مجزرة الكيمياوي تسقط ورقة التوت
هــل حقاً ستحصل ضربات جــوية على سوريا؟
لطالما كررنا في دعائنا (اللهم اضرب الظالمين بالظالمين و أخرجنا من بينهم سالمين) ليس شعورا بعجز عن مقارعة من ظلمنا ولا رهانا على الآخرين ليدافعوا عنا، فنحن طالما رددنا كذلك (يا الله مالنا غيرك يا الله) ولكننا نعلم أيضا من قصص الأولين، أن الله قد يهيء الأسباب لنصرة المظلومين بأكثر من طريقة ومنها أن يسلط ظالما على آخر وهو ما حدث في أفغانستان عندما سخر الله الولايات المتحدة لتدعم أسامة بن لادن والمجاهدين العرب في القتال ضد المحتل السوفييتي، ثم سخرها لتدعم البوسنيين المسلمين ضد المحتلين الصرب وأخيرا سخرها لتدعم الثوار الليبيين ضد الطاغية القذافي.
منذ الشهر السادس للثورة بدأت تتعالى الأصوات لدى شرائح واسعة من الثائرين لطلب الدعم الدولي بأشكال عديدة من حظر جوي أو مناطق عازلة أو ممرات آمنة أو تسليح للجيش الحر، ووصل الأمر في مرحلة من المراحل إلى حد تخوين كل معارض سوري يرفض أو حتى يتردد في طلب التدخل الدولي.
بدأ الدعم الدولي يصل إلى الشعب السوري على شكل مساعدات إنسانية وعسكرية من أطراف عدة عربية وغربية ولكن بتردد مريب وبوتيرة بطيئة ولم تكن النتيجة إلا ارتفاعا بفاتورة الدم والتهجير ومزيدا من التدمير للدولة السورية والتمزيق لمجتمعها مع شرذمة وسوء في الإدارة والتوزيع ولم يكن المجتمع الدولي جديا في أي لحظة بالدفع باتجاه الحسم لصالح الشعب السوري الثائر، بل حافظ بزعامة قطبيه الأكبرين المتصارعين الأمريكي والروسي المتفاهمين على استمرار حرب الاستنزاف على مبدأ لاغالب ولا مغلوب.
لم يسأل كثير من الثوار الذين طالبوا بالتدخل الدولي قبل عامين أنفسهم لماذا قد تفكر الولايات المتحدة وحلفاؤها بالتدخل، ولم يقبلوا أي مناقشة بالأمر بل إن بعضهم خون رموزا معارضة عريقة لرفضها التدخل الأجنبي وأوشك أن يسقط مجالس وهيئات وطنية لمجرد التردد بطلب هذا التدخل، وطبعا لم يحدث التدخل لأسباب عديدة لسنا بمجال تفصيلها هنا.
اليوم تعلو أصوات طبول الحرب وكأن المجتمع الدولي قد استفاق فجأة من غيبوبته وتنبه إلى أن في بقعة من هذا العالم شعب بريء يذبح على يد نظام أهوج وأن الواجب الإنساني يحتم التدخل لحمايته ووقف المجازر المرتكبة بحقه.
لاشك بأن مجزرة الكيماوي في غوطة الشام كان لها أثرها المدوي والذي أسقط ورقة التوت عما يسمى المجتمع الدولي فلم يبق لرئيس الدولة الأقوى في العالم أي هامش للمناورة حول خطه الأحمر الذي ربما شعر بأنه تورط بالحديث عنه حينما لم يكن يتوقع إلى أي درجة يمكن أن يصل جنون جزار دمشق.
ولكن في نفس الوقت، يجب ألا نكون ساذجين لدرجة أن نصدق بأن أساطيل القوى الدولية الأعتى في العالم ستتحرك فقط حماية لحقوق الإنسان السوري، هذه القوى التي لم يهزها قتل مائة ألف سوري ذبحا وقصفا وقنصا ماكان ليهتز ضميرها لمقتل ألفين إضافيين خنقا في الغوطة.
ليس محسوما بعد أمر التدخل العسكري الدولي وليس معروفا بعد إلى أي درجة سيبلغ مداه إن حدث، ولكنه من المفترض أن يكون معروفا للجميع أن هذا التدخل إن حدث فسيكون حماية للمصالح الدولية في المنطقة التي تضررت بانتشار الفوضى وتنامي بروز الجماعات الجهادية ودخول ورقة السلاح الكيماوي فعليا إلى حلبة الصراع وكل ذلك على حدود إسرائيل.
كيف سنتعامل مع هذا التدخل إن حدث؟
هل سيخرج من بيننا من يهلل ويرقص بلا وعي لقدوم المسيح المخلص؟
هل سيخرج من يخون هؤلاء ويتهمهم بالتفريط بالسيادة الوطنية؟
هل سيخرج من يعيد مرة ثانية مسلسل التخوين والاتهام بالعمالة للنظام بحق كل من يرفض التدخل الأجنبي؟
هل سيخرج آخرون ليرفضوا لأسباب عقائدية التدخل الدولي لأنه إن أتى فسيكون بقيادة غربية أمريكية وهم لا يأمنون بأي تقاطع للمصالح مع الغرب بل يعدوه عدوا خالصا ويهمهم أن يقودوا الشعب السوري بعد الأسد إلى حرب مع أمريكا وإسرائيل والغرب بأسره بل وربما والشرق معه؟ هل سينتظر هؤلاء لإعلان نواياهم أم أنهم سيجاهرون بها منذ الآن وقد يكونوا مسرورين بأن تتم إضافتهم إلى بنك الأهداف في الحرب المرتقبة؟ وهل وهل وهل؟
كل الاحتمالات واردة في هذه المرحلة الحرجة والحساسة جدا ونحن بأشد الحاجة للتعقل والتروي والتعامل بحنكة حتى نستفيد من الظرف القائم ونبحث عن أكبر قدر ممكن من المصالح المشتركة مع الآخرين في هذه المرحلة.
وعلى وجه الخصوص، يتوجب على الكتائب التي تعد نفسها إسلامية أن تقدر أن مصير الشعب السوري مرتبط اليوم إلى حد كبير بمدى وعي قياداتها وواقعيتهم وحسهم بالمسؤولية وهم أمام استحقاق تاريخي يفرض عليهم واجبا كبيرا تجاه هذا الشعب وكذلك تجاه الله، و الله وليُّ التوفيق.
فاروق الحبيب – بغداد
AZPPPL