديم الولايات المتحدة الدعم العسكري والسياسي للسعودية ودول المنطقة في مواجهة التهديدات الأمنية المحتملة، وهو ما يعرف باسم “أمن النفط”، وبالتأكيد فإن مشروع البترو دولار كان له تأثير كبير على النظام المالي العالمي، حيث تم تعزيز مكانة الدولار الأمريكي كعملة وسيطة وإحتياطية للتجارة العالمية ؛ كما ساعد هذا المشروع على استقرار الدولار الأمريكي وتخفيف بعض الضغوط الاقتصادية التي كانت تواجهها الولايات المتحدة في ذلك الوقت .
تعزيز الهيمنة
على الرغم من أهمية الدور الذي يلعبه الدولار في تعزيز الهيمنة الأمريكية، إلا أن هذا النظام لايزال يواجه تحديات ونقاشات حول التبعات الاقتصادية والسياسية لهذا التفوق النقدي الأمريكي على العالم .
وبالرغم من عدم مقدرة عدد من الدول التي سعت للتخلص من مشروع البترو دولار والهيمنة الاقتصادية الامريكية على دول العالم ؛ ونتيجة للاصرار الامريكي على فرض سياساتها للهيمنة عالميا ؛ وزيادة اعتمادها على العقوبات الاقتصادية والمالية ضد الدول الاخرى الخارجة عن سياستها.
فقد أدى ذلك الى دفع الدول التي تميزت بنمو اقتصادي كبير ؛ ودفعها باتجاه مضاد لسياسة الهيمنة الامريكية ؛ وظهرت اقطاب صاعدة صناعيا واقتصاديا لترسم خريطة نظام عالمي جديد ؛ وحجزت هذه الاقتصادات الناشئة لنفسها مقعدا أمامياً على مائدة هذا السباق المعقد المليء بالتناقضات التي أفرزتها هذه السياسات الامريكية الممتدة زهاء ثمانون سنة ؛ ليتشكل في تموز/ يونيو عام 2009، تحالف دول بريكس ؛ والذي يتألف من (الصين وروسيا والهند والبرازيل) ؛ وانضمت له عام 2010 (جنوب أفريقيا) ؛ بالإضافة الى طلب العديد من الدول الانضمام لهذا التحالف ؛ وأبرزها (السعودية والامارات ومصر والجزائر والبحرين اندونيسيا وايران وبنغلاديش والارجنتين ) ؛ ليطــــــلق عليه “تحالف بريكس بلص” ؛ والمثـــير هنا ان العديد من هذه الدول ؛ هي اما من كبار منتجي النفط في العالم او من الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة الامريكية .
{ يستكمل المقال في القسم الثاني